أولى

مؤتمر قمة عربيّة بدون سورية بلا طعم!

} د. جمال زهران*

تقرّر أخيراً.. عقد مؤتمر القمة العربية في بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل (2022)، بعد تأجيلات لمدة عامين وأكثر، في عاصمة الدولة الجزائرية المقاومة، وقد تأكد عقد المؤتمر، هذه الأيام، بعد أن أعلنت سورية موافقتها على عقد المؤتمر، دون عرض عودة سورية إلى الجامعة لاستمرار مسيرة عطائها القومي والعروبي، وذلك تفادياً لتفجير المؤتمر من الداخل، أو إعاقة عقده للمرة الثالثة في ضوء إصرار الجزائر المقاومة برئاسة السيد عبد المجيد تبون، على عدم عقد المؤتمر على أرض الجزائر، بدون وجود سورية. فما هي الملابسات والأطراف وفعالية المؤتمر المنتظرة في ضوء عقده بدون حضور سورية وعودتها لممارسة دورها الطبيعي الرائد؟

فلا شك في أن تعليق أو تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية، كانت بتكتل من غالبية دول الخليج وبقيادة رأس الرجعية العربية (السعودية)، تنفيذاً لمؤامرة أميركية ضدّ الدولة السورية ورئيسها وجيشها، لإسقاط النظام وتفكيك الدولة وجيشها، لتلحق بالعراق واليمن وليبيا، على وجه التحديد، ثم تخريب لبنان من الداخل، فينهار محور المقاومة، وتلي ذلك الخطوة التالية لمحاصرة إيران حتى سقوطها، وسقوط الدولة الإيرانية وتفكيكها، حسب تصورهم!!

تلك هي المؤامرة التي تمّ التخطيط لها، وبتمويل من غالبية دول الخليج، واعترف بذلك حمد بن جاسم آل ثاني (رئيس الوزراء القطري ووزير خارجيتها السابق)، في برنامج بقناة الـ (بي.بي.سي) العربية، أكثر من مرة. والشخص ذاته أعلن أنه تمّ تخصيص مبلغ وقدره (138) مليار دولار تحديداً، لتدمير سورية والإطاحة برئيسها وإسقاط نظامها، وتفكيك الجيش، كما أشار إلى نظام تقديم الرشاوي للضباط ودرجاتهم، والمسؤولين ودرجاتهم!!

إلا أنّ هذه المؤامرة قد فشلت فشلاً ذريعاً، وباعتراف حمد بن جاسم، وكلّ قادة دول الخليج. ودليل ذلك أنّ ما كان مطروحاً لحلّ الأزمة السورية، وهو استقالة أو إجبار الرئيس بشار الأسد، على الاستقالة، تمّ التراجع عنه، وأضحى الأمر، إعلاناً رسمياً بقبول التعاون مع رأس النظام السوري وهو الرئيس بشار الأسد، لحلّ الأزمة!! وقد ترجم ذلك في لقاء الأسد مع رئيس الإمارات (محمد بن زايد)! وعودة بعض السفراء الخليجيين إلى دمشق!

والصحيح أنّ الحصار الأميركي والدول التي تسير في فلك الدولة الكبرى الشيطان (الولايات المتحدة)، لا يزال مستمراً، كما أنّ قانون «قيصر»، وما قبله من قرارات أميركية غير شرعية، ولا سند لها من شرعية عالمية من الأمم المتحدة، إلا أنّ سورية استطاعت أن تستمرّ، ويستمرّ نظامها وجيشها، بإعادة التحالفات الإقليمية والدولية، كان نتاجه انتصار الدولة السورية (شعباً وجيشاً وقيادة)، على الإرهاب، وقتل المؤامرة، وأصبحت السلطة السورية تسيطر على أكثر من 75% من أراضي الدولة، وهناك مفاوضات للخروج التركيّ، ثم الخروج الأميركي، لتعيد السلطة سيطرتها الكاملة وبسط سيادتها على كلّ أراضي سورية كاملة. وقد أشرت إلى ذلك في مقال سابق.

فالمؤامرة قد فشلت، والدولة السورية لا تزال مستمرة وانتصرت على هذه المؤامرة، فإنّ السؤال: لماذا الإصرار والتعنّت، على عدم عودة سورية لمنظمتها الإقليمية (الجامعة العربية) حتى الآن؟! أيّ بعبارة أخرى: ماذا تبقى لكي تعود سورية للجامعة، التي ساهمت في تأسيسها عام 1945، وكانت من الدول الخمس الأولى (المؤسسة، في مارس/ آذار 1945، قبل انضمام السعودية واليمن في مايو/ أيار 1945، كدول مؤسسة، ليصبح عدد الدول المؤسّسة (7) دول عربية، هي إحدى أهمّ الدول المؤسّسة، والتي هي الأقدم في الاستقلال الفعليّ؟!

في تقديري أنّ أميركا والدول الحليفة والتابعة لها في المنطقة العربية، والمتحكمة في قرارات الجامعة العربية، لا تزال ترفض العودة السورية، تفادياً لتنامي نفوذ وقوة محور المقاومة، وإيران في قلب هذا المحور، وبغطاء روسي بطبيعة الحال. فضلاً عن أنّ العودة السورية للجامعة، مرتهن بعودة الاتفاق النووي، بين إيران ودول أوروبا وأميركا، إلى الوجود، بعد توقفه أثناء فترة ترامب (الرئيس الأميركي الصهيوني المتغطرس)، وذلك بهدف إجبار إيران على القبول بالطلبات الأميركية، لإعادة الروح إلى هذا الاتفاق النووي الذي سبق إقراره عام 2015، تحت شعار (5+1).

ومع استيعاب هذه الملابسات، والأطراف الفاعلة في إعاقة عودة سورية للجامعة، في مقدّمتها الدول الرجعية وعدد من الدول العربية الحليفة التي تتأثر قراراتها وموافقتها بالتمويل الخليجي، فإنه يمكن القول بحسم، إنّ مؤتمر القمة العربية المقبل، هو مؤتمر بلا طعم، ويمثل إعادة إنتاج للواقع التقليدي المحافظ للأسف.

وأخيراً: تحية لسورية المقاومة التي رفعت الحرج عن الجزائر المقاومة في هذا الصدد، ولكن المقاومة هي الخيار المنتصر بإذن الله.

 

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمّع العالميّ لدعم خيار المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى