أولى

لعبة المصارف وأكذوبة الحكم الفعليّ للبلد

التعليق السياسي

توحي المصارف عبر بيانات جمعيتها، وتصريحات رئيس الجمعية، خصوصاً ما صدر عنه أمس، لصيحفة الفاينانشال تايمز، بأن المصارف تقع تحت مظلوميّة، وأنها كانت فاعل الخير في الاقتصاد، وتمويل الدولة، وأنها اليوم تعاني تدخل السياسيين، وتطلب التحرّر منهم لصالح حصر المرجعيّة مع المصارف بمصرف لبنان.

خلال ثلاثين عاماً كانت المصارف تموّل الدولة التي ينفق أموالها السياسيون الذين تطلب المصارف التحرّر من تدخلهم، وهي موّلت لهم الفساد والإنفاق الفوضوي وغير القانوني بعلم ونية كاملين، مقابل الحصول على فوائد عالية لا يفسّرها إلا الطمع والجشع بعيداً حتى عن التفكير بالغد، لأن ابسط حساب عقلاني كان يستطيع إدراك أن لعبة لحس المبرد ستصل في النهاية إلى الانهيار. وكانت المصارف تحت إشراف مصرف لبنان، الذي فلسف نظرية الاستدانة ورفع الفوائد، واعتبرها أساس السياسة المالية، وتناوب على إدارتها مع المصارف حتى وقع الانهيار بنتيجتها. فهل هذه التجربة تشجع على إعادة إنتاجها؟

ما تريد المصارف التحرّر منه ليس السياسة التي كانت مصدر مراكمة أرباح هائلة بلا طائل، وشرذعت سرقة أموال المودعين، بل السياسة التي تريد استدراك اللحظات الأخيرة ما قبل السقوط الكامل للبلد، وتسعى لوضع ضوابط على حركة المصارف ومصرف لبنان، بإعادة الاعتبار لمفاهيم الاقتصاد والمالية بالمعايير القانونية، ومن ضمن نتائجها عملياً حفظ المصارف نفسها من مخاطر طمعها الذي لا تحدّه حدود رغم وجود لبنان على مشارف الانهيار.

لم تتعظ المصارف من تجربتها السابقة ولا تبدو أنها تقدر فعلياً الخطر المقبل، وإلا لكانت بادرت على الأقل إلى شراء سندات اليوروبوند التي يملكها الأجانب، وهي اليوم بربع سعرها، أي أقلّ من ثلاثة مليارات دولار، بدلاً من أن تمهّد لبيع المزيد من السندات التي تملكها للخارج بذريعة تأمين السيولة وهي تعلم أن ذلك هو طريق المزيد من رهن لبنان للخارج وتعريضه للسقوط أمام شروط مذلّة ومهينة لهذا الخارج أقل نتائجها سيكون تفجير البلد اجتماعياً، وربما أمنياً، وعندها لا مصارف ولا من يحزنون، فمَن سيمنع ثورة الجياع من اقتحام الدور والقصور؟

الخروج الآمن والعقلاني من الأزمة ومن دائرة الخطر، مشروط بانضباط المصارف بالتراضي أو بالإكراه، بتحمّل قسط من التضحيات يتناسب مع ما نالته من مكاسب في زمن مراكمة الأرباح يوم كانت وحدها مع الفساد يقفان على ضفة المستفيدين، بينما لبنان واللبنانيون يدفعون الثمن بمزيد من الغرق وصولاً لخطر الإفلاس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى