أولى

قمة سمرقند… عالم ينهار عالم ينهض

 محمد صادق الحسيني

على الرغم من المتغيّرات العالميّة الكبيرة، التي تشهدها موازين القوى الدوليّة، تصرّ قوى الاستعمار القديم، وعلى رأسها بريطانيا، ومعها القوة الاستعمارية المترنحة، ايّ الولايات المتحده الأميركية، على محاولات السيطرة، على كامل منطقة دول وسط آسيا، بما في ذلك كامل منطقة القوقاز، وبالتالي تغيير وضع الاستقرار الاستراتيجيّ في القارة الأـورو آسيوية بأكملها، وذلك في محاولة من هذه القوى الاستعمارية لوقف عجلة الحتمية التاريخية، الموضوعية، التي تدور باتجاه إنهاء سيطرة القطب الواحد، وبالتالي قوى الاستعمار القديم والحديث على مقدّرات العالم.

فكما فعلت بريطانيا، بالتعاون مع فرنسا، سنة ١٨٥٣، بافتعال أزمة دولية كبرى، في منطقة البحر الأسود ودول القوقاز، أدّت الى حرب القرم/ شبه جزيرة القرم، التي اشتركت فيها الإمبراطورية العثمانية الى جانب بريطانيا وفرنسا ضد الإمبراطورية الروسية، والتي انتهت بهزيمة روسيا فإنّ بريطانيا الحالية، ومعها دول الاستعمار الغربي الأخرى، ايّ ما يُعرف حالياً بحلف شمال الأطلسي، لا تزال تحلم بالاستيلاء على قاعدة سيباستيبول البحرية الروسية في شبه جزيرة القرم، ايّ أنها تفكر بإلحاق الهزيمة الاستراتيجية بروسيا، كخطوة ضرورية لإعادة تكريس الهيمنة الاستعمارية الأوروأميركية على مقدرات العالم.

وقد عمدت قوى الاستعمار الأميركيّة والأوروبيّة المعاصِرة الى افتعال سلسلة طويلة، من الثورات الملوّنة والنزاعات العرقية، في دول الاتحاد السوڤياتي السابقة، على حدود روسيا الجنوبية مع وسط آسيا وحدودها الغربية في روسيا البيضاء وأوكرانيا، وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية.

الا انّ الدول الاستعمارية، المذكورة أعلاه، قد ارتكبت أخطاء استراتيجية، في تقييمها لموازين القوى، الإقليمية في أوروبا والدولية في العالم أجمع. وهي الموازين التي لا تسمح بإعادة عقارب الساعة الى الوراء.

فها هي دول منتدى شانغهاي للتعاون تجتمع اليوم، في مدينة سمرقند الأوزبيكية، رمز طريق الحرير القديم الرابط بين أعماق آسيا وأوروبا، ما يجعل هذه القمة تكتسي أهميّة غير عادية لاسباب عديدة، في ما يلي أهمّها:

١) مشاركة الرئيسين الصينيّ والروسيّ في هذه القمة لمناقشة العديد من القضايا الدوليّة والإقليمية، وعلى رأسها موضوع الاستقرار الاستراتيجي، في مناطق المحيط الهندي وبحار الصين، وصولاً الى غرب المحيط الهادئ، اي شمال شرق الصين وجنوب شرق روسيا، وهي المنطقة التي شهدت مناورات برية وبحرية وجوية عملاقة، شارك فيها عشرات آلاف الجنود وآلاف القطع الحربية المختلفة (شارك فيها من روسيا فقط خمسون ألف جندي).

٢) الزيارة الهامة، التي قام بها الرئيس الصينيّ الى كازاخستان في اليومين الماضيين، والمقال الذي كتبه الرئيس الصيني ونشرته وسائل الإعلام الكازاخية والأوزبكية، في توقيت متزامن أمس (الأول)، وما ورد فيه حول استعداد الصين في ضمان الأمن والاستقرار في كلا البلدين.

خاصة إذا قرأنا هذا التوجه في إطار العدوان العسكري الأجنبي، الذي نفذته أجهزة المخابرات الأميركية الأطلسية، مطلع العام الحالي في كازاخستان، والذي أنهته روسيا وقتها في عملية عسكرية خاطفة أشبه بـ ٧ أيار اللبنانيّ انتهت بالقضاء على عصابات داعش المسلحة، وإعادة الأمن للبلاد خلال ٤٨ ساعة.

٣) مشاركة الرئيس الإيراني، ابراهيم رئيسي، في هذه القمة ووصوله الى أوزبكستان يوم أمس وتوقيعه على سبع عشرة اتفاقية تعاون مختلفة مع أوزبكستان؛ وما يعنيه ذلك من تكريس للتعاون الإقليمي، الذي يشكل رافعة للتعاون الدولي المتعلق بمشروع طريق وحزام الصين العملاق، وما لإيران من دور هام في الطرق التجارية، سواء باتجاه الجنوب والشمال او من الشرق الى الغرب.

٤) مشاركة رئيسَيْ أرمينيا وأذربيجان ورئيسَيْ قرقيزستان وطاجيكستان في هذه القمة، وهي الدول التي تشهد كلّ اثنتين منها اشتباكات حدودية مسلحة منذ عدة أيام، لعبت أجهزة الاستخبارات الأميركية الأطلسية دوراً هاماً جداً في إشعالها ومحاولات صبّ الزيت على نارها، لتحويلها الى حروب طويلة الأمد، تهدّد وبشكل مباشر الحدود الصينية الغربية والروسية الجنوبية، كما تزعزع الاستقرار في هذه المنطقة الاستراتيجية الهامة من العالم.

من هنا فإنّ نجاح الدبلوماسية الروسية الصينية في احتواء هذا العبث الأميركي الأطلسي، بالأمن الإقليمي الآسيوي، سيتمّ تطويره، عبر لقاءات ثنائيّة وربما رباعيّة، طاجيكية قرقيزية روسية صينية، وصينية روسية أرمنية أذرية، وربما يتمّ إجراء لقاء أوسع، لبحث السبل الدبلوماسية والسياسية للتوصل الى حلول مستدامة للأزمات التي تغذّيها سياسة خلق الأزمات الأميركية الأطلسية.

٥) كما لا بدّ من أن نتذكر الفشل الذريع، الذي حلّ بالمشاريع الأميركية الأطلسية، على حدود روسيا الغربية، ايّ في جمهورية روسيا البيضاء وإقليم أوكرانيا، حيث فشلت الولايات المتحدة من إسقاط الدولة في روسيا البيضاء قبل عدة أشهر، كما فشلت في تحويل إقليم أوكرانيا الى قاعدة عسكرية نووية تهدّد روسيا بشكل مباشر، الأمر الذي اضطر القيادة الروسية إلى اتخاذ قرارها بتنفيذ العملية العسكرية الخاصة في إقليم أوكرانيا، بهدف نزع سلاح أوكرانيا وضمان حيادها وعدم انضمامها الى حلف شمال الأطلسي واستئصال الوباء النازي، وكلّ تشكيلاته العسكرية المسلحة والمموّلة أميركياً، من هذا الإقليم، خاصة أنّ هذه العصابات النازية الأوكرانية هي ذات سجل دمويّ تاريخياً.

إذ انها، وعلى عكس التسمية التي تطلقها عليها وسائل الإعلام المختلفة، وتصفها بالنازية الجديدة او النازيين الجدد، إلا انّ هذه التنظيمات النازية قد أنشأتها الامبراطورية الألمانية والنمساوية، في سنة ١٩١٥، عندما كانت مناطق غرب إقليم أوكرانيا الحالي هي أراضٍ لمملكة غاليسيا، التي كانت بدورها جزءاً من امبراطورية النمسا المجر. وقد انشئت هذه التنظيمات آنذاك، برئاسة مجرم الحرب الأوكراني، ستيبان بانديرا، وكان الهدف من تشكيلها هو إضعاف الجيش الامبراطوري الروسي، خلال الحرب العالمية الأولى.

وقد واصل مجرم الحرب أعلاه ارتكاب جرائمه، خلال الحرب العالمية الثانية، حيث قاتل مع عصاباته الى جانب الجيوش الهتلرية التي احتلت إقليم أوكرانيا وشارك في إدارة معسكرات الاعتقال النازية في أوكرانيا، التي قتل فيها مليونا ومئتي ألف شخص، وهرب مع فلول الجيش الهتلريّ الى المانيا (الغربية حيث مناطق سيطرة أميركا وبريطانيا وفرنسا) وبقي هناك حتى لقيَ مصرعه في مدينة ميونخ، سنة ١٩٥٩، رغم مطالبة الاتحاد السوفياتيّ المتواصل للسلطات الألمانية والأميركية لتسليمه له كمجرم حرب.

إذنفالعالم المتعدّد الأقطاب لم يعد فكرة أو وهماً أو ما شابه وإنما هو حقيقة واقعة نراها تتحقق في مواجهة عالم الهيمنة والقطب الواحد، الذي تتسارع شيخوخته بشكل كبير، خاصة بعد الخطأ الاستراتيجيّ الذي ارتكب في أوكرانيا وما ترافق من عقوبات اقتصادية ضدّ روسيا أثبت الواقع أنّ مفاعيلها قد جاءت عكسيّة، مما أدّى الى نشوء أزمات اقتصادية عميقة، في كلّ الاقتصاديات الغربية. وهي الأزمة التي عبّرت عنها وزيرة الخزانة الأميركيّة يوم أمس، عندما قالت إنها تخشى دخول الاقتصاد الأميركي أزمة ركود عميقة.

وهو الأمر نفسه، الذي ينطبق على الأوروبيين، على ضوء أزمة الطاقة التي تعيشها أغلبية دول الاتحاد الأوروبي.

بعدنا طيبين قولوا الله

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى