أولى

الجمهورية تحتضر والحكام سادرون

} بشارة مرهج*

لسنا في لبنان أمام مجموعة من الهواة الذين ارتكبوا سرقات كبيرة وفرّوا بالأموال بعيداً للتمتع بصرفها، وإنما نحن أمام مجموعة من المحترفين الذين يرتكبون السرقات على مدار السنة، سواء عن طريق الاحتكار، أو الاحتيال، أو طبع العملة، أو إنكار حقوق الغير، أو رفض أحكام القضاء. فالمسألة غاية في التعقيد والفرادة خاصة أنّ هذه المجموعة النافذة كثيرة العدد ولها أنصار وأزلام يتلقون الأعطيات والرشى في كلّ مواقع الدولة، كما لديها جيش إعلامي مهمته الدفاع عن المنظومة وتزوير الحقائق وإرهاق المواطنين بالمعلومات المتضاربة والأفكار المتناقضة لزيادة منسوب البلبلة وزرع اليأس في نفوس المودعين ودفعهم للتخلي عن حقوقهم والقبول بالفتات الذي يتلقونه من المصارف مغمّساً بالإذلال الذي لا تزال هذه المصارف تمارسه بعد أن برع أصحابها في تحويل أرباحهم طيلة الثلاثين سنة الى الخارج متحصّنين بالسرية المصرفية وغياب «الكابيتال كونترول» المحجوز مشروعه في أدراج اللجان النيابية منذ ثلاث سنوات رغم العهود والوعود، ورغم ملاحظات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي المتكرّرة مصحوبة بنقد لم يسبق له مثيل موجّه للمنظومة المالية المصرفية السياسية في لبنان.

خلال السنوات الثلاث الماضية رغم اشتداد الأزمة، ورغم مناشدات العواصم والهيئات الدولية، ورغم أنين العائلات وصراخ الأطفال، ورغم احتضار المدارس والمستشفيات لم تتمكّن الفئات الحاكمة من تحقيق إنجاز واحد، ولم تتمكن من إضاءة شمعة واحدة، بل هي وسط الحوارات الزائفة والمداولات الصاخبة «تبدع» في تفكيك القطاع العام ورفع الأسعار وزيادة الضرائب وتجويع الناس ونكث العهود، واعتماد العدالة الانتقائية، وتشريد الطلاب وتهجير اللبنانيين الى الخارج.

وفوق ذلك كله تقوم السلطة بتغطية أصحاب المصارف وغضّ النظر عن عمليات نقل الأموال وتهريبها إلى الخارج وتجاهل جرائمهم التي تتسبّب في إيذاء ملايين اللبنانيين بمن فيهم المرضى والأطفال.

فماذا تريد السلطة الحاكمة وشريكتها جمعية المصارف؟

هل يريدون إفراغ جيوب الناس دون أن يكون للمودعين كلمة يقولونها، حتى إذا ما عارض أحدهم تقوم الدنيا عليه ويجري اتهامه بتجاوز القانون ويزجّ به وراء القضبان».

أما الذين تصرفوا بالودائع على هواهم وأخضعوها للمضاربات والمغامرات والسرقات والاستثمارات التي تتعارض مع قانون النقد والتسليف فليس عليهم حرج أو لوم، ولا تخضع أفعالهم للملاحقة القانونية وكأنهم من جنس الملائكة. لا بل أنّ العدالة الانتقائية تحتضنهم والحصانة الطبقية تحميهم ولو احتاج الأمر لشلّ القضاء والقضاء على سمعة البلاد ومكانتها.

إنّ المودع مظلوم والدولة تلاحق المظلوم وتخضع للظالم.

وهذه الدولة التي تعجز عن إطلاق مبادرة إصلاحية واحدة وتعجز عن إشعال بارقة أمل واحدة ليس من حقها مخاطبة الجمهور من السرايات واتخاذ القرارات من ردهات الصالونات! مكانها الوحيد الغرف السوداء التي تنتمي إليها وتكدّس فيها أموال المودعين.

*نائب ووزير سابق

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى