مقالات وآراء

البحث عن مخارج لأموال المودعين…

} عمر عبد القادر غندور*

عُرف لبنان بكثرة أزماته السياسية كدولة وشعب ومؤسسات، وما رافقها من صراعات بعضها كان دموياً، وأرخت بظلالها على تركيبة لبنان المعقدة التي كرّسها الميثاق الوطني المعروف بميثاق ١٩٤٣، والذي خضع دائماً لتداخل وتشابك مجموعة من العوامل بين مختلف الطوائف اللبنانية، والتأثيرات والضغوطات الناتجة عن الظروف والأوضاع الإقليمية الدولية التي تماهت بين القبول والرفض من جانب «الشعوب اللبنانية» المتشاكسة.

 ومما لا شك فيه انّ الدستور اللبناني الذي منحته الدولة المنتدبة على قاعدة الطائفية في توزيع المقاعد اللبنانية وطريقة الانتخاب، أثار جدلاً كبيراً بين اللبنانيين! ومع ذلك استمرّ بالرغم من كلّ هذه الثغرات والشوائب، وأدخلت عليه التعديلات عام ١٩٩٠ وهو ما عُرف بـ «وثيقة الوفاق الوطني».

 وهكذا استمرّ النظام السياسي بصيغته المركبة كنظام جمهوري ديمقراطي من حيث الشكل، لكنه في المقابل نظام توافقي بين الطوائف.

وقد عرفت النخب السياسية اللبنانية كيف تستغلّ مواقعها السلطوية سواء في مجالات البناء والعقارات والمصارف والتجارة والصناعة والوكالات الحصرية والدخول كمساهمين في مجالس إدارة المصارف الى عدد لا بأس به من النواب. وعلى سبيل المثال كان ٢٩% من رأس المال لـ ٧ مصارف في العام ٢٠١٣ في يد ثماني عائلات تضمّ سياسيين من الصف الأول.

 لذلك يمكن التساؤل عن مدى استقلالية السياسات الحكومية عن مصالح المصارف والمساهمين فيها، وهل بالإمكان استعادة أموال المودعين بوجود طبقة سياسية وازنة في قلب مجالس إدارة المصارف؟ وهي في ذات الوقت ليست بعيدة عن القرارات السلطوية التنفيذية، بشهادة تقرير البنك الدولي الذي أشار الى الكساد المتعمّد (ونضع عشرة خطوط تحت كلمة المتعمّد) وانّ ما أصاب القطاع المصرفي هو من تدبير النخبة في البلاد التي تسيطر منذ وقت طويل جداً على مقاليد الدولة وتستأثر بمنافعها الاقتصادية، وقد استمرّت هذه الهيمنة على الرغم من شدة الأزمة وهي واحدة من أشدّ الأزمات، وربما أشدّ من ثلاث أزمات في العالم منذ خمسينات القرن التاسع عشر! وما زالت الفوضى النقدية المالية تغذي ظروف الأزمة وتمدّها بالحياة في ظلّ نظام منهك متداعٍ فيه ثلاثة أسعار للصرف، في المصارف، في الصيرفة، والسوق السوداء، وهناك اسعار معتمَدة أخرى في تسعير الدولار الجمركي بـ ١٥ الف ليرة ومعاملات مصرفية وغيرها بـ ١٥٠٠ ليرة و ٨ آلاف ليرة و ١٢ ألف ليرة، وبالأمس خرج سعر الـ 15 ألف ليرة، وسيستمرّ هذا التدهور المريع في تدمير قيمة الليرة اللبنانية.

 وفي عتمة هذا الظلام ثمة نقطة مضيئة نسبياً ونادرة في العام الحالي هي موسم السياحة الذي ساعد في ثبات عجز ميزان الحساب الجاري الى إجمالي الناتج المحلي.

 وفي مجال البحث عن مخارج للهروب من قاع جهنم، ثمة فرصة واحدة هي استخراج لبنان لنفطه وغازه من مياهه الإقليمية، وساعتئذ نبحث عن وطنيين لبنانيين شرفاء يخافون الله في وطنهم وشعبهم من خارج النخب السياسية سواء كانت من الصف الأول او الثاني او الثالث.

*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى