الوطن

الترسيم أُنجز… ورياض سلامة إلى السجن؟

} أحمد بهجة*

تتداخل قضايا وملفات عديدة مع بعضها البعض على الساحة اللبنانية، وتسير جنباً إلى جنب بحثاً عن الأمثل من الحلول والنهايات، بحيث يمكن لنا كلبنانيّين بعد ذلك القول بأننا نجَوْنا وأنقذنا أنفسنا بعد كلّ هذا الدمار والخراب الذي حلّ بنا بفعل فاعل وليس قضاء وقدراً.

بداية هناك الملف الأخطر المتمثل بالترسيم البحري جنوباً، حيث تسلّم لبنان الرسمي بالأمس رسالة خطية من الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين نقلتها السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى الرؤساء الثلاثة، وتتضمّن خلاصة ما توصّلت إليه «الوساطة الأميركية» بين لبنان وكيان العدو «الإسرائيلي»، لا سيما تسليم هذا العدو بكلّ ما طلبه لبنان، وذلك بفعل «الجهاد السياسي والإعلامي والميداني» طوال الفترة الماضية.

وفي المعلومات بشأن الرسالة الأميركية فإنّ لبنان يحصل على الخط 23 مع بعض التعرّج جنوب هذا الخط لكي يصبح حقل قانا كاملاً من حصة لبنان ومعه كامل البلوكات 8 و 9 و 10، من دون أيّ تداخل بين الترسيم البحري والترسيم البري، ولم يبقَ عالقاً إلا نقطة واحدة هي المتعلقة بما يُسمّى «خط العوامات» الذي تريد «إسرائيل» أن يكون له وضع خاص بحجة تأثيره عليها أمنياً، وهذا ما يرفضه لبنان بشكل حاسم لكي لا يكون هناك في الاتفاق أيّ شكل من أشكال العلاقة مع العدو

لذلك يُرجّح العارفون أن يتمّ تجاوز هذا الأمر كما يرغب لبنان، وعندها يصبح ممكناً التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق خلال هذا الشهر، الأمر الذي يسمح للشركات العالمية وتحديداً شركة «توتال» العودة لمتابعة ما بدأته من أعمال حفر وتنقيب في البلوكين 4 و 9، والأفضل أن يتمّ التعاقد مع شركات أخرى بالنسبة للبلوكات الأخرى حتى لا نظلّ أسرى الضغوط الخارجية

على أن يتبع ذلك استكمال الإجراءات القانونية والدستورية اللازمة من إقرار الأمر في مجلس الوزراء وإرسال مشروع قانون إلى المجلس النيابي لمناقشته وإقراره، كما يتطلب الأمر الإجراءات نفسها في كيان العدوليتمّ بعد ذلك توقيع الجانبين بشكل منفصل على الاتفاق ثم إيداع الأمم المتحدة النسخ النهائية منه.

بالتوازي مع هذه التطورات المهمة جداً في ملف الترسيم، أخذت الجلسة النيابية لانتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس الماضي الكثير من الاهتمام في الأوساط السياسية والإعلامية حيث أعطت الأوراق البيضاء الـ 36 مؤشراً مهماً جداً على الاتجاه الذي سوف تسلكه الأمور إذا ما أريدَ التوصّل إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، إلا إذا كانت هذه الإرادة غير متوفرة لدى أصحاب الأصوات التي توزعت على عدة مرشحين، وهذا يعني أننا سنشهد فراغاً في كرسي الرئاسي لا يمكن من اليوم معرفة مداه الزمني

قبل الجلسة الرئاسية بثلاثة أيام شهدنا يوم الاثنين الماضي جلسة نيابية أخرى جرى خلالها إقرار الموازنة العامة للعام 2022، وهو أمر مطلوب رغم كلّ ما تضمّنته هذه الموازنة من ثغرات، ورغم أنّ السنة الحالية لم يبق منها إلا ثلاثة أشهر، لكن لا يمكن الوصول إلى الانتظام المالي العام من دون وجود موازنة، وهذا الانتظام يؤمَل أن يتحقق بشكل أفضل في موازنة العام 2023 التي يُفترض ان يكون العمل عليها قد بدأ

ولعلّ رفع أرقام الإيرادات الجمركية في الموازنة، أيّ ما سُمّيَ رفع الدولار الجمركي إلى 15 ألف ليرة، هو الموضوع الذي أخذ الحيّز الأكبر من الاهتمام الإعلامي، كونه يساهم من جهة في تغطية بعض النفقات الإضافية التي تضمّنتها الموازنة لا سيما ما تقرّر من زيادات على رواتب موظفي القطاع العام، ومن جهة أخرى سيؤدّي إلى زيادة في أسعار السلع والمواد المستورَدة، علماً أنّ ذلك إذا حصل يجب أن يكون محدوداً لأنّ المستوردين والتجار يبيعون هذه السلع والمواد على أسعار الصرف في السوق السوداء، وربما أكثر من ذلك، وكانوا يستفيدون هم وليس المستهلكين من تدني قيمة ما يدفعونه من رسوم جمركية على أساس سعر الصرف الرسمي السابق (1500 ل.ل.)، وبالتالي يحتاج هذا الأمر إلى رقابة مشدّدة من قبل الأجهزة المعنية بحماية المستهلك.

كما تبع إقرار الموازنة بيان مفاجئ من وزير المالية يوسف خليل أعلن فيه تغيير السعر الرسمي لصرف الدولار من 1500 ليرة إلى 15 ألف ليرة، هكذا من دون مقدّمات ولا توضيحات، الأمر أثار في وجهه عاصفة من ردود الفعل حتى من الثنائي الذي يُحسب عليه الوزير سياسياً، إذ تبيّن أنّ هذا القرار اتخذ بعد اجتماعات شارك فيها إضافة إلى وزير المالية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الأمر الذي لم تكن مرجعية الوزير السياسية على علم به، ولذلك عاد الوزير ليصدر بياناً جديداً تراجع فيه جزئياً عن بيانه السابق، وأوضح أنّ سعر الصرف المقترح لا يشمل قروض الأفراد في المصارفكذلك تحدث رئيس الحكومة عن الأمر نفسه بشكل أكد أنه يقف خلف التوجه لزيادة سعر الصرف، مشيراً إلى أنّ السعر الجديد سيطبّق بشكل تدريجي!

وفي الشأن المالي أيضاً تتواصل التحقيقات في أكثر من دولة أوروبية حول مخالفات وارتكابات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وقد تسلّمت المرجعيات القضائية اللبنانية طلبات مساعدة من جهات قضائية أوروبية عديدة ولم يُعرف بعد مدى التجاوب مع هذه الطلبات، علماً أنّ المعنيين يشيرون بأسف شديد إلى عدم ورود أيّ شيء في هذا الصدد من القضاء اللبناني.

وهذا ما كان مدار بحث في القصر الجمهوري في بعبدا حين استقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفد «المنتدى الأوروبي للنزاهة»، وأكد تحريك دعوى الحق العام بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومشيراً الى «تقاسم القضاة التهرّب من المسؤولية من دون أن يتمّ الادّعاء عليه وفق الأصول».

وتحدثت في خلال اللقاء السيدة ماريا أرينا النائب في البرلمان الأوروبي ورئيسة اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان فيه، كاشفة «أنّ الاتحاد الأوروبي أصدر قراراً يقضي بإنزال العقوبة بعدد من الأشخاص الذين يقفون سداً منيعاً في وجه إحقاق الحق، أياً كانوا، سواء الحاكم رياض سلامة، أو أيّ قاض يعيق مسار إحقاق العدالة او التحقيقات المتعلقة بانفجار مرفأ بيروت، ولو كانوا أحياناً يحظون بحقّ إقامة في الدول الأوروبية، فيما هم في أصل جرائم واقعة في بلادهم»، مشيرة الى «أنّ هذا الأمر يشكّل موقفاً أوروبياً واضحاً للغاية».

وليس خافياً أنّ هذا الكلام الأوروبي يمهّد الطريق للمسارات القضائية في الخارج لكي تأخذ مجراها وتصل إلى غاياتها في إحقاق الحق وتنفيذ العدالة حتى لو كان العقاب سيطال مسؤولين كباراً مثل «الحاكم» نفسه، ولن يحول أيّ شيء دون توقيفه حتى لو كان يحمل جنسية أوروبية أو يتمتع بحقّ إقامة في الدول الأوروبية

*خبير اقتصادي ومالي

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى