أخيرة

نافذة ضوء

التاريخ سجل حياة الأمم

} يوسف المسمار*

 

 

التاريخ، كما يقول العالم الاجتماعي والفيلسوف أنطون سعاده هو «سجل حياة الأمم». وسجل حياة الأمم هو السجل الكامل لانتصاراتها وانكساراتها. لمعالمها المضيئة وعلاماتها الباهتة. لمنجزاتها الراقية وإخفاقاتها المخزية.

هذا هو التاريخ. وهذا هو مساره. وهذه هي حقيقته. لقد دخلت سجل التاريخ أمم ودول وإمبراطوريّات كثيرة منذ بداية التاريخ الجلي الذي دشّنته الأمة السوريّة بابتكار حروف هجائيّتها وإبداع فلسفة علاقاتها وتواصلها مع الشعوب الأخرى.

وبدخولها في التاريخ الجلي أصبحت خالدة في الجلاء والوضوح. ولكن الوضوح يُفرز بين الغثّ والثمين. بين المنطفئ والمضيء. بين الانحطاطي والراقي. ومن المحال أن تتساوى قيم الصلاح مع مثالب الطلاح.

لقد سجل التاريخ الجلي الذي بدأ في بلاد الشام والرافدين فصولاً من حياة الأمم التي حاولت أن يكون لها شأن في مسيرة الإنسانية. ولولا مجيء تلك الأمم الى بلاد الشام والرافدين لما كان لها تاريخ يُذكر.

فمصروادي النيل دخلت التاريخ من البوابة السورية الجنوبية، وكذلك الإمبراطورية الفارسية من البوابة الشرقية، وبعدها جيوش المغول. وأيضاً دخل اليونان والرومان والأوروبيون الصليبيون من المنافذ الشمالية. ودخل العرب المسلمون من بوابة الجنوب. والعثمانيون أيضاً دخلوا من بوابة العبودية والارتزاق والخيانة، والفرنسيون والإنكليز دخلوا أيضا من بوابات الخبث والنفاق والفتن. ولو لم يدخل كل هؤلاء الى هذه المنطقة المميّزة من الأرض لما كنا اليوم نسمع بالفرعون الغازي ولا الاسكندر المجتاح الذي هدم صور وصلب أهلها، ولا قورش الفارسي الذي ذبح أبناء بابل وهدم معالمها ولا امبراطور روما الذي اضطهد مسيحنا وخرّب تدمر، ولا بالصليبيين الذين خرّبوا معالمنا وسرقوا خيراتنا، ولا بالعثمانيين الذين هدموا مدارسنا وشوهوا تعاليم مسيحيتنا ومحمديتنا، ولا بالفرنسيين والإنكليز والأميركيين الذين زرعوا بذور الفتنة والكراهية بين أبنائنا حين جعلوا من وطننا أوطاناً، ومن شعبنا مسوخ شعوب. لقد تخلدت كل تلك الإمبراطوريات بغزوها لبلادنا، وباتصال حياتها بحياتنا فكان المضيء من تاريخها الذي أخذته واقتبسته عنا، وكان المخزي هو الذي فعلته في بلادنا من ضروب الهمجية في تدمير تراثنا والتنكيل بنسائنا ورجالنا وأطفالنا.

 تعلـَّم اليونان الحروف والقراءة والكتابة والحكمة والفلسفة والحساب والطب وأخذوا إلى بلادهم المهندسين والبنائين والأساتذة المعلمين، وخرّبو مدننا وصلبوا أبناءنا. واخذ الرومان الشرع وهندسة البناء ومحاصيل الزراعة ورسالة المسيح المحبة وهيّجوا علينا ثقافة التخلف اليهودية وضروب الخراب النفسيّ والعمرانيّ. وما فعله العثمانيون والصليبيون والفرنسيون والإنكليز وما يفعله اليوم الأميركيون شاهد وبرهان على أنه «ليس لابن النور صديق بين أبناء الظلمة. وبقدر ما يبذل لهم من المحبة يبذلون له من البغض» أضعافاً أضعافاً أضعافاً. وهذا ما تقوم به الآن الولايات المتحدة الأميركية التي تريد الدخول الى بلادنا من جميع بوابات الإجرام والإرهاب واللصوصيّة والخبث لتنفـّذ ما عجزت عن تنفيذه جميع القوى العدوانيّة التي ظهرت عبر التاريخ.

*باحث وشاعر قوميّ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى