نقاط على الحروف

السنيورة يردّ على نقاط… ونحن نضع النقاط على حروف الردّ

 ناصر قنديل

 

تلقينا رداً من الرئيس فؤاد السنيورة على ما تضمنته مقالة نقاط على الحروف، حول مسؤولية حكومة الرئيس السنيورة عام 2007 في الإسهام بإضعاف موقف لبنان القانوني وصدقيّة الخطوط التي يعتمدها لحدوده الجنوبية وتأثير ذلك لاحقاً على موقعه التفاوضي، عندما قامت حكومته بالتفاوض مع الحكومة القبرصية على ترسيم الحدود البحرية واعتمدت النقطة 1 التي استندت اليها حكومة الاحتلال أساساً في رسم الخط 1 الذي اعتمدته في رسم حدودها البحرية مع لبنان، وجاء الخط المقترح من الوسيط الأميركي فريدريك هوف ليوزع المنطقة الواقعة بين الخط 1 والخط 23 مرتكزاً في محاولات تسويقه الى واقعة منشأ النقطة 1. في رد الرئيس السنيورة منهج يعتمد اللياقة والاحترام في ادارة الخلاف، لا نملك الا تقديره وتمني تعميمه ليس بين الواقفين على ضفتين متقابلتين في الموقف من المقاومة وسلاحها فقط، كما هو الحال بيننا وبين الرئيس السنيورة، بل بين الواقفين على ضفة واحدة ويفشلون في إدارة خلافاتهم التكتيكية بلباقة واحترام، أما في المضمون فإن ردّ الرئيس السنيورة يحاول إضعاف أهميّة ما جرى في الترسيم الأولي مع قبرص ويشدد على الإضاءة على دور حكومته في اعتماد الخط 23، لكنه لا يحجب الإرباك عند الحديث عن تحديد النقطة 1 في الترسيم الأولي مع قبرص، ولا يناقش جوهر ما قلناه لجهة أن هذا السلوك غير المهني والمتقلب الذي وقعت فيه الحكومات اللبنانية أساء لموقع لبنان القانوني وصدقية الخط الذي يعتمده، واستطراداً على موقعه التفاوضي. وهذا هو جوهر ما قلناه، وتعبيراً عن ملاقاة الاحترام بالاحترام واللباقة بمثلها، ننشر ردّ الرئيس السنيورة كاملاً في هذا الباب:

رد الرئيس السنيورة على مقالة نقاط على الحروف

جانب رئيس تحرير صحيفة البناء الغراء

الأستاذ ناصر قنديل المحترم

تحية طيبة،

ورد في مقالة لكم نشرت يوم الاثنين بتاريخ 03/10/2022 في صحيفتكم الغرّاء ما حرفيته: «لا تستقيم أيضاً مناقشة العرض الخطي لهوكشتاين، دون الانتباه الى انّ لبنان فقد ورقة قوة قانونية ودبلوماسية بسبب سوء تصرف حكوماته عندما قبلت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة خطاً وهمياً يضيّع الحقوق اللبنانية ويهدرها عبر توقيع اتفاق الترسيم مع قبرص عام 2007، وبنى كيان الاحتلال على النقطة واحد المعتمدة في ذلك الترسيم خطته لوضع اليد على الثروات اللبنانيةالخ.

يود المكتب الإعلامي للرئيس فؤاد السنيورة أن يوضح أنكم قد تجاهلتم في ذلك الاتهام غير المسند، الحقائق الأساسية في هذا الخصوص. إذ ليس من الجائز لصحيفة رصينة أن تقع في مثل هذا الإغفال، حيث أنّ الحقيقة الساطعة تؤكّد أنّ الحكومة الثانية للرئيس فؤاد السنيورة، هي التي قامت بترسيم وتحديد الخط 23 الذي يتمسك به لبنان الآن. ولقد جرى ذلك بموجب قرار مجلس الوزراء اللبناني رقم 51 الصادر بتاريخ 13/05/2009، وذلك استناداً إلى قرار اللجنة الفنية التي ألّفها مجلس الوزراء بتاريخ 31/12/2008، والتي أصدرت تقريرها بتاريخ 29/04/2009. ولقد تمّ ذلك بعد أن كان قد تمّ الاتفاق وبشكل أولي بتاريخ 17/01/2007 ما بين الحكومة اللبنانية والحكومة القبرصية على تحديد ست نقاط على مسار خط الوسط للمنطقة الاقتصادية الخالصة لكل من لبنان وقبرص (وهي النقاط الست على خط الوسط التي لم يطعن أحد بصدقيتها) دون التوصل إلى اتفاق في حينها على النقطتين الثلاثيتين في الشمال (ما بين سوريا وقبرص ولبنان)، وفي الجنوب (بين لبنان وقبرص وفلسطين المحتلة)، وذلك نظراً لاستحالة التوصل آنذاك إلى اتفاق وبشكل نهائي مع العدو الإسرائيلي من جهة، ولتعذر التوصل إلى اتفاق مع الجمهورية العربية السورية من جهة ثانية.

تجدر الإشارة إلى أنّه، وبعد إنجاز مسودة مشروع ذلك الاتفاق الثنائي المؤقت بين لبنان وقبرص، ونظراً لكون ذلك الترسيم لم يكن قد اكتمل فإن الحكومة اللبنانية لم تقم بإحالة نصّ المسودة المؤقتة لخط الوسط بين البلدين إلى المجلس النيابي نظراً للحاجة أولاً لاستكمال تحديد حدود لبنان النهائية جنوباً وشمالاً لتلك المنطقة الاقتصادية الخالصة وكذلك ثانياً للقيام بالمزيد من الدراسات.

وبناء على ذلك، فقد باشرت الحكومة اللبنانية في العمل على استكمال ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان من الناحيتين الشمالية والجنوبية بشكل انفرادي.

وفي هذا السبيل، بادرت الحكومة اللبنانية، والتي كان يشترك في عضويتها وزراء من حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر بتاريخ 30/12/2008 إلى تأليف لجنة فنية من عشرة ممثلين عن: 1) وزارة الأشغال العامة والنقل و2) وزارة الطاقة والمياه و3) وزارة الدفاع و4) وزارة الخارجية والمغتربين و5) الجيش اللبناني و6) المجلس الوطني للبحوث العلمية و7) رئاسة الحكومة اللبنانية، لإعادة دراسة مسودة مشروع الاتفاقية الموقعة مع قبرص، وذلك للمزيد من التأكد من سلامة ما توصّلت إليه الحكومة اللبنانية في تحديدها لخط الوسط، والعمل على تحديد النقطتين الثلاثيتين في الشمال والجنوب، ولقد تمّ ذلك بموجب القرار رقم 107/2008.

ولقد توصلت تلك اللجنة ومن طرف واحد الى ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان مع قبرص وفلسطين المحتلة، وكذلك الحدود البحرية الشمالية مع سورية وقبرص، وبالتالي تمكنت اللجنة من تعيين طرفي خط الوسط مع قبرص وفلسطين المحتلة، حيث أصبح الطرف الجنوبيّ هو النقطة الثلاثية 23 والتي تقع جنوب النقطة رقم 1، والطرف الشمالي مع قبرص وسورية النقطة الثلاثية رقم 7 التي تقع شمال النقطة رقم 6.

لقد اعتمد القرار اللبناني في التحديد المنفرد للنقطتين 23 في الجنوب وسبعة في الشمال على الموقف الأكثر تشدّداً (Most Aggressive Line)، بما سمح بإعطاء لبنان مساحات إضافية جنوباً وشمالاً.

تجدر الإشارة إلى أنّ تلك الخرائط وكذلك التقرير قد تمّ التوقيع عليهما بتاريخ 29/04/2009 من قبل أعضاء اللجنة العشرة الذين يمثلون الوزارات والإدارات اللبنانية المعنية السالفة الذكر كافة، منهم أربعة أعضاء يمثلون وزارة الدفاع الوطني.

وبناء على ذلك، فقد صدر القرار عن مجلس الوزراء رقم 51 بتاريخ 13/05/2009، والذي يؤكد الموافقة على التقرير الذي أعدته اللجنة حول الحدود البحرية الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة.

تجدر الإشارة إلى أنّ مجلس الوزراء في حكومة الرئيس السنيورة الثانية كان يشترك في عضويته وزراء ممثلون لحزب الله ولحركة أمل وللتيار الوطني الحر. ولقد صدر القرار عن مجلس الوزراء بالإجماع، وهو ما يسحب من يد جميع المزايدين كل الحجج والمقولات المدَّعاة حول اتهام تلك الحكومة بارتكاب أي تفريط بحدود لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة.

في هذا الصدد، بادر لبنان بعد ذلك وبتاريخ 14 تموز 2010 إلى إيداع الأمم المتحدة إحداثيات حدود منطقته الاقتصادية الخالصة الجنوبية مع فلسطين المحتلة (العدو الإسرائيلي) في الخط رقم 23، ومع سورية في الخط رقم 7 وذلك بشكلٍ منفرد.

تجدر الإشارة إلى أنه وبعد مرور سنتين على تحديد لبنان لحدود منطقته الاقتصادية، وكذلك بعد أكثر من سنة على إيداع لبنان لإحداثيات حدوده لدى الأمم المتحدة، قامت «إسرائيل» وبتاريخ 12/07/2011 بإيداع ما تزعمه حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة لدى الأمم المتحدة.

بتاريخ 18 آب 2011 صدر القانون رقم 163 القاضي بتحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للجمهورية اللبنانية. وعلى أساس من ذلك فقد أنيط بالحكومة إصدار مرسوم لتعيين الحدود البحرية اللبنانية.

قبل إصدار ذلك المرسوم كانت حكومة الرئيس ميقاتي قد كلّفت في حينها المكتب الهيدروغرافي البريطاني (UKHO) مجدداً بإعداد دراسة لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، وذلك قبل إصدار المرسوم المتعلق بذلك. ولقد صدرت تلك الدراسة بتاريخ 17 آب 2011، والتي أكدت على صوابية ما قامت به الحكومة اللبنانية في الأعوام 2007 و2008 و2009.

وعلى ذلك، فقد قرّرت الحكومة اللبنانية آنذاك الإبقاء على ما تم التوصل اليه من قبل اللجنة الخاصة التي صدرت نتائجها في العام 2009، والتي أكّدت على ما قامت به الحكومات اللبنانية قبل ذلك في الأعوام 2007- 2008- 2009. وبالتالي فقد صدر المرسوم رقم 6433 تاريخ 01/10/2011 عن حكومة الرئيس ميقاتي والذي تبنت به تلك الحكومة أعمال اللجنة المؤلفة في نهاية العام 2008 والقرار الذي صدر عن مجلس الوزراء رقم 51 في العام 2009.

لقد جاء قرار حكومة الرئيس ميقاتي في العام 2011 ليؤكد من جديد على معرفة وإقرار جميع الأطرافوبشكلٍ مباشرعلى صحة ما قامت به الحكومة اللبنانية من خطوات وقرارات منذ العام 2007 وحتى العام 2011.

في العام 2012، شكّلت حكومة الرئيس ميقاتي لجنة خاصة ثانية لإعادة درس موضوع ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة اللبنانية.

ولقد تألفت اللجنة الجديدة بناء على قرار مجلس الوزراء رقم 75/2012 تاريخ 11/05/2012. وهي اللجنة التي خلصت إلى التأكيد على العمل الذي قامت به اللجنة اللبنانية المؤلفة في العام 2008، وذكَّرت أنَّ ما قامت به الحكومة اللبنانية واللجنة المؤلفة من قبلها في العالم 2008 بالنسبة لترسيم حدود لبنان الجنوبية في المنطقة الاقتصادية الخالصة «كان في الأصل من أجل تأمين موقع متقدم للبنان في الدفاع عن موقفه في حال التفاوض مستقبلاً على الحدود النهائية». أي أنّ هذه اللجنة الجديدة أيضاً قد أكّدت على صوابية ما قامت به الحكومة اللبنانية واللجنة المؤلفة من قبلها في العام 2008، والتي قامت آنذاك بدراسة مسودة مشروع الاتفاقية بين لبنان وقبرص وأكدت على صحته واستكملت الترسيم من جانب واحد من جهة الشمال مع سورية ومن جهة الجنوب مع فلسطين المحتلة بتحديد النقطتين – 23 – في الجنوب وسبعة في الشمال في العام 2009.

حضرة الأستاذ قنديل المحترم،

يظهر مما تقدم ان لبنان قد رسَّم حدوده في منطقته الاقتصادية الخالصة عبر الإجراءات والخطوات التي قامت بها الحكومة التي كان للرئيس السنيورة شرف رئاستها، وتمّ إنجاز إحداثيات حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة الجنوبية مع فلسطين المحتلة (العدو الإسرائيلي)، أي الخط/ النقطة رقم 23 في الجنوب، وكذلك الخط/ النقطة 7 في الشمال بشكلٍ منفرد. وأنّه جرى بعد ذلك ومن خلال حكومة الرئيس سعد الحريري إيداع تلك الإحداثيات لدى الأمم المتحدة وليس كما أشرتم أنتم في مقالتكم.

في ضوء ما تقدّم، فقد كان لبنان المبادر الأول لتحديد حدود منطقته الاقتصادية الخالصة في النقطتين الثلاثيتين 23 في الجنوب و7 في الشمال. ومنذ ذلك الوقت، وعلى مدى 13 سنة خلت، ساد في لبنان كمٌّ كبيرٌ من المزايدات والمواقف الشعبوية والاتهامات بالتفريط والتخوين، بحيث استحال على لبنان أن يقوم بأي عمل جدّي لاستثمار ثرواته الطبيعية.

بينما، وفي المقابل، فقد قامت «إسرائيل»، وبعد ان قامت بتحديد حدودها المزعومة في المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى تطوير حقولها والبدء بالإنتاج مما يبيّن بصورة واضحة الوقت المهدور والمضيع الذي ارتكب في لبنان، والتي يأمل المكتب أن يكون هذا الاتفاق الموعود الآن نهاية هذه المعاناة.

يرجو المكتب الإعلامي للرئيس السنيورة، أن تكون هذه الوقائع كافية لإيضاح الحقائق التي ذكرتم ما يعاكسها في مقالتكم، والتي نرفق معها التقرير الكامل عن هذه المسألة الشائكة والمنشورة في الكتاب الصادر عن الرئيس السنيورة بعنوان: «المالية العامة للدولة بين التسييس والتضليل» الصادر بتاريخ آذار 2022، في الصفحات 579 – 595، تحت عنوان: «رواية الترسيم لحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان حسب تسلسلها التاريخي»، والذي نرفق مع هذا الكتاب نسخة عن كل الوثائق والخرائط المرتبطة والإثباتات الموجودة في هذه الرواية.

نأمل منكم نشر هذا الرد عملاً بقانون المطبوعات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى