أخيرة

دبوس

 

أين الثرى من الثريّا؟

الجالس في دمشق، ليس كالجالس في الدوحة، حينما تجلس في دمشق، فإنك تقترب كلّ دقيقة وكلّ ساعة وكلّ يوم من القدس، ليس بالضرورة فيزيائياً، ولكنك وبفعل الهواء القدسي الذي تتنشقه، وبفعل الأثير القدسي الذي ينقله إليك مزاج الجمهور حواليك، وبفعل التلبثة التي تبث الخواطر القدسية من عقول الناس الى عقلك، فإنك تقترب وئيداً نحو القدس، حتى يحين الحين، وتكون ساعتها قد امتلأت قدساً، فلا يتبقى سوى أن تقفز الى قلب القدس بقوّة العضل والسلاح.
لكنك حينما تجلس في الدوحة، والعيديد إلى شمالك، والسيلية إلى يمينك، ويجلس بينهما آذن صرف يتلقى إيماءات التنفيذ من موظف من الدرجة العاشرة في سفارة أو سفارات الهيمنة، فإنك تبتعد كلّ دقيقة وكلّ ساعة وكلّ يوم وكلّ دولار عن القدس، هذه هي حقائق الأمور، وهذه هي بينات الحقيقة، فلن تجلس في قطر وتحدثني بالمقاومة والثورة، إلا إذا شئت ان تخدع ذاتك وما أنت بخادعي!
شتان بين ان تجلس في أحضان الأعراب وانبطاحاتهم، وان تجلس في دمشق قلب قلب العروبة النابض، المدينة التي تكالَب الكون كله لإطاحتها، وانبثقوا من كلّ مزابل العالم بكلّ إرهابهم وبكلّ صلافتهم وبكلّ توحشهم، وفوق كلّ ذلك بكلّ بلايينهم من دوحة أعرابهم التي تجلس فيها واهماً أنك ما زلت مقاوماً وما زلت ثائراً…
لقد تساقطوا واحداً تلو الآخر، وطفقنا نلملم أشلاء مراحلهم ونقذف بها الى مزابل التاريخ، الى حيث ينتمون، فدمشق دم وشقاء، كما كربلاء كرب وبلاء، والأسد واقف بقامته المديدة كالطود الشامخ، فلا نامت أعين الجبناء.
سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى