أخيرة

كما يكُنَّ تكونُ الأمة… النهضةُ أنثى

جابر جابر
حينما تصاب خوابي الحضارات المعتّقة بصدع، يصبح التسرّب منها وإليها واقعاً، ويؤدّي التراكم الغير معالج عبر السنين إلى تغيير في محتوى الخوابي المجتمعية، فتصاب في مكوناتها لوناً ونكهنةً وفكرةً ومضموناً.
لعلّ أبرز ما في المجتمعات، والعنصر المؤثر فيها، هو المرأة بكامل مهامها من أمّ وأخت وزوجة وابنة. ذلك لأنها دون شك المؤثر الأوٌل في تربية الأجيال كونها تمتلك مصدر القوة المتكوّن من جزأيه العاطفي والعقلاني.
ولكون الانتماء لديها والاحتواء والقدرة على التأثير يكون في أوج التأثيرات المجتمعية في كلّ أشكاله.
مع كلّ التسرّب الحاصل، الذي يفرضه الانفتاح الحضاري المجتمعي والتكنولوجي الغير بريء رغم أهميته في ميادين شتى، ومع توسع الاستهدافات التي يقوم بها الإعلان والإعلام على حدّ سواء لغسل العقول، وتغيير المفاهيم، وتحويل القيم عن مسار ديمومتها وثباتها، سيبقى خمير حضارتنا ومجتمعنا بعيداً عن الاختلاط بهذه الرواسب، ولكن السؤال المطروح؟ إلى متى؟ إلى متى سيبقى هذا الخمير صافياً لينتج؟ إذا ما غابت بفعل الموت والعمر، العقول التي ما زالت تحتوي خيراً من هذا الخمير، ماذا نفعل؟ إذا ما بتنا نقرأ الفكر والمضامين بغايات ووجهات نظر لإثبات وجهات نظرنا، ماذا يبقى من الفكر؟
كلّ هذه الأسئلة مشروعة، ولعلّ الخمير بات قيد التهديد، فهل نتحرّك؟
في ندوة أجرتها عمدة الثقافة مشكورة، وأجاد فيها الأمين الياس عشي، ليتناول اللمحة الوجدانية في مذكرات جولييت المير، لم تكن تلك المذكرات لتمرّ على العارفين مرور الكرام.
فالعارف والباحث القومي الاجتماعي، يرى ويندمح من خلال تلك المذكرات بالجدوى، بالقيمة، بالإيمان، بالثبات، بالقوة والصلابة والحنوّ والرزانة…
إنّ في مثل هذه المذكرات، التي تروي سيرة الأمينة الأولى، ودرب الجلجلة الذي سارته على خطى المعلم سعاده، تعاليم ومفاهيم وقيم قومية اجتماعية تنمّ عن أصالة سورية تعود جذورها إلى عميق هذه الحضارة.
وهنا يبرز دور الأنثى الطموحة المتزنة العارفة المثقفة الواعية، ودور الحبيبة والزوجة الداعمة والمؤمنة والمتفانية، ودور الأم القوية المحبّة الدافئة والصلبة، والرفيقة المتألقة التي ما منعها اضطهاد ولا سجن ولا ظروف اجتماعية صعبة من أن تثبت في المسير وتكمله بعد استشهاد الزعيم.
إن في حياة جولييت المير، نبض رأيناه في سناء، في نورما وزهر…
وهو التالي: إنّ شغف تلك الرفيقات، في أن يعشن حياة مستقرة، فيها من الأمان والفرح والارتياح المادي والترف… ان يعشن الحياة بأبهاها باعتيادها البهي كما يعرفها الكلّ، بورديتها واستقرارها. وأمانها، لم يكن ليضاهي الجوهر وهو أننا لمن نحيا؟ نحيا لسورية.
ومن هنا كانت رسالة سناء الصبية الحلوة الذكية، والتي لم يكن ليمنعها شيء من أن تعيش الحياة كما يعرفها الكلّ، بل اعتبرت أنّ الحياة هي في حياة بلادها، وانّ احتياج بلادها لشبابها وعمرها ونضالها هو الحياة.
وهذا ما فعلته الأمينة الأولى التي ما منعتها قسوة الظروف من أن تبقى على صلابة إيمانها، وتعمل لقضيتها، فكانت الزوحة والحبيبة والأم الرفيقة قبل أيّ شيء آخر. فأخذت العقيدة يقيناً، وشعاراً لها ولأهلها ولبيتها. وأثبتت أنّ الحياة هي في هذه التفاصيل المفعمة بالحياة، وأنّ قوة ألف مقاتل مؤمن تكمن في قلب امرأة تعشق الجمال والحق والخير في تفاصيل كلّ شيء، فلا ترهبها قسوة الحياة ولا يردعها رادع.
إنّ جمالية تلك الجميلات تكمن في خيرهن النابع من الحق المتجذر في نفوسهن، فهنّ الجميلات بحقّ، هنّ المحبات الجميلات أمهات وحبيبات وزوجات، وهنّ النساء القادرات، ليصحّ الذي قيل إنّ نساءنا رجال، ورجالنا رجال فوق العادة.
على درب المحقات الجميلات، أجيال لا بدّ من تصويبها، وتقويم مسارها، لتكون الأجيال الطالعة حافظة للأمانة، للحق والعقيدة، لمعاني التضحية والثبات والقيم. وليكن إيماننا ضمادة الكسر الذي أصاب خوابي الأمة ليبقى خميرنا ينتج جيلاً لا يقوى على كسره لا زمن ولا تسرّب خارجي ولا جوع ولا دهر ولا قيصر ولا من يقيصرون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى