مقالات وآراء

ترسيم الحدود البحرية بين الحسابات والمكتسبات…

 

‭}‬ بتول قصير
بعد سنوات من الجولات التفاوضية الغير مباشرة بين لبنان وكيان العدو، صادق الطرفان على اتفاق ترسيم الحدود البحرية في المنطقة المتنازع عليها بوساطة الولايات المتحدة الأميركية، ليفتح الطريق أمام التنقيب عن الطاقة قبالة السواحل.
مفاوضات توقف فيها الجانبان كثيراً لإيجاد اتفاق أو تفاهم. غير أنّ تلك الاتفاقات الهشة سرعان ما تنهار على أرض الواقع لتبدأ جولات جديدة من المفاوضات والعودة إلى الصراع مجدّداً.
يقضي نص الاتفاق الذي توسّطت فيه الولايات المتحدة على أنّ الهدف من الوساطة هو «ترسيم الحدود البحرية بين جمهورية لبنان والكيان». وخلال المحادثات قبل عقد من الزمن اتفق الجانبان على أنّ الموضوع قيد المناقشة كان خطاً مؤقتاً يمكن أن يتغيّر إذا كان الطرفان يفكران في إنشاء حدود. وعلى الرغم من انجاز الاتفاق، إلا أنّ التفاهم البحري لا يُنهي حالة الحرب القانونية بين لبنان و»إسرائيل». وهذا ما تؤكده وجهة النظر الأميركية والتي ترى في الاتفاق فرصتين مترابطتين ولكنهما مختلفتان. ففي حال كانت الأطراف تركز حصرياً على التخفيف من حدة النزاعات ومنعها، فقد تنتقل وساطة الولايات المتحدة مباشرة من البحر إلى البر. أما إذا كان الهدف هو السعي لتحقيق سلام رسمي بين الطرفين، فستكون هناك حاجة إلى الكثير من الابتكار.
وعليه فإنّ التساؤلات تتزايد حول من سيكون الرابح في تلك الصفقة، بالإضافة إلى الموعد المتوقع أن ينجح فيه لبنان في استخراج الغاز. لذا لا بدّ من إلقاء الضوء على تداعيات الاتفاق بناءً على ما تقتضيه مصلحة الأطراف كافة. فالنقاط المتعلقة بالجانب اللبناني ترى في الاتفاق أنه إنهاء للخلاف حول ترسيم الحدود البحرية مما يمكّن لبنان من بدء التنقيب عن الغاز الطبيعي، والذي سينعكس إيجاباً على قطاع الكهرباء، إذ شكّل الوضع الكارثي الذي يعاني منه قطاع الطاقة اللبناني أحد أهمّ الأسباب الرئيسة التي دفعت بيروت نحو انهيار اقتصادي وسياسي واسع النطاق، بالإضافة إلى الفشل في تنفيذ أي إصلاحات.
وعلى الرغم من أنّ التقديرات تشير الى انّ استخراج الغاز تجارياً من لبنان سيحتاج إلى مدة لا تقلّ عن 4 الى 5 سنوات، إلا انه وطبقاً للدراسات المعلنة تبلغ احتياطات حقل قانا التابع للجانب اللبناني حوالي 3 أضعاف حقل كاريش، ومن الممكن أن تجني بيروت في السنة الأولى حوالي 8 مليارات دولار، وقُدّرت الاحتياطيات الممكنة للمنطقة بحوالى 250 مليار دولار على مدى 20 عاماً (بشرط نجاح تركيب قانا واكتشاف الغاز الطبيعي).
في المقابل فإنّ الجانب «الإسرائيلي» سيستفيد من حقل كاريش الذي قدّرت احتياطياته بأكثر من 1.5 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، والذي سيزيد من قدرة «إسرائيل» الإنتاجية والتصديرية من الغاز، حيث تصدر تل أبيب حوالي 40% من الإنتاج المحلي من الغاز. وبالفعل أعلنت شركة إنرجيان للطاقة يوم 9 أكتوبر/ تشرين الأول بدء ضخ الغاز لمنصة الإنتاج العائمة في حقل كاريش ضمن اختبارات التدفق العكسي.
أما الجانب الأميركي فيعتبر هذا الاتفاق هو تاريخي حسب تعبير المسؤولين الأميركيين، هو سبيل الخلاص لأزمة الطاقة التي ألمّت بدول الاتحاد الأوروبي عقب إغلاق صنابير الغاز من قبل الجانب الروسي ووضع القارة الأوروبية أمام أزمة طاقية قاسية. ومن جهة أخرى، فإنّ هذا الاتفاق ترى فيه واشنطن ورقة مهمة للإدارة الأميركية قبل انتخابات التجديد النصفي المقبلة، وذلك ظهر في سعي الرئيس الأميركي جو بايدن للإسراع في إبرامه وتذليل العقبات أمام إنجازه.
بلا شكّ ضمان أمن «إسرائيل» هو أحد اهمّ أهداف الولايات المتحدة، التي تعتبر انّ مسألة الترسيم ستساهم في تراجع حدة التوتر على الجبهة الشمالية.
ويمكننا القول نتيجة لما سبق، إنَّ في مفاوضات الترسيم سجّل لبنان توحّد جهود كلّ من الدولة والمقاومة، في إيصال رسالة إلى «الإسرائيلي» بأنّ حجم الخسائر المترتبة على عدم الوصول إلى اتفاق أكبر بكثير من حجم أيّ تنازلات اقتصادية وسيادية يمكن أن يتنازل عنها. كما لا بدّ من الاشارة الى انّ الاتفاق اللبناني ـ «الإسرائيلي» يفتح الطريق للتنقيب عن مصادر الطاقة قبالة الساحل.
وبغض النظر عمن هو المستفيد من هذا الاتفاق، الا انّ الرسالة الأهمّ من وراء اتفاق ترسيم الحدود وما سبقه من تهديدات حزب الله والمفاوضات من خلال الوساطة الأميركية والتدخلات الأوروبية على أكثر من صعيد في هذا الشأن، والموقف الصلب للدولة اللبنانية، هو هزيمة «إسرائيل» مرة أخرى أمام لبنان الذي انتزع حقه بالقوة من فم التنين دون اللجوء الى حرب جديدة، وأرسى معادلة مهمة لا بدّ للجميع ان يقرأها بوضوح وحيادية والتي تتمثل بأنّ هذا الكيان الغاصب لم يستطع أن يجعل نفسه القوة الوحيدة التي تملك قرار احتكار تنفيذ مشاريع الغاز في شرق حوض البحر المتوسط، بل هناك قوى أخرى متمثلة بحزب الله، ومن خلفه محور المقاومة، لن تسمح لها ولحلفائها بالتحكم في مقدرات المنطقة، وأن تصبح الدولة المركزية في الشرق الأوسط. والأكيد أنّ تل أبيب تدرك تماماً أنّ هذا الاتفاق ولو أنه شكلي سيؤدّي الى حالة من الهدوء على الحدود مع لبنان، إلا أنه لن يغيّر العقيدة الايديولوجية للمقاومة ومشروعها بإزالة «إسرائيل» من الوجود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى