أولى

توقيع تفاهم ترسيم الحدود البحرية: انتصار جديد يكمل انتصارات المقاومة

حسن حردان
تم التوقيع رسمياً على وثيقة التفاهم التي جرى التوصل اليها بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة.. بوساطة المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين.. وبذلك طويت صفحة من المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وكيان الاحتلال الصهيوني دامت نحو 12 سنة، وتكللت بحصول لبنان على ما أراده من ترسيم وفق الخط 23 مع عدم الاعتراف بشرعية الاحتلال في منطقة العوامات، إضافة إلى حصوله على كامل حقل قانا وامتداده داخل المياه الإقليمية الفلسطينية المحتلة، وفي المقابل حصل كيان العدو على كامل حقل كاريش، على ان تبدأ الشركات الدولية بعمليات التنقيب والاستخراج في الحقول اللبنانية، وحقل كاريش فور التوقيع على التفاهم…
رئيس وزراء العدو يائير لابيد هلل للتفاهم وزعم أنه إنجاز تاريخي لكيانه، وانه تضمّن اعترافاً لبنانياً بـ “إسرائيل”، وذلك في محاولة منه للتعمية على حقيقة فشل حكومته في فرض شروطها على لبنان، واضطراها تحت ضغط تهديدات المقاومة وقائدها سماحة السيد حسن نصر الله، إلى التسليم بالمطالب والشروط اللبنانية للترسيم، انْ كان لناحية المضمون أو الشكل…
فعدا عن حصول كيان العدو على حقل كاريش، فإنه لم يحصل على ما كان يطمح اليه لناحية:
أولاً، لم يتمكن كيان الاحتلال من فرض الترسيم وفق خط هوف الذي سعى لاقتطاع نحو 500 كلم مربع داخل الخط 23.
ثانيا، لم يتمكن كيان العدو من انتزاع ايّ اعتراف من لبنان بشرعية الاحتلال “الإسرائيلي” لمنطقة العوامات البحرية تحت عنوان ترتيبات أمنية…
ثالثاً، لم ينجح كيان العدو في فرض ايّ شكل من أشكال التطبيع مع لبنان، حيث أصرّ المفاوض اللبناني على رفض ايّ شراكة لبنانية “إسرائيلية” في حقول النفط والغاز، كما رفض ان يكون هناك توقيع مشترك على ورقة واحدة للتفاهم، وأصرّ لبنان على ان يوقع كلّ طرف على وثيقة أميركية منفصلة، سلّمت إلى مندوبة الأمم المتحدة في الناقورة…
بناء عليه يمكن تشبيه هذا التفاهم بتفاهم نيسان الذي تمّ التوصل اليه خلال العدوان الصهيوني على لبنان في نيسان عام 1996، بوساطة أميركية، ونجحت فيه المقاومة بالتنسيق مع سورية الأسد، في انتزاع حقها في مواصلة عملياتها العسكرية ضدّ قوات الاحتلال، وتحييد المدنيين… والفرق بين الاثنين هو أنّ المقاومة في تفاهم نيسان، أجبرت كيان العدو على التسليم بحقها في مواصلة عملياتها ضدّ جيش الاحتلال “الإسرائيلي”، فيما تفاهم تشرين الأول 2022 نجحت فيه المقاومة عبر معادلتها “كاريش وما بعد ما بعد كاريش” في انتزاع حقوق لبنان في مياهه الإقليمية وإجبار الأميركي و”الإسرائيلي” على رفع الفيتو الذي كان يمنع شركة توتال من البدء بعمليات التنقيب والاستخراج في الحقول اللبنانية.. وكما انّ لبنان المقاوم نجح عبر معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” في إحباط أهداف عدوان 96 وفرض تفاهم نيسان، نجح بفضل معادلات المقاومة الردعية، في إحباط أهداف الحصار الأميركي “الإسرائيلي” التي استهدفت فرض الهيمنة الكاملة على لبنان، وإضعاف مقاومته ومحاصرتها، ونزع سلاحها الدقيق، وفرض ترسيماً للحدود البحرية وفق خط هوف الذي يمكن كيان الاحتلال من تحقيق أطماعه في الاستيلاء على مساحة هامة من المياه الإقليمية اللبنانية تحتوي على ثروة نفطية وغازية واعدة.. ويمكن القول انّ لبنان نجح في تحرير ثروته النفطية والغازية، بفضل قوة مقاومته، كما نجح في تحرير معظم الأرض اللبنانية في الجنوب والبقاع الغربي في 25 أيار من عام 2000 بفعل مقاومته الباسل..
على انّ هذا الانتصار الجديد في الصراع مع كيان الاحتلال الصهيوني وأطماعه في أرض ومياه وثروات لبنان، ما كان ليتحقق لولا توافر العوامل التالية:
العامل الأول، وجود مقاومة مقتدرة باتت تملك القدرات النوعية على ردع العدوانية الصهيونية.. ونجحت في تحقيق الانتصارات على جيش الاحتلال، وفي توفير مظلة الحماية للبنان من الاعتداءات والأطماع “الإسرائيلية”.
العامل الثاني، المعادلة الماسية “الجيش والشعب والمقاومة”، التي حصّنت لبنان في مواجهة الاعتداءات والأطماع “الاسرائيلية”، واحبطت مخططاته لاشعال الفتنة.
العامل الثالث، الموقف الرسمي الذي تجسّد في اجتماع الرؤساء الثلاثة واتفاقهم على خوض المفاوضات غير المباشرة على قاعدة التمسك بحقوق لبنان كاملة ورفض التخلي عنها…
هذه العوامل الثلاثة تكاملت لتشكل معاً عوامل القوة التي أجبرت الأميركي و”الإسرائيلي” على التسليم بمطالب وحقوق لبنان، والتخلي عن الرهان على انقسام لبناني لتحقيق الأطماع “الإسرائيلية”… على انّ الأميركي و”الإسرائيلي” لم يكن لديهما من خيار، لأجل الإسراع في استخراج النفط والغاز من حقل كاريش لتصديره الى أوروبا، سوى القبول بالمطالب والشروط اللبنانية لترسيم الحدود البحرية.. وإلا فإنهما لن يتمكنا من استخراج الغاز من كاريش لأنّ المقاومة لن تسمح لهما، اذا لم يقترن ذلك بحصول لبنان على حقوقه إلى جانب بدء “توتال” بعمليات التنقيب والاستخراج في حقل قانا وغيرها من الحقول اللبنانية..
خلاصة الأمر، لقد نجح لبنان في تحقيق انتصار جديد في مواجهة كيان العدو الصهيوني، بفضل عوامل القوة الثلاثة المذكورة آنفاً، وبذلك يتأكد انّ قوة لبنان للحفاظ على سيادته وثرواته، وتحرير ما تبقى من أراضيه المحتلة، إنما يكمن في التمسك بعوامل قوته الثلاثة، وفي طليعتها المقاومة وسلاحها النوعي الدقيق الذي فرض معادلات الردع في مواجهة العدو الصهيوني الذي لا يفهم سوى لغة القوة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى