أولى

التعليق السياسي

الترسيم مع سورية وغلطة الشاطر
من حسن الحظ أن جداول أعمال المسؤولين السوريين لم تسمح بتلبية طلب الجانب اللبناني بلقاء يبحث في ترسيم الحدود البحرية اللبنانية السورية، بالتزامن مع وصول الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين إلى بيروت، وفي توقيت التمهيد لإنهاء ملف النفط والغاز في الحدود الجنوبية للبنان، بتركيبة وفد يحاكي الوفد الذي تولى التفاوض حول الحدود الجنوبية دون مبرر لهذا التشابه، فيما لا يحتاج الأمر سرعة وتسرعاً، ولا وفداً سياسياً، ولا ضوضاء ترتبط بالإيحاءات غير الموفقة لمكانة العلاقة بين لبنان وسورية، وكأن لها ترددات أميركية، أو ترددات تناظرية بموازاة العلاقة العدائية مع كيان الاحتلال، رغم أن هذه الإيحاءات على الأغلب ليست مقصودة من الجانب اللبناني المعني. وهي على الأرجح أقرب لعجقة أم العروس الفاضية والمشغولة في زحمة الاحتفال بنتائج وإنجازات ملف الغاز والنفط جنوباً، خصوصاً ان من يقف على رأس الضفة اللبنانية المعنية هو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي لا غبار على مواقفه الطيبة تجاه سورية، ولا على ثباته بوجه الضغوط الأميركية، أو موقفه الحازم بوجه العدائية الاسرائيلية.
الغريب العجيب هو في الأصوات التي رافقت الحديث عن فتح ملف الترسيم مع سورية، وهو بالمناسبة ترسيم مسجل لدى الأمم المتحدة من جانب لبنان، دون أي تفاوض سابق مع سورية، على عكس ما جرى مع قبرص، ويحاكي مع فعله الإسرائيليون مع لبنان بإيداع ترسيمهم المعتمد للحدود من طرف واحد ألزم لبنان بإيداع ترسيم مواز. وبعض هذه الأصوات فتحت ملفات تسأل عن الترسيم البري، وبعضها يرسم علامات استفهام حول موقف المقاومة التي دافعت عن حقوق لبنان بوجه العدو، مطالباً بأن تفعل الشيء نفسه مع سورية.
لهذه الأصوات الجواب ببساطة، أن سورية لا تكون أخاً وشقيقاً قبل الظهر وعدواً في المساء، فعليكم اختيار توصيف واعتماده نهائياً، وبناء التخاطب على أساسه. فإذا كان التوصيف هو العداء، فلا تقيموا حساباً للمقاومة شريكا لكم، وهي المقاومة التي قدمت دماً عزيزاً دفاعاً عن سورية، وتنظر إليها سنداً وظهراً وشريك خيارات وحروب، وعندها اركبوا ما في أعلى خليكم لتحصلوا على ترسيمكم في البر والبحر، أما إن نظرتم لسورية كأخ وشقيق، فلا مبرر «للزيطة والزمبليطة». ويكفي البدء بالبحث بلغة اخوة بين خبراء البلدين، تناقش تقنياً بلا أي خلفيات سياسية ما يمكن بلوغه من تفاهم على معايير قانونية وتقنية موحدة، يسهل البتّ بالحدود على أساسها، وهذا مختلف جذرياً عما جرى مع العدو الإسرائيلي، ويمكن له ان يجري وينجح مع الأخ والشقيق الذي تمثله سورية إذا كانت النيات أخوية والبحث علمياً مجرداً، وبلغة الأخوة يمكن للمقاومة أن تساعد بمكانتها المحترمة لدى القيادة السورية، لتسهيل تجاوز العقد التي يمكن أن تظهر وتحتاج قراراً سياسياً، ويعرف الذين رافقوا ملف تقاسم مياه نهر العاصي بين لبنان وسورية، ان الرئيس الراحل حافظ الأسد حسم الأمر لصالح حصول لبنان على ما طلبه خلافاً لرأي التقنيين السوريين، من موقع الإيمان بالأخوة بين البلدين.
ما كان يجب أن تقع الغلطة، وغلطة الشاطر بألف لكنها من الأخطاء غير القاتلة، والقابلة للتصحيح، بوفد تقني مصغر يمثل وزارتي الطاقة والأشغال المعنيتين، ويضم اليه السفير اللبناني في سورية، وخبير من الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني. ولتسهيل المهمة يمكن رعاية أعمال الوفد من شخصية كاللواء عباس ابراهيم مكلفة اصلا بالعلاقات الحكومية مع سورية، يشكل السوريون مقابله وفداً موازياً ويبدأ العمل الهادئ، وعند بلوغ أي عقدة تحتاج القرار السياسي يمكن الاستعانة بصديق هو السيد حسن نصرالله.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى