أولى

سد الإسكندر الجديد وبطل باكستان عمران خان

‭}‬ محمد صادق الحسيني
«ومن بلاد الفرس انتقل الاسكندر بجيشه عبر هرات وكابول.. حتى بلغ وديان نهر السند العليا عن طريق ممر خيبر فمدينة تاكسيلا شمالي راولبندي (قرب إسلام أباد العاصمة الحديثة) حيث قابل أول حاكم هندي قاومه وقاتله قتالاً باسلاً مستميتاً، لدرجة أنه لم يكن من السهل على الإسكندر أن يتغلّب عليه.. يُقال له بوروس.. كان بطلاً شهماً مديد القامة جداً… هذه المعركة أرهقت الاسكندر وجنده وجعلته يختار العودة عبر وادي نهر السند دون أن يدخل إلى العمق الهندي».
من كتاب جواهر لال نهرو زعيم الهند (ملامح من تاريخ العالم)
هذه المنطقة التي صدّت زحف الإسكندر المقدوني، كما مرّ ذكرها آنفا في كتاب رسائل نهرو الى ابنته من السجن الانجليزي في العام ١٩٣٤، هي اليوم ما يُعرف بباكستان الحالية، إذ يومها كانت جزءاً لا يتجزأ من الهند…
وهي اليوم مجدّداً محلّ تدافع تاريخيّ، بين اسكندر العالم الحديث، الذي بات يُعرَف بالغرب الجماعي، كما أفرزته معركة القيصر الروسي ضدّ الإغريق الجدد الأطلسيين الذين يدارون هذه المرة ليس من اليونان ولا من روما، بل من وراء المحيط…
لكنهم يصطدمون مرة جديدة بحاكم (هندي) ـ اليوم باكستاني طبعاً ـ صلب يمنعهم من التقدّم شرقاً…
مديد القامة، صلب، شجاع، شهم مستعدّ للقتال لمنعهم من عبور السد الباكستانيّ المتبلور حديثاً، ولكن هذه المرة ليس فقط سيجبرهم على التراجع ويمنعهم من إكمال طريقهم نحو الداخل والعمق الآسيوي ـ كما حصل مع توقف زحف الاسكندر المقدوني ـ بل وهذه المرة لجعلهم ينكسرون أمام التنين الصينيّ…
التنين الصيني الذي يبدو أنه يراهن اليوم كثيراً على الباكستان، بديلاً من البحار ومضيق مالاقا الذي تسيطر عليه أساطيل الاسكندر الأميركي، لتكون (ايّ الباكستان) هي الجسر الطبيعي القادر على وصل الشرق بالغرب من أجل إنجاح مشروع القرن الصيني، «حزام واحد طريق واحد».
هذه هي حقيقة المعركة التي يخوضها رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان بطل الكريكت وزعيم حزب إنصاف وصاحب الأكثرية الشعبية الحقيقية سياسياً وبرلمانياً، والميال دوماً ليُذكر خصومه الداخليين وداعميهم الخارجيبن:
بأنكم انْ لم ترضخوا لانتخابات مبكرة والتي هي مطالب الأكثرية الشعبية، فإنّ الزحف الجماهيري قادم الى إسلام أباد بكلّ زخمه ليصنع ثورة خمينيّة جديدة، على حدّ قوله…
على ماذا يعتمد البطل القومي الباكستاني الجديد والذي أسقطه قبل مدة، انقلاب أميركي سعودي مزدوج، غيّر أكثريته البرلمانية؟
1 ـ إنه يعتمد على وعي وبصبرة شعبية متنامية لدى الباكستانيين، بعد تجارب مديدة لهم مع حكومات تابعة وعميلة للغرب وللرجعبة الإقليمية البترودولارية بقيادة السعودية، والتي لطالما باعتهم في سوق النخاسة الدولية، ولم يخرجوا في كلّ مرة من السباق إلا بخفي حنين.
الشعب الباكستاني الذي أخذ قراره هذه المرة بكلّ وعي للخروج من التبعية والحكومات المستوردة، خاصة حكومة شهباز سريف الحالية التي جاءت غيلة وغدراً وتزويراً لإرادته!
2 ـ على تاريخ باكستان الإسلامي الحديث الذي أسّس له الشهيد القائد الشعبي المظلوم السيد عارف حسيني الذي ظهر على الساحة الباكستانية نتيجة تلاحم مدرستين للمقاومة واحدة إيرانية بقيادة الإمام الخميني وأخرى لبنانية بقيادة السيد عباس الموسوي، والذي رغم أنه ارتقى شهيداً في وقت مبكر، في پيشاور قرب ممرّ خيبر الاستراتيجي على يد التكفيريبن وأسيادهم الأجانب، إلا أنه ترك وراءه جيلاً قوياً من كوادر الحركة الإسلامية من الطائفتين السنية والشيعية تواكب اليوم وتتحالف مع حركة عمران خان ضدّ التدخل الأجنبي الأميركي تحديداً ومؤامراته على القرار الباكستاني الحرّ والمستقلّ.
3 ـ ضعف قيادة الجيش الباكستاني وتآكل قدراتها العميقة وهي التي ظلت ترسم معالم باكستان الحديثة، لكنها تتخبّط اليوم بسبب استنزافها لعقود في حروب الفتن الأفغانية والطالبانية والتكفيرية، حتى بات يتجرأ عليها الشعب الباكستاني اليوم في مظاهراته المستمرة فيدخل ثكناتها وبيوت قادتها مردّداً شعارات مناوئة لها بكلّ وضوح وصراحة وصوت عالٍ، وهو ما يحصل للمرة الأولى في تاريخ الباكستان…
أميركا تريد من باكستان سد اسكندر جديد لمنع الزحف الصيني على العالم الغربي.
وعمران خان القوميّ المستقلّ وحلفاؤه المقاومون الإسلاميون الجدد، وشعبه المنتفض على إرث قيادات الدولة العميقة، يريدون من باكستانهم، عضواً جديداً في الحلف العالمي المناهض للأحادية القطبية الأميركية، من باب المندب وهرمز الشامخين، مروراً ببلاد الشام الفلسطينية المقاومة وبلاد الرافدين المتحرّرة وصولاً الى عالم شنغهاي الجديد.
عالم ينهار، عالم ينهض،
بعدنا طيّبين قولوا الله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى