مقالات وآراء

سقوط بيت العنكبوت

شوقي عواضة
مرّة جديدة يفرض المقاومون الفلسطينيّون معادلاتهم على كيان العدوّ الصّهيوني المؤقّت، من خلال تنفيذ عمليّة ازدواجيّة في قلب القدس حيث تمّ تفجير العبوة الأولى في محطة حافلاتٍ في القدس المحتلّة وتمّ تفجير العبوة الثّانية عند مدخل القدس المحتلّة بالقرب من (مفترق راموت). العمليّة نفذت بأسلوبٍ متقدّمٍ ومتطوّرٍ جدّاً استطاع أن يسقط بالدّرجة الأولى المنظومة الأمنيّة الصّهيونيّة ويخترقها بل ويظهر هشاشتها بالرّغم من كلّ الإجراءات والاستنفار المعلن بأعلى درجاته من قبل جيش الاحتلال واستخباراته بعد تصاعد العمليّات في الضّفة الغربيّة.
عمليّة عكست تطوّر الأداء المقاوم بنوعيّتها وأسلوبها وتوقيتها، والعنصر الأهمّ في مكانها حيث ضربت يد المقاومين في أعماق الأحياء اليهوديّة في القدس وهي منطقة تُعتبر الحصن الأوّل لقطعان المستوطين نظراً لتوفّر (الأمن) باعتقادهم رغم كلّ الإجراءات الأمنيّة والعسكريّة استطاع المقاومون الفلسطينيّون الوصول إلى عمق الكيان المحتلّ في عمليّةٍ تحمل العديد من الرّسائل وفقاً لما يلي:
1 ـ إسقاط وفشل المنظومة الأمنيّة والعسكريّة والاستخباراتيّة للكيان الصّهيونيّ المحتلّ.
2 ـ نجاح المقاومين الفلسطينيّين بنقل المعركة إلى عمق الكيان المحتلّ وضرب نظريّة الاستقرار للاحتلال.
3 ـ نجاح العمليّة المزدوجة باستخدام العبوات الناسفة والحفاظ على القدرة في التّنقّل.
4 ـ إلحاق أكبر خسائر ممكنة من خلال مقتل مستوطن وجرح 47 من قطعان المستوطين دون أيّة خسارة للمقاومين.
على قدر ما كانت العمليّة المزدوجة صاعقةً ومؤلمةً للكيان بدا التّخبّط (الإسرائيلي) واضحاً على المستويين السّياسيّ والعسكريّ وبين قطعان المستوطين الذين عاشوا الصّدمة والرّعب من وجود عبوات أخرى في القدس وأحيائها. ووفقاً للتقديرات الأوليّة لمؤسّسة (الأمن الإسرائيليّة) فإنّ منفذي التفجيرات في القدس عملوا دون توجيهٍ خارجيّ أو تعليمات من جماعات مسلحة، وخطّطوا للهجوم منذ فترةٍ طويلةٍ والخليّة المنفّذة كانت على درايةٍ جيّدةٍ بالمنطقة التي جرت فيها التّفجيرات، ويشتبه في أنّ عناصرها تحرّوا المكان الذي يوجد فيه أكبر عددٍ من الرّكاب في محطة الحافلات ثمّ قاموا بتفجير العبوة الأولى من مسافةٍ بعيدةٍ، وفجّروا العبوة الثّانية في مفترق راموت بطريقةٍ مماثلةٍ.
أمّا وزير الدّفاع بيني غانتس أشار إلى (أنّنا في يومٍ صعبٍ أجريت فيه خلال اللّيل والصّباح سلسلة من تقييمات الوضع بداية أودّ أن أشاطر عائلة أرييه شتسوفك الذي قُتل في الهجوم الذي وقع صباح اليوم (أمس) في القدس حزنهم وأتمنّى الشّفاء العاجل لجميع المصابين) مضيفاً (إنّنا نعمل في نفس الوقت على إعادة جثمان تيران برو الذي اختطف مسلحون جثّته أمس في جنين وهذه قضيّةٌ إنسانيّةٌ بالدّرجة الأساسيّة وتحدّثت إلى والده وأكّدت أنّنا سنفعل كلّ ما هو ضروري وبأسرع وقتٍ ممكنٍ لدفنه).
وفي حين تحدّث المراسل العسكريّ لموقع “والاه” أمير بوخبوط عن احتمال وقوع مزيدٍ من الهجمات بما في ذلك وجود مسلحين فرديين، مع العلم أنّ حماس لها مصلحة أساسيّة في شنّ هجماتٍ مسلّحة ضدّ (إسرائيل)، وهذا النّوع من العمليّات لن يزول في أيّ وقتٍ قريبٍ مشيراً إلى أنّ المطلوب فوراً من (قوّات الأمن) القيام بجهودٍ رئيسيّةٍ أهمّها كشف البنية التحتيّة المسلّحة التي انزلقت تحت أنوفنا، ونفّذت عمليتين في القدس”.
في حين شنّ رئيس حركة (الأمنيين) الجنرال أمير أفيفي هجوماً على الأحزاب في الحكومة قائلاً: (من العار في الوقت الذي تقع فيه هجمات مسلّحة ويُقتَل إسرائيليّون فإنّ السياسيّين منشغلون بالقتال على العروش، يجب تشكيل حكومة بالفعل والذّهاب للعمل هناك دولة يجب إدارتها وحرب ضدّ العنف المتفشي).
أمّا الاعتراف بانهيار المنظومة الأمنيّة والعسكريّة الدّفاعيّة فقد جاء على لسان مرشح بنيامين نتنياهو لمنصب وزارة الحرب الجنرال يوآف غالانت قائد المنطقة الجنوبيّة الأسبق الذي قال: إنّنا في هذا الصّباح الصعب نتلقى تذكيراً مؤلماً بقسوة العناصر المسلّحة وهذا لا يمكن أن يستمرّ من الضّروري إعادة الرّدع وفوراً سنلاحق أعداءنا.
ردّ فعل الاحتلال على العمليّة جاء من خلال رفع حالة الاستنفار في القدس والمناطق المحتلّة بالإضافة إلى حشد قوّاتٍ عسكريّةٍ ضخمةٍ حول مخيم جنين في محاولةٍ لاقتحام جنين. في حين تحدّثت أوساط قياديّة من فصائل المقاومة الفلسطينيّة أنّه في حال شنّ الاحتلال هجوماً على جنين فإنّ جبهات غزة ستفتح في ظلّ استنفارٍ كبير لفصائل المقاومة على امتداد أرض فلسطين.
مشهد يضع الكيان في وضعٍ حرجٍ في مواجهة مع المقاومين الفلسطينيين لن تكون كسابقاتها بل أشرس وأقوى. وكما في المرّات السابقة لعلّ العدوّ باستطاعته ان يبدأ المعركة لكنّه حتماً لن يتحكّم بتوقيتها ونتائجها وخواتيمها والتّرسانة العسكريّة التي فشلت في حمايته وحماية قطعان مستوطنيه من ضربات المقاومين على مدى سنواتٍ طوال لن تجعله بمأمنٍ من صواريخ المقاومة في غزّة ولا من طائراتها المُسيّرة. وهو يدرك أيضاً أنّ اللّجوء لمصر وغيرها لن يلبسه الدّرع الواقي ويعطيه صكّ البراءة من جرائمها باحتلال فلسطين وميادين فلسطين تشهد وستبشّرنا بالمزيد من الهزائم للكيان المؤقّت عمّا قريب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى