مقالات وآراء

علامات انهيار الدولة…

} علي بدر الدين

يُحكى أن السلطان سليمان القانوني سأل العالم الشهير «يحيى أفندي»، عن علامات انهيار الدولة؟ فأجابه، «ما لي ولهذا أيها السلطان، «ما خصّني». تعجّب السلطان من جوابه، وطلب منه تفسيراً له وماذا يقصد، قال له العالم، أيها السلطان: «إذا انتشر الظلم في بلد، وشاع فيه الفساد، وقال كلّ من سمع ورأى الظلم والفساد ما لي وهذا، وما خصني، وانشغل بنفسه فقط، وإذا كان الرعاة هم الذين يفترسون الغنم، وسكت من عرف بهذا وسمعه، وإذا زاد صراخ الفقراء والمحتاجين والمساكين، وارتفع بكاؤهم إلى السماء، ولم يسمعهم بعد الله، سوى الشجر والحجر والمدر، عند ذلك تلوح نهاية الدولة، وتفرغ خزينتها، وتهتز ثقة الشعب بها واحترامهم لها، ويتقلص الشعور بالطاعة.

هكذا سيكون الاضمحلال قدراً مكتوباً على الدولة لا مفرّ منه، وبذلك تنهار الدولة، وتكثر الملل، وتزيد العلل، ويسود الملل، وينتشر الجهل المطبق إلى أجل محتوم، ويصبح الشعب محروماً ومظلوماً والشرّ معلوماً والكلّ مصدوماً».

ما أشبه ما يعانيه لبنان اليوم ودولته وشعبه ومؤسساته بما نطق به هذا العالم منذ عقود من الزمن، حيث انّ علامات الانهيار الكلي ومواصفاتها مطابقة تماماً، حيث يسود الفساد والظلم والاستبداد، وتتكاثر أعداد الفقراء والمحتاجين والجائعين، والغارقين في مكيدة الطائفية والمذهبية والعنصرية والنهب المنظم والمبرمج لمقدرات الدولة وثروات الشعب، والذي أدى إلى إفراغ خزينة الدولة والسطو على المال العام والخاص، وانعدام الثقة بالطبقة السياسية والمالية والسلطوية الحاكمة، التي تخلت عن مسؤولياتها الوطنية والشعبية، ولا همّ عندها سوى تحقيق مصالحها وحماية مكتسباتها، وحصصها على قاعدة «أنا أو لا أحد ومن بعدي الطوفان»، بل أكثر من ذلك، أنها تركت شعبها يواجه قدره بنفسه وقد نهش عظامه الفقر والجوع والمرض، وهجّرته وشرّدته وقسّمته إلى شرائح ومجتمعات مغلقة وضيقة ومتناحرة، وكأنها ليست هي الراعية المسؤولة عن رعيتها، وكأنّ الدولة مشاع سائب لها، تقطع منه ما تشاء، وتتقاسم ثرواته مرة عنوة، ومرات بالاتفاق والتفاهم، على طريقة «قطعة الجبنة» والقرود، من دون ان تترك أثراً لشعبها.

إنّ مسوؤليتها مضاعفة عن انهيار الدولة وحرمان الشعب وإفقاره، خاصة أنها ترى وتسمع أنينه ووجعه واستغاثته وصراخه، وكأنّ الأمر لا يعنيها، ولم تحرك إنسانيتها ولا تصحو ضمائرها ولا رحمة لديها ولا شفقة، على العكس فإنها ممعنة في سياستها وساديتها وتغوّلها من دون رادع.

الشعب اللبناني أيضاً مسؤول عما آلت إليه حالته على كلذ المستويات، لأنه ساكت إلى حدّ الغياب، عما اقترفته الطبقة السياسية والمالية بحقه، وهو يعيد إنتاجها في كلّ موسم انتخابي، وكأنه يعشق جلاديه، وقد قيل، «الساكت عن الحق شيطان أخرس» ولا يعرف سوى النق والصراخ في الفراغ والأماكن المغلقة خوفاً من «ولي النعمة».

يعني هذا أننا نعيش علامات انهيار الدولة، التي تنبئ بالأسوأ والأخطر، إذا لم ينقلب السحر على الساحر، وتحصل معجزة غير متوقعة، مع أنّ عصر المعجزات قد ولى إلى غير رجعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى