مقالات وآراء

إدارة التفاهمات الوطنية نقيضها الخطاب الطائفي

‭}‬ خضر رسلان
يعتبر وجود قوة يقع على عاتقها إشادة وبناء النظام الاجتماعي أمراً ضرورياً أقرّته جميع الشرائع والأمم، كما أنّ النظام الإداري كغيره من الأنظمة لم ينشأ من فراغ؛ ولا بدّ من وجود منظومة تديره، فالنظام الاجتماعي الشامل يشتمل على عناوين اقتصادية وسياسية وإدارية وغيرها، ومما لا شك فيه أنّ علم «الإدارة» موجود منذ وطأت قدما الإنسان هذه الأرض، وبالتالي فهو عنصر أصيل وفعّال وضروري للحياة الإنسانية وللتقدم الحضاري وبالتالي فإنّ مقياس نجاح الأمم يعود بقدر كبير منه إلى الإدارة الفاعلة.
1 ـ ماهية إقامة التفاهمات الوطنية
انّ من أهمّ أسباب إبرام تفاهمات وطنية بين مكونات أو أحزاب وقوى هو تحقيق عناوين تشكل أبرز مقوّمات قيام الدولة وأجهزتها التشريعية والتنفيذية والقضائية والتي تهدف الى تحقيق السيادة الوطنية للدولة والعدالة الاجتماعية للأفراد المقيمين على أراضيها وتحت هذه العناوين يتمّ إجراء اتفاقيات وتفاهمات بين هذه المكونات التي يجمعها قواسم مشتركة من أجل العمل سوياً لتحقيق هذه الأهداف مع تسليمهم المسبق الى وجود تباين حول العديد من القضايا والسياسات وإلا لانتفى وجود عنوان اسمه تفاهم بين فريقين واصبحا حزباً او فريقاً واحداً.
2ـ إدارة التباين (تفاهم مار مخايل نموذجاً)
في قراءة متأنّية لمسار وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر التي وُقعت شباط 2006، ورغم أنّ اتفاق الطائف قد أنهى الحرب الأهلية وأعاد تشكيل النظام السياسي ومن ضمنه إقرار المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس النيابي وفي تعيينات الوظائف الأولى في الدولة، وهذا ما أرسى ورسّخ استمرارية التوازن الطائفي في لبنان دونما الحاجة إطلاقاً الى رسم خريطته السياسية وفق التوزيع الديمغرافي، وبالتالي فإنّ تفاهم مار مخايل الذي من حيث الشكل كان علامة فارقة ساهمت في كسر حدة الانقسام الطائفي والتوافق حول عناوين وطنية واجتماعية مشتركة تتناول الحوار الوطني وقانون الانتخاب وبناء الدولة واللبنانيين في الكيان «الإسرائيلي» وموضوع اللاجئين الفلسطينين والعلاقات مع سورية وحماية لبنان، توحّدت رؤى الطرفين حول بعضها وتباينت حول البعض الآخر إلا انّ ردود الفعل حول المواضيع الخلافية كانت مختلفة من قبل الطرفين، ففي الوقت الذي أصرّ فيه حزب الله على انتخاب الرئيس عون لرئاسة الجمهورية رغم معارضة حليفه الأول الرئيس بري لذلك، نرى السهام تطلق على حزب الله في ملف مكافحة الفساد وبناء الدولة بذريعة مساندة حلفائه، هذا في وقت لم يرَ حرجاً التيار الوطني الحر في إلغاء الإبراء المستحيل والاتفاق مع الرئيس الحريري وإبرام اتفاقية تفاهم مع القوات اللبنانية تتضمّن المناصفة في كلّ الوظائف والتعيينات، وفي موضوع حماية لبنان الذي أقرّته وثيقة التفاهم فإنّ الحديث عن انّ التيار الوطني الحر دفع ضريبة مساندته للمقاومة في بيئته لهو كلام دونه الكثير من علامات الاستفهام لأنّ حماية لبنان سواء من الصهاينة او التكفيريين هو الذي حفظ كيانه وشعبه من الزوال والتبعية والذمية فضلاً عن الاستفادة المرجوّة من ثرواته النفطية والغازية.
 عناوين متعددة تباينت حولها المواقف والإجراءات من الطرفين إلا أنّ إدارة هذا التباين كانت مختلفة في السلوك والأداء وكان آخرها انعقاد جلسة لمجلس الوزراء الهدف منها إقرار بعض المسائل الاجتماعية الملحّة والتي تدخل في سياق الحاجات الضرورية التي هي من أهمّ وظائف الدولة وتمّ التعاطي مع هذا الأمر كأنه استهداف للدور المسيحي ويساهم في تأخير انتخاب رئيس جديد للجمهورية (تمّ التداول عن عدم الممانعة في توقيع مراسيم جوالة وهي بالمناسبة بحاجة لتوقيع رئيس الجمهورية) فضلاً عن الحديث عن محاولة لإقصاء التيار الوطني الحر عن دوره الوطني الذي لطالما عمل ولا يزال حزب الله جاهداً في الوقوف الى جانبه ومنها حرصه على التفاهم معه والوقوف على هواجسه في ملف انتخابات رئاسة الجمهورية، ورغم انّ هذه الأمور من العناوين والتباينات المتوقعة حينما تمّ توقيع وثيقة التفاهم فإنها باتت مادة جديدة للتصويب عليه وأصبح كلّ عنوان خلافياً وكلّ تباين في الرؤى مادة جاهزة للهجوم والتقريع بحيث يشعر كلّ متتبع للأحداث انّ هذا التفاهم إنما هو لمصلحة طرف محدّد دون الآخر ولكن أخطر ما في الأمر هو إعادة إحياء الخطاب الطائفي وتوزعه بين القيادة والقاعدة عند أول مفترق، وهذا مؤشر خطير لا يرمّمه إلا الانتقال في التفاهمات والاتفاقيات الى الفضاء الأوسع على المستوى الوطني كله.
 وفي الختام فقد حدّد ابن أبي الرُبِّيع الأسس التي تقوم عليها القيادة المثالية التي تدفع عن الناس الأذى الواقع على بعضهم، وأن يكون القائد من أفضل الناس، ولذلك فهو يميل إلى القيادة المثالية وأن يحكم الناس أحكم الناس، قائلاً: «فقد تبيّن… أنّ الناس مضطرون إلى تدبير وسياسة وأمر ونهي، وإنّ المتولّين لذلك ينبغي أن يكونوا أفاضلهم».

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى