أولى

إلى متى تستمرّ حالة «عدم الاستقرار» في الإقليم؟!

‭}‬ د. جمال زهران*
المؤكد أنّ التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، دفاعاً عن أمن روسيا القومي في مواجهة استفزازات أميركا وأوروبا وحلفهم العسكري «الناتو»، قد ترك بصماته وآثاره على العالم كله وفي قضايا عديدة ومصيرية، أهمّها: الطاقة (نفط، وغاز)، والغذاء (القمح أساساً)، والأمن إلخ… إلا أنّ أهمّ ما نراه جديراً بالتحليل هو ما حدث ويحدث وسيحدث من تحوّلات في كلّ الأقاليم في العالم.
فالحادث هو أنّ خريطة العالم والسابق أن أشرت إليها بالتحوّلات في الجغرافية السياسية (الجيبوليتيك) في العالم، تتعرّض لتغييرات شديدة الدرجة. وأنّ التغافل عن هذه التحوّلات في الجغرافية السياسية، سيكون من شأنه التعرّض لمفاجآت غير مسبوقة، قد تصل إلى مواجهات نووية قد تصيب العالم بالفناء الكامل حال حدوثه، خاصة أننا نعيش في قلب الحرب العالمية الثالثة أو الأولى في القرن الحادي والعشرين.
ومن أكثر أقاليم العالم عرضة للتحوّلات، هو الإقليم العربي والإقليم الشرق أوسطي. والسؤال: هل سيستمرّ حكام الإقليمين منتظرين ما يحدث، ثم تكون ردود الأفعال فرادى، طبقاً لمصالحهم الذاتية، أو أن يصبحوا فاعلين في التحوّلات، وشركاء فيها، بحيث يتمّ تقليل الخسائر المحتملة، وتعظيم الفوائد التي يتمّ تحقيقها؟!
فالمتابع لما يحدث بعد اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير/ شباط 2022، من أفعال وردود أفعال، أنّ هناك محاولات «الشدّ والجذب»، و»المدّ والجزر»، إزاء هذه الحرب. فقد حاولت بعض النظم في الإقليم، استغلال هذه الحرب، بتبرير الفشل في الإنجاز لشعوبهم، بأنّ الحرب كانت السبب في تدهور معيشة الدولة والشعب وانهيار اقتصادها، على حين استغلّت نظم أخرى هذه الحرب التي جاءت بعد عامين من أزمة كورونا وتداعياتها، لإعادة النظر في أولويات اقتصادياتها والاتجاه نحو التصنيع والزراعة سعياً نحو الاكتفاء الذاتي، وتقليل الاستيراد. كما أنّ هناك نظماً استغلت حالة «السيولة الدولية» الناجمة عن الحرب الأوكرانية، لإنجاز بعض مشاريعها الذاتية، نموذج أثيوبيا التي قامت بالملء الثالث في يوليو/ تموز 2022، سبقه الملء الأول 2020، والثاني في 2021، دون أيّ ردّ فعل إزاء ما يحدث وربما بالتوافق بين أثيوبيا ودولتي المصبّ (السودان ومصر) وأضحى الضرر حتمياً للدولتين وشعبيهما. وكذلك نموذج الكيان الصهيوني المسمّى بـ «إسرائيل»، حيث يصرّ قادتها الفاشلون على استمرار التنكيل بالشعب الفلسطيني، والهجوم المتكرّر على سورية ولبنان، بادّعاء مواجهة مع إيران على أرض البلدين، ونرى أنّ ردود الأفعال محدودة إزاء العدو الصهيوني، رغم ميلاد مقاومة جديدة من «جنين» باسم منظمة الصاعقة بعيدة عن كلّ الفصائل الفلسطينية، والتي أثبتت أنها رقماً مهماً في معادلة المقاومة.
كما لاحظنا مسارعة أميركا/ بايدن، بعقد مؤتمر جدة لقادة الإقليم العربي، وقبلها مؤتمر أميركي/ خليجي فقط، وذلك بهدف تكوين جبهة ضدّ روسيا في أوكرانيا، والاتفاق على إدارة أزمة الطاقة عبر شركاء وحلفاء وتوابع أميركا في المنطقة، وحدثت وعود واتفاقات، ربما ذهب أغلبها سدًى!
في المقابل عقدت قمة طهران ضمّت روسيا وإيران وتركيا، في إطار الردّ على المحور الأميركي العربي. وكلتا القمتان (جدة/ طهران) كانتا بهدف سياسي واضح، تنظيم حركة الدول التابعة في فلك الدولتين العظميين، على خلفية الصراع المستمرّ في أوكرانيا.
إلا أنّ محاولة (أوبك +)، خفض الإنتاج من النفط، وهي القمة التي عقدت بتنسيق سعودي/ روسي، كانت لها تداعيات خطيرة في الغرب (أميركا/ أوروبا)، وصلت إلى تهديدات مباشرة ضدّ المملكة، التي صرّحت أنها استهدفت معالجة الوضع الاقتصادي للنفط، بسياسات جديدة تعالج المشاكل القائمة. وعقدت جلسة أخرى منذ أيام، أكدت فيها على استمرار سياسات خفض معدلات الإنتاج!!
إلا أنّ الطامة الكبرى، بزغت، بعقد قمتي (الخليجية/ الصينية)، و(العربية/ الصينية)، في الرياض، خلال الأيام الماضية، بحضور الرئيس الصيني الذي استمرت زيارته (4) أيام، أثارت تساؤلات، أكثر من الإجابات. ومن هذه التساؤلات: هل هذه القمة تكشف عن تحوّلات إقليمية بقيادة السعودية نحو الصين وروسيا، بديلاً عن التحالف مع أميركا وأوروبا؟! هل عقد هذه القمة بحضور الرئيس الصيني لأول مرة بعد انقطاع (6) سنوات، تؤكد أنّ الصين تؤسّس لوجود سياسي واقتصادي في الإقليم العربي، يصبح بديلاً عن التبعية الخليجية بقيادة السعودية، لأميركا وتابعيها؟! وهل أرادت المملكة السعودية، أن تكشف عن بعض أوراقها العدائية لأميركا في عهد الديموقراطيين بزعامة بايدن، لممارسة الضغوط عليها حتى إجراءات الانتخابات الأميركية الرئاسية بعد عامين من الآن؟!
وعلى هدى من هذه التساؤلات، وجملة الوقائع، يتضح أنّ الإقليم العربي، والإقليم الشرق أوسطي، يعيش على صفيح ساخن، قد ينفجر بواقع جديد، سواء بردود الفعل، أو بالمبادرات الذاتية، ممثلة في المؤتمر الصيني/ العربي، أو على الجبهة الأخرى في الشمال العربي، والذي يتمثل في محور إيران/ العراق/ سورية/ لبنان، على خلفية التنسيق مع روسيا، والتي تلعب دور الداعم والوسيط بين تركيا وسورية؟!
ولا تزال حالة «عدم الاستقرار»، التي يعيشها الإقليم (عربياً/ شرق أوسطياً)، ستظلّ مستمرة، طالما أنّ الحرب مستمرة في أوكرانيا، والحرب العالمية الأولى في القرن الحادي والعشرين مستمرة أيضاً، وطالما أنّ السياسات المتبعة لا تجسّد إلا حالة ردود فعل، أكثر منه مبادرات ذاتية، وتفتقر للتنسيق العالي المستوى بين الأطراف الفاعلة في الإقليم، وتخلو من تغليب الإرادة السياسية الفاعلة أكثر منه تغليب الإرادات الخاصة، التي تسعى دول من الإقليم استثمار علاقتها الخاصة مع نظم في الإقليم، كمحاولة لبلورة موقف قد يبدو في الظاهر أنه جماعيّ، على حين أنّ الحقيقة هي عكس ذلك!! والخلاصة أنّ الإقليم يعيش فوق صفيح ساخن، وتغلب عليه حالة عدم الاستقرار، والتي قد تتمخّض عنها تحوّلات كبرى، نحن في انتظارها ونسعى لالتقاط خيوطها.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى