أولى

مآل الأزمة الأوكرانية عالمياً…

‭}‬ د. جمال زهران*
تسير الأوضاع ومجريات الأمور في الأزمة الأوكرانية، والحرب الروسية على أوكرانيا، في طريق يزداد وعورة، بمرور الوقت، وتتصاعد درجة الصراع العالمي، ومعها تزداد الخسائر المادية، والعالم يدفع الثمن غالياً، بدون قدرة على «فرملة» ـ أيّ توقف ـ تطورات هذه الأزمة.
وقد سبق أن وقعت أزمات عديدة عالمية، منها أزمة صواريخ خليج الخنازير في كوبا (جنوب شرق أميركا) في عامي 1961 ـ 1962، وأزمة حرب فيتنام، والتي ورّطت أميركا نفسها بها واستمرت 8 سنوات (1965 – 1973)، وراح ضحيتها (60) ألف قتيل أميركي مقابل (3.6) مليون شهيد فيتنامي نتيجة إصرار شعب فيتنام على إيقاع الهزيمة بأميركا «ومرمطة» سمعتها في الأرض وإجبارها على الخروج، وحدث، ورحلت القوات الأميركية مذلولة، ومطأطأة الرأس من الخزي والعار.
كما أنّ هناك أزمة أخرى، بتدخل الاتحاد السوفياتي في أفغانستان (ديسمبر/ كانون الأول 1979)، واستمرت إلى أن رحل عام 1988 (9 سنوات)، وهي تجرّ أذيال الهزيمة ودون تحقيق أية أهداف استراتيجية. وعلى نفس الأرض الأفغانية، دخلت أميركا في أفغانستان في (أكتوبر/ تشرين الأول 2001)، واستمرت 20 سنة، إلى أن رحلت مع إدارة بايدن، التي اعترفت بالفشل، وبعد خسائر وصلت نحو (2 – 4) تريليون دولار، من ميزانيتها! وذلك في سبتمبر/ أيلول 2021!
وفي الإقليم حدثت ثلاث أزمات كبرى، الأولى في الغزو العراقي للكويت في أغسطس/ آب 1990، وأجبر العراق على الخروج باستخدام القوة الدولية بقيادة أميركا في 16 يناير/ كانون الثاني 1991، وتمّ تحرير الكويت في فبراير/ شباط 1991، بعد ثلاثة أسابيع من الحرب، والتي ولدت معها قناة «سي. أن. أن»، التي نقلت الحرب على الهواء مباشرة، وإدارة بوش الأب للمعركة من غرفة النوم الخاصة به، وذلك في نقله تكنولوجية ضخمة!
والثانية: أزمة الغزو الأميركي للعراق في مارس/ آذار 2003 تحت وهم أنها تمتلك سلاحاً نووياً، وصواريخ طويلة المدى، واتضح بعد ذلك أنّ هذه كانت حجة لتدمير العراق، باعتراف كولن باول (وزير خارجية الولايات المتحدة بعد تقاعده!)، وتحت مبرّر آخر مقاومة الإرهاب بعد غزو أفغانستان في أكتوبر/ تشرين الأول 2001! وتمّ احتلال أميركا للعراق وللآن (2022)! بعد أن تمّ نهب موارد العراق (بترول ـ آثار ـ ذهب إلخ…)! والثالثة: أزمة تدمير سورية ومحاولة إسقاطها، بقيادة أميركا، وتمويل دول عربية، باعتراف قادة كبار في هذه الدول، وبتكلفة (138) مليار دولار، وذلك ابتداءً من آذار/ مارس 2011، ولا تزال الأزمة قائمة، رغم ما حققته سورية من انتصارات في مواجهة هذه المؤامرة الدولية/ الإقليمية، لتستمرّ الدولة بقيادة الرئيس د. بشار الأسد، ومنظومة مثلث الحكم (الشعب ـ الجيش ـ القيادة)، وفي ظلّ التحالف مع روسيا العظمى، وقوى إقليمية إيران ـ حزب الله، وكلّ أحرار العالم، مع هزيمة لقوى الشر المتربصة بالدولة السورية المقاومة، وخاصة تركيا، وما كانوا ينادون به من إصرار على إسقاط بشار الأسد ونظامه، عادوا إلى رشدهم، بحكم التوازن الدولي والإقليمي، وأعلنوا قبول التعاون مع سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، رغم معاندة البعض من الدول العربية، التي تقف حجر عثرة، أمام استعادة سورية وتفعيل دورها في الجامعة العربية، وعودتها لشغل مقعدها فيها، خاصة وهي إحدى الدول الخمس الأولى المؤسّسة للجامعة العربية عام 1945.
والسؤال: ما هي خلاصة هذه الأزمات العالمية الكبرى، والإقليمية الكبرى أيضاً؟ الإجابة تتركز في استخلاص نتيجة مهمة وهي أنّ هذه الأزمات لم تترك آثاراً اقتصادية كبرى على النظام العالمي، ولم تتعرّض اقتصاديات الدول الكبرى بل والإقليمية الكبرى، بل والنامية الناشئة، لآثار مدمّرة، وتداعيات خطيرة، مثلما هو حادث في أزمة أوكرانيا التي مرَّ على حدوثها في المرحلة الثانية ابتداءً من 24 شباط/ فبراير 2022، أكثر من (8) شهور!
إذن: نحن أمام أزمة دولية كبرى، لها مواصفات مختلفة، وخلفت آثاراً ضخمة على النظام الاقتصادي العالمي، وربما تعصف هذه الآثار، بدول كبرى، وتكتلات قائمة، ودمار حقيقي لاقتصاديات، ومحاولة لهروب بعض الدول من التبعية للهيمنة الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، سعياً نحو الحياد النسبي في الأزمة بين القوى الدولية المتصارعة، أو كمحاولة للهروب من التعرّض للدمار الشامل نتيجة استمرار الأزمة.
فماذا قال الرئيس بوتين في كلمته أمام منتدى (فالداي)، يوم 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، «إنّ الأزمة الحالية تطال الجميع وإنّ البشرية أمام طريقين، إما المضيّ قدماً نحو الانهيار، أو العمل على نظام جديد معاً. وأنّ العالم يتجه إلى مسار متعدّد الأقطاب، بل أنّ الموقف حالياً في العالم يتجه نحو السيناريو الأسوأ».
وقد سبق أن كان بوتين سبباً في إقالة ليز تراس، رئيسة وزراء بريطانيا بعد (6) أسابيع فقط من تولّيها منصبها، وأن يصرّ على الدفع نحو انهيار بريطانيا من الداخل بعد ثبوت ضلوعها في تدمير أنابيب غاز روسيا في البحر الأسود!
ولو أشرنا إلى جملة ما أنفقته الدول الأوروبية كجزء من دعم حكومي مباشر للأسر والشركات في مواجهة تداعيات أزمة الطاقة، والبالغ حجمه (674) مليار يورو، جراء أزمة أوكرانيا! لأدركنا على الفور أننا أمام أزمة عالمية، بالغة التأثير والتداعيات على النظام الدولي اقتصادياً وسياسياً، قد تطيح بأوضاع ودول وتكتلات قائمة، وهو ما سيتمّ تناوله تفصيلاً أكثر في المقال المقبل.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى