«صقيع» من نوع آخر…

‭}‬ رباب تقي*

«يقترب الصّقيع»، هكذا يقول النّاس قبيل الثاني والعشرين من شهر كانون الأول/ ديسمبر على اعتقاد أنّه التّاريخ العلمي لبدء فصل الشتاء.
في المناطق الجبليّة والمرتفعات، حلّ الصّقيع منذ أكثر من شهر تقريباً. أما بالنسبة لها، فأزمة التّغير المناخي قد حلّت لعنتها عليها باكراً. قبل أن يصبح الموضوع عالميّاً وأمميّاً وله اهتمامات دوليّة ومجتمعيّة وعلميّة.
«صقيع»: مفردة من أربعة فصول؛ صبر التّأقلم؛ قيء الكذب، يبس الانتظار، وعبء الألم.
«صقيع»: مفردة من أربعة فصول: صفار الخريف، قرس الشّتاء، يراع الرّبيع؛ وعبق الصّيف.
«صقيع»: شعور من أربعة نوافذ: صدق الرّفض، قوّة التّحمّل، يبس العاطفة، وعجز البقاء.
الصّقيع: انخفاض في درجات حرارة الإنسانيّة على مقياس الأخلاق، رياح داخليّة عاتية، سيول من مجرى العاطفة لا تسبّب تلفاً خارجيّاً، ارتفاع مستوى أمواج العطاء في غير محلّه، هطول غيث المحبّة الصّادقة لغير أهلها، انسداد أبواب الاحترام والتقدير، وانجراف لمرتبة القلب على عتبة الجرح.
الصّقيع: حالة قد يتعرّض لها كلّ إنسان في مراحل عدة من حياته.
أذكر أنه كان لديّ صديقة لطالما كانت تقول لي: «يداي باردتان دوماً وغير قابلتين للدّفء، أعمل ما بوسعي لتدفئتهما؛ لكنّهما تأبيان ذلك». كنت أستغرب قولها الذي يتردّد سنويّاً مع قدوم كلّ شتاء. وكنت أتساءل دوماً بيني وبين نفسي عن الأسباب. نصحتها ذات مرّة أن تلجأ إلى طبيب فقالت لي وقتها إنّه طلب منها إجراء الفحوصات اللّازمة، وقد تبيّن في ما بعد أنه لا يوجد سبب حقيقيّ وراء ذلك.
اليوم، أتمنّى أن يصل نصّي لها. فالبرد الدّائم قد لا يقتصر على يدين، أو أنف أو قدمين. وهو أيضاً لا يتعلّق فقط بفصلٍ أو مناخ.
البرد الشّديد شعور داخليّ بحت، لا تنفع معه وسائل تدفئة العالم أجمع في فصل الشتاء، ولا حتى تفيده شمس الصّيف الحارقة.
العصافير لا تشعر بالدّفء إلا في أعشاشها، حتى ولو كان مغطّاة ببطّانيات صوفيّة في أقفاص.
والخراف لا يدفئها إلا صوفها المتلاصق بجلدها، حتى ولو خنقتها بأصواف مصنّعة على جلودها.
وهكذا نحن، في درجات ما تحت الصفر، قد نشعر بحرارة الشّمس، وأحياناً أخرى؛ قد نكون في أفضل حالات التدفئة الممكنة، لكنّ البرد القارص متمكّن منّا، بقلوب تجمّدت وشرايين ابيضّت مجراها من قوّة ذلك الصّقيع.
*كاتبة وإعلامية لبنانية