نقاط على الحروف

سقف الدين وسقف لطباعة النقد بين لبنان وأميركا

ناصر قنديل

ــ هذا النص برسم النواب الذين يعتبرون أنفسهم مسؤولين ويتعاملون بجدية مع مسؤوليتهم، بمعزل عن انتمائهم الحزبي والتموضع السياسي لهؤلاء، لأن الشأن المالي مع ما بلغه من انحدار رهيب أصبح شأناً أخلاقياً ووطنياً بتجاوز المواقع الحزبية والسياسية.
ــ نتابع جميعاً ما يجري في واشنطن من سجال مشفوع بالخوف والقلق حول التفاوض بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول تعديل سقف الدين، والمقصود أن هناك سقفاً يشرعه مجلس النواب لوزارة الخزانة والاحتياطي الفدرالي، يجب عند تجاوزه العودة إلى المجلس لتشريع رفع السقف بنسبة يحدّدها المجلس وتلتزم به المؤسسات التنفيذية، ومن ضمن التفويضات التي يمنحها مجلس النواب للسلطات النقدية سقوف المسموح طباعته من الأوراق النقدية وكيفية احتسابه بين الخزينة والاحتياطي الفدرالي، ولأن هذا يجري في لبنان نظرياً عبر الموازنة، لكنه لا يجري عملياً كما يكشف ارتفاع الدين وفق متواليات هندسية، يتم تغييب قطع حساب الموازنة سنوياً، لعدم افتضاح أمرها، لكن الأكيد أنه ليس هناك لدينا في نظامنا التشريعي شيء اسمه سقف الدين، أي الرقم الذي يشكل بلوغه إعلان دخولنا أزمة وطنية.
ــ أميركا هي البلد الوحيد في العالم الذي يستطيع طباعة أوراق عملته وجعل العالم يدفع ثمن الدولارات المطبوعة معه، بينما كل طباعة العملة الخاصة بأي بلد تجعله يدفع وحده ثمن التضخّم الناتج عن الطباعة، ورغم ذلك يقيّد مجلس النواب كميّات العملة المسموح بطباعتها كما يحدّد سقف الدين غير المسموح بتجاوزه، وبالتأكيد لم يخطر ببال التشريع اللبناني وهو يستنسخ كل شيء من التشريع الغربي أن يلتفت الى هذا التقييد. والأكيد أن مناقشة أسباب الأزمة التي بلغت حد الانهيار تتفادى الحديث عن القصور التشريعي الذي لا يضع حداً لسقف الدين ولا يضع حداً لكمية العملة المسموح بطباعتها.
ــ بينما نحن في قلب الانهيار، يصبح الاعتراف بأن غياب هذا التقييد التشريعي أحد أسباب الانهيار، وتصبح أهمية هذه التشريعات أكبر، وحاجتها أعلى فكل يوم يمرّ يفترض أن يكون لدى لبنان سقف للدين تلتزم الحكومة بتمويل إنفاقها دون تجاوزه، ولدى مصرف لبنان سقف يحدد الكمية المسموح وجودها من النقد المطبوع والتي عليه أن يدير الحالة النقدية دون تجاوزها. ويصح القول إنه لو صدر هذا التشريع اليوم لكانت الحكومة ملزمة بتحسين أدائها بدل الاعتماد على لعبة ورقية اسمها زيادة الدين، ولكان مصرف لبنان ملزماً بأداء مهامه دون العبث بزج كميات جديدة من العملة المطبوعة الى الأسواق؛ ولكنها ليست لعبة، لأن الحكومة ومصرف لبنان يعرفان أن التمويل يتمّ من تحويلات المغتربين التي يشتريها مصرف لبنان بليرات مطبوعة، ويقدّمها للدولة بديون بلا سقف، فيرتفع سعر صرف الدولار بدلاً من أن ينخفض لو بقيت الدولارات المحوّلة مصدر قوة لليرة اللبنانية. وهذا يعني أن الصراع على موقع هذه التحويلات في الاقتصاد هو بين اللبنانيين الذين يفترض أن يمثلهم النواب، كي يحسنوا القيمة الشرائية لليرة أو يحافظوا لها على هذه القيمة، ومقابلهم الحكومة ومصرف لبنان، الذين يفترض أن يراقبهم النواب، ويمنعوا تكرار كارثة التصرف بودائع اللبنانيين، التي ما كانت لتتم لو كانت الرقابة موجودة، وكانت سقوف تقييد الدين معمولاً بها، كما يتمّ التصرف بتحويلات الاغتراب عبر عدم تقييد طباعة النقد.
ــ يدور الحديث عن مشاريع حوار بين كتل نيابية وأحزابها مثل الحوار الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب، أو الحوار المرتقب بين حزب الله والتيار الوطني الحر، أو بين كتل نيابية، مثل الحوار بين كتلة اللقاء الديمقراطي وكل من كتل نيابية لقوى الثامن والرابع عشر من آذار، والحوار الذي يدعو إليه النواب المستقلون، وكلها تحت عنوان السعي لمقاربة موحدة للاستحقاق الرئاسي، وهو أمر يستحق، لكن السؤال ألا يستحق الأمر أن يكون هناك حوار موازٍ ومستعجل لبلورة تشريع يقيّد طباعة العملة، ومنع تجاوز سقف الدين العام، كي لا نكتشف أننا شرعنا لكارثة لا تقلّ خطورة عن تلك التي دخلناها قبل سنوات ولا نعلم بعد كيف نخرج منها، وربما يكون التوافق على تشريع من هذا النوع بداية لفرز ومدخل نحو تفاهمات عابرة للانقسامات التقليدية تفتح آفاقاً على الصعيد الرئاسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى