أنشطة قومية

يوتوبيا المواطنة وتحدّياتها.. في نشوء حقوق المواطنة ومسارها ومآله

مفهوم المواطنة غائب والتفكك الاجتماعي والنفسي سائد والهويات الطائفية والمذهبية والأثنية والعشائرية مسيطرة والطبقة السياسية مرتهنة للخارج بولاءات متعدّدة (4 و5 من 5)

ـ ظاهرة الوجدان القومي هو الأساس في ثقافة المواطنة.
ـ واجب محاربة النزعة الفردية التي تمثل التهديد الأخطر لوحدة المجتمع وتعمل على تفكيكه.
ـ المواطنة لا تتحقق بالانتخاب المحكوم بالعصبيات والأحقاد والأنانيات الهدامة دون أي وعي بالمصالح العامة التي تهمّ الجميع.
ـ واقع المجتمع السوريّ، كما يصفه سعاده، كان بعيداً عن مفهوم المواطنة الذي بدأ في الغرب. ويشير إلى:

‭}‬ د.يوسف كفروني
أطلقت عمدة الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، المنتدى الثقافي الافتراضي عبر تطبيق Zoom ، وكانت البداية بندوة أدارها عميد الثقافة والفنون الجميلة الدكتور كلود عطية وحضرها العشرات من القوميين والمواطنين قدم فيها الأمين البروفسور يوسف كفروني دراسة غنية بعنوان «يوتوبيا المواطنة وتحدياتها».
وحرصاً من «البناء» على وصول الدراسة إلى أوسع مدى من القراء والمتابعين رأت نشرها على 5 حلقات متتابعة.
هنا الجزء الرابع والخامس معاً استكمالاً لأجزاء الدراسة القيّمة، واضطررنا لدمج الجزءين بسبب خلل تقني:

«خلو مجتمعنا القومي، مدة أجيال وقرون طويلة، من مؤسسات قومية بالمعنى الصحيح ومن تقاليد قومية عامة يصح الاستناد إليها. الشرع كله ديني أو طائفي وليس قومياً عاماً. وفي هذه الحالة لا يجد عضو الدولة (Citizen, Citoyen) حقاً عاماً يستند إليه ويساوي بينه وبين جميع مواطنيه. وفيها يكمن سرّ من أعظم أسرار القضايا أو المشاكل النفسية ـ الاجتماعية ـ الحقوقية». (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، الصفحات 226-227)
ويعتبر أن المشاكل الأساسية للأمة السورية تكمن في قضيتين أساسيتين:
1. قضية المجتمع بكامله: وجوده وشخصيته الحقوقية والسياسية.
2. قضية نفسية المجتمع ومناقبيته. (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، الصفحات 310-311)
مفهوم المواطنة غائب والتفكك الاجتماعي والنفسي يسود بشكل واسع والهويات الطائفية والمذهبية والأثنية والعشائرية مسيطرة، والطبقة السياسية مرتهنة للخارج بولاءات متعددة.
يُعيد سعاده، فكرة الديمقراطية العصرية، التي تعني تمثيل الإرادة العامة في الحكم، إلى الثورتين الأميركية والفرنسية. وهذا يعني جعل الإرادة العامة للشعب، للأمة. (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 89). ويفسّر عوامل هذه الظاهرة، بنشوء المدن ونموها والعمل الصناعيّ والاتجار التي أوجدت المحيط والجو الصالحين لحرية العمل وتبادل الأفكار والمعارف. إن المدينة كانت دائماً أصلح مكان لنمو الفكرة الديمقراطية. وهي المكان الوحيد الذي يمكن أن تتمركز فيه الحياة السياسية. وظهور الحركات الاجتماعية والسياسية التي أعدّت لعصر جديد هو عصر الديمقراطية ونشوء القومية، التي عيّنت شكل دولة البلاد العصرية ووسعت دائرة المساهمة في الدولة أو محدوديتها إلى حدود لم تكن معروفة من قبل. الدولة الحديثة قائمة على مبدأي القومية والديمقراطية. (الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 105)
الدولة الديمقراطية هي دولة قوميّة حتماً، فهي لا تقوم على معتقدات خارجية أو إرادة وهمية، بل على إرادة ناتجة عن الشعور بالاشتراك في حياة اجتماعية اقتصادية واحدة. الدولة أصبحت تمثل هذه الإرادة. فتمثيل الشعب هو مبدأ ديمقراطي قومي لم تعرفه الدول السابقة.
تحت عامل القوميّة الظاهر في تولّد روح الجماعة والرأي العام، تغيّر معنى الدولة من القوة الحاكمة المستبدة إلى سيادة المتحد وحكمه نفسه. والوسيلة التي مكّنت المتحد من تحقيق هذا المبدأ الجديد هي التمثيل السياسي الذي مكّن من الفصل بين السلطة الاشتراعية والسلطة التنفيذية وترجيح كفة السلطة التشريعية، لأنها تمثل إرادة الشعب. كانت الدولة قبل نشوء القومية إرادة خصوصيّة تفرض نفسها على المجموع الذي تشمله، أما بعد نمو القومية فقد أصبحت النظام والهيئة الممثلين لإرادة الأمة. (سعاده، الأعمال الكاملة 3، 2001، الصفحات 111-112)
يعرّف سعاده الدولة بأنها جمعية الشعب الكبرى، وكل فرد من أفراد الشعب مشترك في حياة الدولة هو عضو في الدولة.
الوجدان القومي والنزعة الفردية
غياب المصلحة العامة وسيطرة النزعة الفردية يدمّران أسس الاجتماع ويمنعان قيام الديمقراطية والمواطنة.
في كتاباته المبكّرة قبل تأسيس الحزب يشدّد على أهمية التفكير العملي المجموعي كمقابل للتفكير العملي الفردي، وعلى إحلال المصلحة العامة محل المصلحة الخاصة. يقول: «أول ما يجب أن نبدأ به هو أن نحوِّل التفكير النظري، الذي لا يحقق شيئاً بذاته، إلى تفكير عملي يدفعنا إلى العمل على تحقيق ما نؤمن به ونعتقد بصلاحه. «العمل للخير العام في ظل السلام والحرية» وهو أجمل المثل العليا للحياة الإنسانية، ولكن تحقيقه يحتاج إلى تفكير عملي مجموعي. أقول تفكير عملي مجموعي لأجعل منه ما يقابل التفكير العملي الفردي. الأول يتناول المجموع وينعكس على الفرد، والثاني ينحصر في الفرد وقد يؤول إلى أذيته من حيث لا يدري، لأن ما لا يعود على المجموع بالخير لا يعود بالخير على الأفراد، وإذا ظهر أنّ بعض الأفراد استفادوا منه ففائدتهم إلى حين، ثم ينقلب الخير إلى شر عليهم أو على أبنائهم. إنّ أكثر مصائبنا هي من فقدان الهدف المجموعي في هيئتنا الاجتماعية. والذي أراه أنّ أقدس واجبات الشبيبة السورية هو أن تحل المصلحة العامة محل المصلحة الخاصة». (سعاده، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 397)
يؤكّد في مقدمة كتابه نشوء الأمم على ظاهرة الوجدان القومي الذي يشكل الأساس في ثقافة المواطنة. ويشدّد على محاربة النزعة الفردية التي تمثل التهديد الأخطر لوحدة المجتمع وتعمل على تفكيكه.
المواطنة لا تتحقق بالانتخاب المحكوم بالعصبيات والأحقاد والأنانيات الهدامة دون أي وعي بالمصالح العامة التي تهمّ الجميع. ويشير إلى الانتخابات في لبنان وهزالها وسخافتها وتناقضها مع ثقافة المواطنة وحقوقها. ويربط التصويت كحق للمواطن بوجود الحريات الأساسية، ومبدأ التضامن الاجتماعي والنظر في المصلحة العامة، وبالتالي فإن غياب هذه العناصر يفقد هذا الحق قيمته وتفقد الديمقراطية قيمتها.
يقول بهذا الصدد: «التصويت الموقوت هو أحد الحقوق الأساسية التي يمارس الشعب بواسطتها سيادته في الدولة البرلمانية الانتخابية. وهذا الحق هو في الحقيقة تكميلي لحقّ طويل عريض يبتدئ في الحريات الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الحر المتضامن. وبدون هذه الحريات الأساسية يكون التصويت تشبيهاً لممارسة السيادة.
وإنّ من ضروريات ممارسة السيادة، بواسطة التصويت الشعبي العام أن يكون المجتمع حاصلاً على تربية قومية صحيحة توجّه الفرد نحو النظر في مصلحة المجموع دائماً، وتضع في ضميره مبادئ أساسية لا يحيد عنها، وتكون هي هدفه الأخير. فهل هذا هو الواقع في تصويت المعدود اللبناني؟
المعدود اللبناني ينتخب على أساس المنفعة الفردية أو العائلية أو الطائفية. وفي انتصار فريق من المرشحين على فريق آخر لا تنتصر مبادئ ونظريات على مبادئ ونظريات، بل تظفر غايات خاصة بغايات خاصة فتتحول منافع الإدارة العامة إلى فريق من أبناء البلاد دون فريق آخر. فالنزاع أبداً قائم على هذا الشكل. أما التصويت فليست له قيمة ديموقراطية على الإطلاق لعدم استكمال شروطه». (سعاده، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 193). وكذلك الانتخابات النيابية والانتخابات الاختيارية، حيث تتحكّم المصالح الشخصية والعصبيات والأحقاد، وتغيب المبادئ والعقائد.
يقول عن انتخابات المختارين:
«انتخابـات الـمختارين هي صـورة مصغَّرة لانتخابـات النواب. فالـمبادئ عينها التي تتّبع هناك تتّبع هنا، فليس ما يؤلب جيل الغفلة القومية على الـمرشحين مبدأ يعلنونه أو عقيدة يتمسكون بها، بل يؤلّبهم طمعهم بعضهم في بعض وعداواتهم بعضهم لبعض وتزاحمهم على فتات موائد الاستعمار التي لا تكفي سداً لرمق قسم من الشعب، فهم يتـذابحـون عليهـا فيمـا بينهم ولا يفكـِّرون في جمـع أمـرهم على منـازعـة الأطمـاع الاستعمارية عليها، بل هم في غفلة عن هذه الأطماع إلا دهاقنة سياسة العقلية العتيقة التقهقرية، فهؤلاء يعرفون الأطماع الأجنبية ويسارعون إلى تأجير أنفسهم لـخدمتها وتسليم الشعب إلى عبوديتها!
الـمختـاريـة في أيدي أصحـاب الأطمـاع الشخصيـة والعائليـة هي وسيلة لهضم حقوق الغائبين، وللظلم والعدوان على الـحاضرين وسلب الأرزاق. والنيابة في حوزة السياسييـن الشخصيين والإقطاعيين هي وسيلة لبيع حقوق الشعب إلى الرأسمال الأجنبي، ولتمكينه من موارد الأمة وكنوز الوطن» (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 378)
ويحذّر من خطر ظاهرة النزعة الفردية المنتشرة في معظم الأوساط، ويعتبر أن «النزعة الفردية تقود حتماً إلى عدم الشعور بالمسؤولية. وخطر الاحتلال الأجنبي من الخارج، أما خطر النزعة الفردية على سلامة المجتمع فمن الداخل». (سعاده، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 156)
وتشكّل النزعة الفردية خطراً يهدّد النظام الاجتماعي العام.
«النزعة الفردية هي العدو الأول لكل غاية مجتمعية والعقبة الكأداء التي تعترض نشوء النظام الاجتماعي العام. فطبيعتها مخالفة لطبيعة الاجتماع، لأنها ترمي إلى جعل السيادة في الفرد نفسه وليس في المجتمع ونظامه. ولما كان الأفراد غير موجودين إلا في الجماعة، كانت النزعة الفردية، التي تعدّ الفرد كل شيء في العالم، أكبر عامل تفكك وهدم لكيان الجماعة. (سعاده، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 185)
الفردية غير المسؤولة هي من أسوأ أمراض المجتمع النفسية ومن أكبر قضاياه الاجتماعية والسياسية. فإذا تحكَّمت هذه الفردية الهدّامة في مصير شعب وسخّرته لأغراضها الشخصية ومقرّراتها التحكمية قادته إلى الخراب والذل. (سعاده، 2001، صفحة 351)
لا تزول القضايا الشخصيّة باقتسام السلطة التنفيذية أو بتوزيعها على عدد من الأشخاص. فمجموع أشخاص لا يساوي إلا قضايا شخصية!
ليست قضية الأمة مجموعة قضايا شخصية، فقضية الأمة هي قضية غاية ومبادئ قومية كلية، ولا يمكن أن تسير أمة إلى الفلاح والمجد إلا عن طريق قضيتها الكلية. يجب أن ينتهي دور تحكم الأفراد الغامض المبادئ، الغامض المقاصد، في الشعب ومصيره. ولا ينتهي هذا الدور إلا بالإقبال على مبادئ الحياة القومية الاجتماعية. (سعاده، 2001، صفحة 352)
الفردية، خصوصاً في بلاد كبلادنا، لم تكن لها تربية قومية ولا وعي قومي، ولم تتمكن أن توقظ شيئاً قومياً لا في طلبة المدارس ولا في فئة ولا في مجموع. ينشأ الفرد منا في حالة من هذا النوع غير شاعر إلا بمسائل وقضايا محدودة تختصّ بدائرته هو، مصيره هو، مهما كان مصير مجموع الأمة، مجموع الدولة أو الجماعة الكبرى. الرأسمالي عندنا أشد الناس ابتعاداً عن الاهتمام بأية قضية قومية أو وطنية أو بأي مصير للجماعة القومية. إنّ تخطيطه تخطيط فردي محض والمصلحة مصلحة فردية محضة، ولذلك لا يحجم حتى عن التحالف مع أي رأسمال أجنبي مجموعي. ضد مصلحة المجموع الذي هو أحد أفراده. (سعاده، 2001، صفحة 110)
الحقوق السياسية والحريات
ترتبط الحقوق بالدولة ذات السيادة الحقيقية والاستقلال الصحيح والتي لا تستند إلى نفوذ أجنبي.
على أساس وحدة اجتماعية صحيحة، يمكن إنشاء دولة قومية صحيحة وتشريع قومي اجتماعي مدني صحيح، ففيه أساس عضوية الدولة الصحيحة وفيه يؤمّن تساوي الحقوق لأبناء الأمة، دون أي تمييز على أساس الدين أو الطائفة والمذهب أو العرق أو اللغة أو الجنس. إن التساوي في الحقوق والتوحيد القضائي هما أمران ضروريان لنفسية صحيحة موحّدة. (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 73)
«إنّ الأحوال القومية المدنية والحقوق العامة لا يمكن أن تستقيم حيث القضاء متعدّد أو متضارب ومقسّم على المذاهب الدينية، الأمر الذي يمنع وحدة الشرائع الضرورية لوحدة النظام». و»لا بد، للدولة القومية الاجتماعية، من وحدة قضائية – وحدة شرعية. وهذه الوحدة، التي تجعل جميع أعضاء الدولة يحسون أنهم متساوون أمام القانون الواحد، هي أمر لا غنى عنه. (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، الصفحات 98-99).
الأمة والدولة لا تعرفان في الدولة إلا أعضاء متساوين في الحقوق والواجبات. فإذا كان الشرع دينياً يصبح لكل جماعة دينية شرعها (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 395)
(سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، الصفحات 459-460)
المنافع الخصوصيّة المستعجلة لا يمكن أن تكون أساساً للسيادة القومية وحفظ المصالح العامة. حتى الأمم العريقة في الديمقراطية كثيراً ما تكون فريسة في كثير من المصالح للشعوذات التي يقوم بها مهرة متخصّصون في استخدام المبادئ العامة. ولكن قضية الشعب عندنا ليست فقط في الأساليب، بل في الأساس. في العقائد الأساسية ومعتقديها.
(سعاده، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 194)
ينتقد سعاده النظام الاجتماعي العائلي لأنه قائم على مبادئ فاسدة تؤدي إلى قهر النفس، ولا يمكن لهذا النظام أن ينشئ أناسا أحراراً.
«من مظاهر هذا النظام الفاسد أنّ الأب يقهر ابنه في بعض رغباته الفنية أو العلمية بدلاً من أن يجتهد في تقويم ما اعوجّ منها وتسديد خطواته في السبل المؤدية إلى تحقيقها. ونرى الأب يقهر الأم في كثير من الأمور الحسنة التي ترغب فيها. ونرى الأب والأم يقهران الإبنة في أعظم رغباتها شأناً في حياتها ويقرّران مصيرها تقريراً يسحق عواطفها ويجرّدها من كل إرادة في الحياة، فتصرف بقية حياتها منكسرة القلب حزينة النفس. قولوا لي، أيّها السادة، هل يمكن هذه الآنسة متى أصبحت أماً أن تغذي أبناءها بروح الثقة بالنفس والاعتماد على النفس وحرية الفكر وحرية التصرّف وسائر الفضائل التي بدونها تكون الحياة عديمة الجدوى، عديمة الارتياح، عديمة السعاده، عديمة المعنى، اللّهمّ إلا معنى الخمول والذل والانحطاط والعبودية؟ وهل يمكن الأطفال النامين تحت ضغط القهر وإذلال النفس أن يخرجوا رجالاً ونساءً أحرارا؟» (سعاده، الأعمال الكاملة 1، 2001، صفحة 394)
الحرية يجب أن تكون في الحياة القومية الحرة.
«لم تعد الأمة بعد هذا اليوم تتسقط الفتات عن موائد حريات الأمم الأجنبية، بل أصبحت تشترك مع الأمم الحرة بمجهودها هي في سبيل الحرية.
بعد هذا اليوم لم تعُد كرامتنا القومية مستمَدّة من كرامة أخلاق الغير، بل من قيامنا بمتطلبات الحياة القومية الحرة». (سعاده، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 277)
ويطالب بالحرية للجميع فيقول:
«لا أنكر على غيري من اللبنانيين إبداء رأيه فيما يختص بمصير الشعب في لبنان، ولكنني أنكر على كل لبناني آخر ادعاءه التكلم باسم لبنان واللبنانيين أكثر مني. فلبنان ليس ملكاً خاصاً لبعض سكانه بل هو حق عام لجميع أبنائه الذين يجب أن يكونوا أحراراً للتفكير في مصيرهم في الاعتقاد الذي يجدونه أفضل لحياتهم. وما إنكار جماعة من اللبنانيين على السوريين القوميين في لبنان حق التفكير في مصير الأمة السورية، ومن ضمنها اللبنانيون، إلا ادعاء باطل وغطرسة بعيدة عن الحق ومحاولة استبدادية لم يسمع بمثلها. فنحن لا ننكر على أحد حق مناقشتنا في عقيدتنا وكذلك نريد إلا ينكر غيرنا علينا حق مناقشته في رأيه وتفكيره الذي يتعلق بحياتنا نحن ومصير حياتنا لأننا من هذا الشعب». (سعاده، الأعمال الكاملة 3، 2001، صفحة 386)
وفي بيان الحزب القومي النيابي 1947 تتجلى حقوق المواطنة في كل مستوياتها:
يطرح: فصل الدين عن الدولة، ضمان الحريات الأساسية، الإصلاح الاجتماعي، إلزامية ومجانية التعليم، الإصلاح الاقتصادي – صيانة العمل والعمال من إجحاف استبداد الرأسماليين وإقامة العدل الاجتماعي. حماية الفلاحين من الطغيان الإقطاعي وتثبيت حقوقهم ونصيبهم العادل في إنتاجهم وإحاطتهم بالعناية الثقافية والصحية، إيجاد التمثيل المسؤول لمصالح الشعب بواسطة الأحزاب ذات الأهداف القومية والمناهج الشعبية العامة. – إلغاء التمثيل الطائفي وإقامة التمثيل القومي. – ضمان حرية الرأي والقول والاجتماع. (سعاده، الأعمال الكاملة 7، 2001، الصفحات 248-251)
لا حلَّ لمشاكل سورية الدينية والاجتماعية غير حلّ القومية الاجتماعية التي تفرض إنشاء كيان يكون فيه جميع أبناء الأمة أحراراً متساوين في الحقوق والواجبات. (سعاده، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 167)
ينتقد سعاده واقع المجلس النيابي في لبنان لأن أساليب التمثيل غير صالحة لأنها تجعل التمثيل للطوائف بدلاً من الأحزاب، وللأشخاص بدلاً من البرامج الحزبية. (سعاده، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 13)
ويقول بوجوب فسح المجال للأحزاب لأن الأحزاب هي الطريقة الوحيدة لجعل النظام البرلماني صالحاً لتمثيل مصالح الدولة وإرادتها. (سعاده، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 139)
إن الدولة التي تمنع فيها حرية إبداء الرأي والاجتماع وتأليف الأحزاب السياسية دولة لا قيمة تمثيلية لمجالسها النيابية. (سعاده، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 87)
يربط سعاده حرية الفرد بحرية الأمة فلا معنى لحرية فردية خارج حرية الأمة. إذا لم تكونوا انتم أحرارًا من أمة حرة، فحريات الأمم عار عليكم. (سعاده، الأعمال الكاملة 2، 2001، صفحة 364)
ويتحدّث عن تجاوز الحكومة صلاحياتها واستبدادها:
«إن لكل حكومة حداً تقف عنده فيما يختص بأمر تقرير المصير العام الأخير الذي هو مصير الشعب، لا مصير الحكومة. وكل حكومة تحاول أن تربط مصير الشعب بمصيرها هي تكون حكومة خائنة مصلحة الدولة. والحكومة التي تمنع أعضاء الدولة من التفكير في مصير دولتهم ومن استعمال حقوقهم المدنية والسياسية في تقرير هذا المصير حكومة قد تجاوزت حدودها وخرقت حرمة المبادئ التي تقوم هي نفسها عليها وعصت إرادة الشعب الذي له وحده حق تقرير مصيرها ومصيره». (سعاده، الأعمال الكاملة 2، 2001)
الديمقراطية التعبيرية – تحقيق المصلحة العامة
يطرح سعاده ما يسمّيه الديمقراطية التعبيرية بديلاً عن الديمقراطية التمثيلية، ويقول:
إن الديمقراطية الحاضرة قد استغنت بالشكل عن الأساس، فتحوّلت إلى نوع من الفوضى لدرجة أن الشعب ذاته أخذ يئن من شلل الأشكال التي أخذت على نفسها تمثيل الإرادة العامة. العودة إلى الأساس والتعويل على «التعبير عن الإرادة العامة» بدلاً من «تمثيل الإرادة العامة» الذي هو شكل ظاهري جامد.
الإرادة العامة إذا لم تجد «التعبير» الصحيح في فكرة واضحة وقيادة صالحة تصبح عرضة لأن تقع فريسة للمطامع والمآرب التمثيليّة. التمثيل شيء جامد يتعلق بما حصل، أما التعبير فغرضه الإنشاء وإدراك شيء جديد.
يجب إنقاذ الديمقراطية من الهلاك. وذلك بإزالة ما دخل إليها من الفساد، وإدخال تفكير ينطبق على ما وصل إليه الناس من العلم والمعرفة، فتصير صالحة لنفع الإنسان وتكفل حقوق الإنسان من كل مهاجمة وتعدّ. (سعاده، الأعمال الكاملة 7، 2001، صفحة 38 و41)
التعبير عن الإرادة العامة يعني تحديد المصلحة العامة والعمل لها. والمصلحة العامة هي المصلحة الدائمة غير العرضية والوقتية، مثل مصلحة المتحد أو مصلحة القطر والدولة ومصلحة المجتمع. فالديمقراطية هي في الأساس التعبير والعمل للمصالح العامة وليس مجرد وصول أكثرية تستبد بالأقلية وتضعها هامشاً وتحوّل المصالح العامة إلى مصالح خاصة. لأن تأمين المصالح العامة في الأولوية هو الضمانة لتأمين المصالح الفرعية والجزئية والفردية ولا يعكس.
المواطنة الاقتصادية
يؤكّد سعاده على الأخوّة القوميّة ويقول: «ما معنى الأخوّة القوميّة حين أقول لك أنت أخي وأحرمك بالفعل من حقوق الأخوة معي؟ وكيف يمكن أن يكون للأخوّة معنى مع الحرمان للأخوّة؟
«يجب أن نقف في العالم أمة واحدة، لا أخلاطاً وتكتلات متنافرة النفسيّات. فيجب تحطيم الحواجز المذكورة لجعل الوحدة القومية حقيقة ولإقامة النظام القومي الاجتماعي الذي يهب الأمة الصحة والقوة». (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، الصفحات 100-101)
«ثروة الأمة العامة يجب أن تخضع لمصلحة الأمة العامة وضبط الدولة القومية». (سعاده، الأعمال الكاملة، 8، 2001 صفحة 109)
إقامة العدل الاجتماعي ـ الحقوقي والعدل الاقتصادي ـ الحقوقي أمر ضروريّ لفلاح النهضة السورية القومية الاجتماعية. ولا مناص لنا من الاعتقاد بوحدة المصالح التي هي مصالح الأمة، مصالح الجماعة الكبرى، وليس مصالح فردية معيّنة للأفراد بأنفسهم. (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، الصفحات 111-112)
نقول بالحق والعدل الذي يجعل مجموع الشعب في حالة خير وبحبوحة فلا يكون أناس في السماء وأناس في الجحيم. إنّ سوء الحالة الاقتصادية ليس من الآلة بل من النظام السيّئ الذي تنمّيه النظرة الفردية اللامسؤولة عن المصير القومي في استخدام الآلة الحديثة. ونهضتنا تريد أن تضع حداً لهذا الاستعباد ولأصحاب الرساميل الفردية الذين يستعبدون بواسطتها الناس. نهضتنا تريد أن تحرّر الآلة من استبداد النظرة الفردية، لأن بتحريرها تحرير مئات وألوف من الناس. والذين يحرمون من أعمالهم بسبب الآلة، تصرفهم نهضتنا إلى أعمال أخرى ولكنها لا تحرمهم، من مجرّد اتجاههم إلى أعمال أخرى، من نصيبهم من الإنتاج الذي تشكّل الآلة نصيباً كبيراً منه. (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، الصفحات 115-116)
العدل الاقتصاديّ
يركز سعاده على وحدة المجتمع ووحدة العمل ضمن المجتمع. وعلى دور الدولة في حماية المجتمع والوعي القومي الذي يقضي على التنافر بين عناصر الأمة والناجم عن وضع اجتماعي تتنازعه العصبيات البدائية القائمة على أساس ديني أو طائفي أو دموي. مشدداً على مفهوم الأخوة القومية وتربية المواطنين على الولاء القومي وإعطاء الاهتمام اللازم لمصلحة المجموع.
«الدولة القومية تشمل المجتمع القومي كله، ذا الدورة الاقتصادية الكاملة التامة وتمثل مصالح شعب تام كامل. هذه الدولة تنظر في حالة المجتمع الاقتصادية وفي النظام الاقتصادي الذي يوفّر الاستقرار والطمأنينة والارتقاء وزيادة الخير. لا يمكن ترك مساحات واسعة من الأرض في أيدٍ فردية، يتصرّف الفرد بها وفاقاً لنظرة فردية محضة، بصرف النظر عن أية فكرة اجتماعية أو معنى أساسي عام». (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 103)
أول حق من الحقوق الطبيعية والاجتماعية لكل مواطن هو حق العمل والإنتاج. (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 358)
في مقال بعنوان «العقيدة السورية القومية الاجتماعية وبحث الديمقراطيين عن عقيدة»، يشير سعاده إلى أهمية التصريحات التي أدلى بها بعض المسؤولين البريطانيين، المطالبة بتحويل السياسة الديمقراطية إلى «ديمقراطية اقتصادية» وأن لكل عضو من أعضاء الدولة الحق في «ستندرد»، أو مستوى معيشة لائقة، معيّن يشمل الصحة والنظافة ووسائل الراحة.
وأشار أيضاً إلى أهمية مقالات أستاذ العلم السياسي هارولد لاسكي، والدعوات والخطب التي ألقيت تحت ضغط الحرب والداعية إلى حل مشاكل التصادم بين العمال والرأسماليين، وتكوين عقيدة للمستقبل يحارب الشعب من أجلها. يدعو هارولد لاسكي إلى تدخل الدولة لحماية المجتمع من نتائج التنافس الحر غير المقيّد بين المصالح الخاصة وما قد يؤدي إليه من نتائج سلبية. (هارولد، الطبعة الثانية ترجمة 2012، صفحة 40)
يقول سعاده في هذا المقال إن الديمقراطية التي خبرتها الشعوب المتمدنة، حتى اليوم، لم تتمكن من حل الأضاليل الاجتماعية – الاقتصادية التي نشأت مع تقدم عهد الآلة. فقبل الحرب العالمية الثانية، كانت أوروبة وأميركة ما عدا روسية وألمانية وإيطالية، تعيش في ظل الديمقراطية. ولكن شعوبها كانت متعبة، رازحة. وبلغت أوروبة بديمقراطيتها الفاسدة حضيض الفوضى. والديمقراطية الرأسمالية، أصبحت كابوس العامل والفلاح. وهذه الديمقراطية سهّلت، للمحافظين الإقطاعيين، والرأسماليين، في بريطانية، والرأسماليين في الولايات المتحدة، الوصول إلى ثرواتهم الفاحشة من أسهل الطرق.
ويقول عن حزبه إنه الوحيد، من بين جميع الأحزاب التي نشأت في العقود الأخيرة في أوروبة وأميركة، الذي أوجد عقيدته الاجتماعية منذ أول تأسيسه. فوضع المبدأ الإصلاحي الرابع، وهو: «إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة». ويشير أيضا إلى النظريات الاجتماعية الاقتصادية، من كارل ماركس وأنغلز إلى الاجتماعيين الاقتصاديين الجدد، التي ألقت نوراً قوياً على مشاكل المجتمع الإنساني الاقتصادية. ولكن الاشتراكية، لم تتمكّن من حل القضايا الإنسانية الاجتماعية المعقدة. وهنا تأتي أهمية الفلسفة السورية القومية الاجتماعية، التي تقدّم نظرات جديدة في الاجتماع، بأشكاله النفسية والاقتصادية والسياسية، وتقدّم النظرة الجامعة للمذاهب الإنسانية المتنافرة. (سعاده، الأعمال الكاملة 6، 2001، الصفحات 91-98)
عهد تحقيق مبادئ الحزب السوري القومي ــــ عهد فصل الدين عن الدولة، وجعل القومية السورية الجامعة الحقيقية للسوريين، فلا يظلون متفرقين أدياناً وشيعاً، عهد إلغاء الإقطاع وتحرير الفلاحين من استعباد الإقطاعيين وتحسين أحوالهم المعاشية والثقافية ليكونوا أعضاء عاملين في الدولة القومية. عهد إقامة العدل الاجتماعي ــــ الاقتصادي الذي يحقق أعلى مستوى من الحياة الجيدة، العامة، للأمة، عهد تنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج ليحدث التوازن بين توزيع العمل واقتسام الإنتاج.
إن جميع السوريين القوميين يؤمنون أنهم أبناء أمة واحدة هي الأمة السورية، تجمعهم عقيدة واحدة ومصلحة واحدة وإرادة واحدة. فهم جميعهم يريدون الجميع أحراراً متساوين في الحقوق والواجبات ويرفضون أن يكون بعض الأمة عبداً لبعض أو عالة على بعض أو تحت رحمة وتساهل بعض. إنهم يخجلون من أن يروا أحداً من أبناء أمتهم غير حر متمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية التي لهم في الدولة.
إن الحزب السوري القومي يقول إنه يجب أن يكون لكل فرد من أفراد الأمة السورية الحق والحرية ليعتقد في الشؤون المتعلقة بما وراء المادة، كالله والسماء والجحيم والخلود والفناء، كما يريد، ولا يطلب منه إلا أن يكون قومياً صحيحاً مخلصاً لأمته ووطنه. (سعاده، الأعمال الكاملة 5، 2001، صفحة 262)
التربية على المواطنة
ترتبط حقوق المواطنة بالدولة وهي المرجعية الوحيدة التي تحدّد حقوق وواجبات المواطنين.
الدولة القومية، دولة الأمة هي النظام السياسي والحقوقي الأفضل الذي ظهر حتى الآن، ولا يمكن مقارنته بالنظم السابقة التي كانت تميّز بين المواطنين على أساس الانتماء الديني أو العرقي… والتي تجعل من الدولة إرادة خصوصية ترتبط بفئة ما أو شخص ما. ولا يمكن تصوّر نموذج أفضل يؤمن الحقوق ويعبر عن إرادة المواطنين بطريقة أفضل.
أي دولة من الدول المتقدمة لن تساوي بين مواطنيها ومواطني الدول المتأخرة، لذلك فإن تصور مواطنية عالمية في ظل دولة عالمية هو حلم بعيد المنال.
الوصول إلى حقوق المواطنة العادلة لا يتم إلا من خلال الدولة القومية التي تساوي بين جميع أبنائها وتؤمن العدل الاجتماعي والعدل الاقتصادي والعدل الحقوقي.
إن خير الإنسانية يكون باعتماد مبدأ التعاون انطلاقا من إعمال الفكر وتحقيق مصالح الجميع حتى يعمّ الخير داخل المجتمع وبين الأمم.
التربية على المواطنة هي مطلب أساسي لتنشئة مواطنين صالحين يعملون للخير العام والمصلحة العامة كغاية ومنطلق دون أن يعني ذلك التخلي عن مصالحهم الفرعية والخاصة، ولكن تحت سقف المصلحة العامة التي بتأمينها يتأمن الخير للجميع.
دعا كل من جان جاك روسو وأوغست كومت وأنطون سعاده إلى دين مدني أي دين اجتماعي لا علاقة له بالمعتقدات الدينية ولا يتدخل بها بل يعتمد على تربية المواطنين على التفكير والاهتمام بالمصلحة العامة والأخوة القومية. نمط التربية هذا يشمل الأسرة والمدرسة والمؤسسات الاجتماعية.
يتحدّث روسو في كتاب العقد الاجتماعي عن الديانة المدنية، ويقول: «الديانة المدنية ليست كعقائد الدين، بل كمشاعر اجتماعية يتعذّر على الواحد أن يكون بغيرها مواطنا صالحا». (روسو، العقد الاجتماعي، 1995 ط2 ترجمة، صفحة 210)
«يرى روسو أن المدارس يجب أن تضمن فهم تلاميذها لقواعد المجتمع ومبدأ المساواة والإحساس بالإخاء. لكنه آمن أن المدارس نفسها لها فعالية محدودة. التطبيق الأفضل للتربية المدنية على مدى الحياة يتمّ عن طريق دين للدولة مصمّم بالتحديد للأغراض المدنية. والدين المدنيّ ليس من أجل إذاعة أو دعم معتقد لاهوتي، بل من أجل تعليم عقيدة تختص بالأخلاق والواجبات. (هيتر، 2007، صفحة 109)
وتحدّث مؤسس علم الاجتماع أوغست كومت عن قيام ديانة مدنية لا علاقة لها بالعقائد الماورائية. (COMTE, 1852, p. 10)
يقول سعاده: «إنّ من أهم مسائل النهوض القومي بعد تأسيس فكرة الأمة وبعد تعيين المقاصد الكبرى، هي مسألة الأخلاق. هي مسألة العقلية الأخلاقية. هي مسألة الروحية الحقة التي يمكن أن تفعل في الجماعة، في المجتمع. كل نظام يحتاج إلى الأخلاق. بل إنّ الأخلاق هي في صميم كل نظام يمكن أن يكتب له أن يبقى (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، الصفحات 134-135)
ويدعو إلى دين اجتماعي مدني لا علاقة له بالعقائد الدينية الماورائية، حيث لكل فرد حرية الإيمان بما يشاء. يقول:
«إذا عدت في الأخير إلى النظرة الروحية في الأمور، إلى تعبير قلته في خطاب في أميون الكورة 1937 «إنّ العالم قد شهد في هذه البلاد أدياناً تهبط إلى الأرض من السماء أما اليوم فيرى ديناً جديداً من الأرض رافعاً النفوس بزوبعة حمراء إلى السماء، نحن في هذا المعنى لنا نظرة دينية يجب أن نفهمها. (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 101)
وجعل في صلب قسم العقيدة ـ قسم العضوية ـ نص أن يتخذ القومي الاجتماعي المبادئ القومية الاجتماعية «إيماناً له لعائلته وشعاراً لبيته» فجعل كل أب قومي اجتماعي وكل أم قومية اجتماعية مربياً، مرشداً، مثقفاً الأولاد في الدرجة الأولى في التعاليم القومية الاجتماعية. على أنّ الأب والأم قد لا يكونان، بالنظر إلى مستوى المعارف والثقافة الحاضر في شعبنا، عارفين بالأصول والقواعد الهامة في تربية الأحداث وتوجيههم، فلا تكون لتربيتهم النتائج المطلوبة. في هذه الحالة تبرز لنا بوضوح أهمية المدرس والمربي القومي الاجتماعي المنصرف إلى التدريس والتربية والإرشاد. فإذا كان تعليم العقيدة السورية القومية الاجتماعية وغاية الحركة السورية القومية الاجتماعية هو أول عمل أساسي من أعمال هذه الحركة العظيمة، كان المدرس القومي الاجتماعي أول جنديّ في معركة العقيدة القومية الاجتماعية. (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 231)
وفي خطاب الزعيم في البقاع الأوسط، يتحدث عن: «زوبعة هي رمز دين جديد هو دين الإخاء القومي الصحيح والنهوض بهذه الأمة إلى سماء المجد». (سعاده، الأعمال الكاملة 8، 2001، صفحة 203)
هل حقوق المواطن هي يوتوبيا مستحيلة؟ أم هي يوتوبيا قابلة للتحقيق؟
يستخدم البعض مصطلح فكر مثاليّ أو يوتوبيّ ليشير إلى استحالته أو عدم قابليّته للتطبيق. علماً أن ما هو قائم الآن في النظم السياسية والاجتماعية، كان ينظر إليه سابقا بأنه غير قابل للتطبيق.
ينظر المدافعون عن النظام القائم إلى اعتبار أية فكرة معارضة لهذا النظام على أنها فكرة مثالية يوتوبية ومستحيلة.
المدافعون عن النظام الطائفي يعتبرون أن إقامة نظام غير طائفي هي فكرة يوتوبية مستحيلة وكذلك ينظر أصحاب نظام الدولة الدينية أو القبلية أو العشائرية وغيرها من النظم التي لا تعترف بالمساواة بين جميع المواطنين، وبالتالي لا تعترف بالمواطنة والحقوق الكاملة للمواطنين، بل تجعلها مقتصرة على البعض دون غيرهم.
استخدم توماس مور مصطلح يوتوبيا التي تشير إلى المجتمع الفاضل المثالي والدولة ذات القوانين المثلى والتمسك بالعدالة باعتبارها الهدف الأساسي في أي دولة فاضلة. (سكنر، 2012 ترجمة، الصفحات 454-455)
التفكير اليوتوبيّ معارض للواقع القائم ويسعى لتغييره:
يرى كارل مانهايم في اليوتوبيا حالة ذهنية تتعارض مع الأمر الواقع. إنها متسامية على الأمر الواقع وتميل حين تتحوّل إلى سلوك إلى تحطيم نظام الأشياء السائد تحطيماً جزئياً أو كلياً. وليس كل تعارض مع الواقع القائم هو يوتوبيا، فهناك تعارض يظل فعالاً في النظام القائم ويعمل على مساندته وصيانته. (مانهايم، 1980 ترجمة، صفحة 247)
السلوك المستند الى التفكير اليوتوبيّ محكوم بتجاوز البنية الاجتماعية الموجودة.
إن مجال ما هو قابل للعقلنة وما هو قابل للسيطرة العقلانية ينمو دائماً بالمقدار نفسه الذي يصغر به مجال الأمور اللاعقلانية ويضمر. (مانهايم، 1980 ترجمة، صفحة 242)
العلاقة بين اليوتوبيا والنظام الموجود هي علاقة جدلية ديالكتيكية، والمقصود بهذا أن كل عصر ينجب في فئات اجتماعية مختلفة المواقع تلك الأفكار والقيم التي تحتوي بشكل مكثف على الميول غير المتحققة والرغبات غير المشبعة التي تمثل احتياجات ذلك العصر. وتصبح هذه العناصر الفكرية حينذاك المادة المتفجرة لتحطيم حدود النظام الموجود، وهكذا ينجب النظام الموجود يوتوبيات، وهذه بدورها تحطم حدود النظام القائم وتجعله حرا في التطور باتجاه نظام الوجود التالي. (مانهايم، 1980 ترجمة، الصفحات 252-253)
في الواقع الاجتماعي القائم هناك دائماً مدافعون عن النظام ومستفيدون منه بمقادير متفاوتة وطرق مختلفة وخاضعون لهيمنة ثقافية وايدولوجية تساعد في تثبيت النظام القائم. وهناك فئات واعية لمأزق النظام وانسداد أفقه وحاملة لنظرة جديدة بفكر جديد وتعمل ثقافياً بالدرجة الأولى على ضرورة تغيير النظام المأزوم بنظام أفضل للجميع. هكذا نظر سعاده إلى التغيير المستمر في الارتقاء نحو الأفضل. يقول في الصراع الفكري في الأدب السوري سنة 1942:
«هذه منزلة لا يـمكن بلوغها إلا بالاتصال بنظرة جديدة إلى الحياة والكون والفن مشتملة على حقيقة أساسية صالـحة لإنشاء عالم جديد من الفكر والشعور، إذا لم يكن هو العالم الأخير، الأسمى على الإطلاق، عند الـمشككين، فهو عالم فوق العوالم الماضية ودرجة لا بد منها لاطراد ارتقاء الإنسانية النفسي، ولذلك هو عالم خالد، لأن ما سيأتي بعده في الآباد البعيدة سيصدر عنه ويثبت نفسه عليه، أو، على الأقل، ستكون النفوس التي ارتقت إلى هذا العالم الجديد مستعدة لاقتبال عالم أجد، إذا كشفت مخبآت الأبد أنه سيكون مـمكناً إحداث ذلك العالم، الذي لا يـمكننا، الآن وإلى أمد بعيد، تصور موجباته وحقائقه وقضاياه، ولكننا نتصور، بـموجب مبدأ الاستمرار والاطراد الفلسفي، الذي أضعه نصب عيني في فهمي الوجود الإنساني، أنه لا بد من أن يكون ذا اتصال وثيق بعالم نظرتنا الجديدة وحقائقه وقضاياه، كما أننا نرى، بـموجب هذه النظرة، أنّ عالـمها ليس شيئاً حادثاً من غير أصل، بل شيء غير مـمكن بدون أصل جوهري تتصل حقائقه بحقائقه، فتكون الـحقائق الـجديدة صادرة عن الـحقائق الأصلية القديـمة بفهم جديد للحياة وقضاياها والكون وإمكانياته والفن ومراميه» (سعاده، الأعمال الكاملة 6، 2001، صفحة 362)
المراجع:
A COMTE. (1852). Catéchisme positiviste. Paris: édition électronique a été réalisée par Jean-Marie Tremblay,.
ابن خلدون. (1981 الطبعة الرابعة). المقدمة. بيروت: دار العلم.
ألان تورين. (2000 ترجمة). ما الديمقراطية الآن؟. دمشق: وزارة الثقافة.
الطيب بوتبقالت. (السبت 11 ماي, 2019). الرواقية وتأثيراتها على القانون الروماني. تم الاسترداد من [email protected]
أنطون سعاده. (2001). الأعمال الكاملة 1. بيروت: مؤسسة سعاده للثقافة.
أنطون سعاده. (2001). الأعمال الكاملة 10. بيروت: مؤسسة سعاده للثقافة.
أنطون سعاده. (2001). الأعمال الكاملة 11. بيروت: مؤسسة سعاده للثقافة.
أنطون سعاده. (2001). الأعمال الكاملة 12. بيروت: مؤسسة سعاده للثقافة.
أنطون سعاده. (2001). الأعمال الكاملة 2. بيروت: مؤسسة سعاده للثقافة.
أنطون سعاده. (2001). الأعمال الكاملة 3. بيروت: مؤسسة سعاده للثقافة.
أنطون سعاده. (2001). الأعمال الكاملة 4. بيروت: مؤسسة سعاده للثقافة.
أنطون سعاده. (2001). الأعمال الكاملة 5. بيروت: مؤسسة سعاده للثقافة.
أنطون سعاده. (2001). الأعمال الكاملة 6. بيروت: مؤسسة سعاده للثقافة.
أنطون سعاده. (2001). الأعمال الكاملة 7. بيروت: مؤسسة سعاده للثقافة.
أنطون سعاده. (2001). الأعمال الكاملة 8. بيروت: مؤسسة سعاده للثقافة.
أنطون سعاده. (2001). الأعمال الكاملة 9. بيروت: مؤسسة سعاده للثقافة.
بارنتي. (2005). ديمقراطية للقلة – ترجمة. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة.
برا سنان. (2017). إشكالية المواطنة/ الرعية في التراث السياسي الإسلامي برلين – ألمانيا. برلين ألمانيا: المركز الديمقراطي العربي للنشر.
بويد شيفر. (1966). القومية. بيروت: دار مكتبة الحياة.
جان جاك روسو. (1995 ط2 ترجمة). العقد الاجتماعي. بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية.
جورج قرم. (1979). تعدد الأديان وأنظمة الحكم في العالم. بيروت: دار النهار.
جون إهرنبرغ. (2008). المجتمع المدني. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
ديريك هيتر. (2007). تاريخ موجز للمواطنة. بيروت: دار الساقي.
ريتشارد مينش. (2010). الأمة والمواطنة في عصر العولمة. دمشق: منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب.
صموئيل كرايمر. (1956). من ألواح سومر. بغداد – القاهرة: مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر.
كارل مانهايم. (1980 ترجمة). الإيديولوجيا واليوتوبيا. الكويت: شركة المكتبات الكويتية.
كوينتن سكنر. (2012 ترجمة). أسس الفكر السياسي الحديث 1 عصر النهضة. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
لاسكي هارولد. (الطبعة الثانية ترجمة 2012). الدولة نظرياً وعملياً. القاهرة – لندن 1937: الهيئة العامة لقصور الثقافة – وزارة الثقافة.
لين هانت. (2013). نشأة حقوق الإنسان. القاهرة: مؤسسة هنداوي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى