مقالات وآراء

قرن من التآمر لتثبيت واقع حال استعماري وواقع الحال لصالح القضيّة

 

‭}‬ صادق القضماني*
على الرغم من امتهان العقل الاستعماري للتخطيط الدقيق، والإبداع في قراءة نقاط الضعف لأيّ مجتمع يستعمره، والتألق في بث الفتّن بهدف السيّطرة المطلقة، ووجود قدرات التفوق العسكري والتكنولوجي، إلا أنه ضعيف البصيرة في قراءة العقل الجمعي للمجتمع المحتل، والقوة الكامنة لديه المستمدة من تربيّته التاريخيّة وحقه الوجوديّ وإصراره على أنّ الكرامة الجمعيّة والخاصة كأساس لحاضره ومستقبله، والتي لا يتوانى عن التعبير عنها بالتوقيت الزمنيّ المناسب، وممارستها نضاليّاً بمواجهة جبروت الاستعمار.
فبين الحق الوجوديّ والكيان الصهيوني جولات من المقاومة تتألق حيناً وتهدأ حيناً، لتعاود الانتفاض أكثر تطوراً وقدرةً وقوةً، مستفيدة من تراكمات التجربة والنماذج التي تؤكد أنّ الكيان «أوهن من بيت العنكبوت»، وجيّشه يُقهر.
في هذا السياق لدينا مئات النماذج والأمثلة، ولكن سنضع النموذج الذي يمثل بيئة واسعة وجامعة تعبّر عن نضالات الشعب الفلسطيني والقوى الوطنيّة المقاومة عربيّاً، وهذا النموذج هو الأسير الفلسطيني، وكلّ أسير لديه قضيّة.
«كريم وماهر يونس» بعد أربعين عاماً من الأسر، والاحتلال بعد أكثر من سبعين سنة…
حين نقارن اتزان شخصيّتي كريم وماهر يونس بعد ٤٠ سنة في الأسر، مع اهتزاز شخصيّة المدعو بن غفير، وزير الأمن القومي للكيان، كمثال. بعد أكثر من سبعين عام على الاحتلال نستطيع قراءة مستقبل فلسطين والمنطقة، فهذا الاتزان للأسيرين المحررين، كاتزان المحور وانتصار تموز وصمود سوريّة، وثبات القضيّة في عقل المناضلين من أمتنا، وبروز موقف جيل الشباب العربي الذي رأيناه أثناء المونديال، على سبيل المثال لا الحصر، لنجد أنّ هذه الحالة هي تراكمات جعلت من الكيان مهزوز كوزير أمنه هذا.
قرنٌ من التآمر والتنكيل والتدمير وتغيير الخريطة لفرض واقع حال على مقاس المحتلّ والمستعمر، ولا زلنا نرى واقع حال أكثر قوة وثبات ومقاومة. ربما البعض يعتمد تحليل المشهد من خلال بطش الكيان وأعوانه، لكن إذا تمّ تحليله اعتماداً على بطش الكيان وأعوانه والنتائج في واقع الحال، نجد أنّ النتيجة هي أنّ الثابت هو البطش والاستكبار، والمتغيّر إيجاباً هو ثبات الانتماء بل التمسك فيه سلوكاً نضاليّاً بكافة الأشكال وعلى رأسها تطور المقاومة العسكرية والتي فيها التحام كلّ الفصائل القادرة على الانضواء في هذا المسار، بل ثبات محور كامل قويّ وقادر.
كريم يونس وماهر يونس، نموذجٌ خاصٌ، والأهمّ في هذا النموذج انه يعبّر عن غالبيّة الأسرى المحررين او المعتقلين على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم الفكريّة، فهنا التركيز على أنّ السجناء السياسيين أو الأمنيين رغم قساوة ظروفهم التي عاشوها، إلا انهم انتصروا مقابل الفكرة الأساسيّة من اعتقالهم، فلم يتحطموا او يركعوا او يتنازلوا فأصبحوا مئات آلاف لديهم قضيّة شخصيّة مع المحتل، بالإضافة لقضيّتهم الوطنيّة.
هذا ما لا يفهمه الاستعمار أبداً، ولهذا كان مصير كلّ استعمار تاريخيّا الزوال، وهكذا سيكون استعمار فلسطين والجولان، وأي أرض ليست استثناء.
*أسير محرر (سورية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى