مقالات وآراء

ما هو الأعظم؟

 

‭}‬ منجد شريف
الأمثال نتاج التجارب، فما ذاع مثل إلا وكانت الحكمة تفوح منه، حتى قيل إنّ المثل نبي، والمثل الذي أرنو إليه هو: «اشتدّي يا أزمة لتنفرجي»…
محال ما نعايشه اليوم من كباش سياسي، دولي إقليمي، وإنعكاساته على الصعيد المحلي، فالأزمة الاقتصادية التي عصفت في لبنان منذ تشرين الأول من العام ٢٠١٩، لم تبدأ في حينها، بل كانت بدايتها منذ اللحظة التي تمّ فيها اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكانت عملية الإغتيال عنواناً لمرحلة جديدة، كان هدفها الرئيس، إحداث الفتنة الطائفية والمذهبية، واستهداف الوجود السوري من لبنان لما كان يمثله من مظلة للاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وتشريع البلاد على كلّ أنواع الفوضى، لاستثمارها على أكثر من صعيد، في الاقتصاد، والنفط، والأمن الغذائي، وخلاف ذلك من العناوين المشابهة او المنبثقة عنها.
مرت سنوات على الاغتيال ولبنان من دون موازنة، والعجز المتنامي غير مرئي، بينما مصارفات الدولة فاقت في فحشها كلّ تصوّر، ترامت المهرجانات الفنية لزوجات الزعماء من أقصى البلاد الى أقصاها، وصارت المنافسة على استقطاب النجوم العالميين من سمات المرحلة التي سبقت الأزمة، وبرعاية وتمويل مزدوج من الوزارات المعنية وجيوب المنظمين، إلى أن دخلنا في أتون الأزمة التي لم تكن في بال أحد، لأنها أزمة مفتعلة عنوانها الدولار وسيفه المسلط على رقاب العباد، وكلما إزداد العناد في السياسة، كلما ارتفع سعر الصرف، وهكذا دواليك عند كلّ شحّ في المصرف المركزي من السيولة الخضراء، فصرنا بين فكي كماشة ومعها صارت لقمة عيشنا مهدّدة بالانقراض…
هذا يأخذنا البحث إلى الدور المناط بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في ظلّ الشغور في الرئاسة الأولى، وما هو متوجب على السلطتين في مثل هذا الظرف الإستثنائي، فهل أصبح الشلل السياسي أمراً مسلماً به، وصار موظفو الدولة على اختلاف مناصبهم، يمارسون سلطات منفردة، فكأنّ الدولة انحلت وصرنا في حال من الفوضى في كلّ شيء، وأبرزها الفوضى المالية المتأتية من تجفيف منابع الدولار تجفيفاً شبه تام، فصارت دورتنا الاقتصادية معتمدة على التحويلات الخارجية، والدولار يدور دورة كاملة من يد ليد ليعود الى اليد الأولى، لأن لا دولارات كافية في السوق لسدّ الفجوة الكبيرة التي أحدثها تبخر الودائع، والتي ما زالت مجهولة المصير حتى كتابة هذا السطر.
وبالرغم من كلّ ذلك ما زال العناد السياسي مستمراً، بينما الدولار آخذ في الارتفاع الجنوني إلى ما لا نهاية، ولا من يهتمّ ولا من يحرّك ساكناً، فصارت تمنياتنا لهذه السلطة أن «اشتدّي يا أزمة عسى أن يتحرك الشعور عند النافذين، على قاعدة «اشتدي يا أزمة لتنفرجي».
من يعاين واقع الناس يلاحظ أمراً لافتاً، لقد دولَر الناس حياتهم من فتات دولارات صيرفة، وصاروا يصرفون ما يكفي حاجاتهم اليومية، بينما كان الأوْلى على الدولة ان تعمل كخلية واحدة ليل نهار لاستقرار سعر الصرف، كي يجنّبوا الغالبية من الناس الفقر الذي داهمهم .
فكما تبارزت نساؤهم في المهرجانات، فليتبارزوا في رفد الخزينة من العملة الخضراء التي دأبوا على نهبها، بما يؤمّن بعض الاستقرار النقدي حتى لا يموت الفقراء جوعاً، لأنّ الجوع صار العنوان الأبرز للمرحلة الراهنة، ولا من يهتمّ ولا من يحزنون.
ربما مفاتيح الحلول وعناوينه من خارج الكيان والنظام ولكن هل يُعقل في عز أزمة من هذا النوع أن تبقى الطبقة السياسية في مناكفاتها غير آبهة بما حلّ بالشريحة الكبرى من المواطنين، حتى بات السواد الأعظم منهم يتمنّى المزيد من التصاعد للدولار عسى في جنونه تتحرك الحلول الخارجية وتستعجل نجدتنا بعدما أثقلت هذه الأزمة كاهلنا وقضت على كلّ آمالنا وأحلامنا المستقبلية، وصار هم الفرد منا أن يؤمّن قوت عائلته كلّ يوم بيومه، وهاجسه الدائم أنّ ما ينتظرنا هو الأعظم، فمنذ التفلت الأول لسعر الصرف ونحن نقول الله يستر من الأعظم، إلى أن لامس سعر الصرف الـ 55 ألف ليرة ونحن لا نزال ننتظر الأعظم، فما هو هذا الأعظم…!؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى