أولى

سورية بين زلزالين: الطبيعة والحصار الأميركي اللاإنساني

‭}‬ العميد د. أمين محمد حطيط
أكد الزلزال الكارثة الذي ضرب في الأسبوع الماضي تركيا وسورية، أكد على الصورة البشعة لسلوك الغرب عامة وأميركا خاصة حيال الإنسان عامة وضدّ من يستهدفه الغرب بعدوانه بصورة خاصة. حيث انّ هذا الزلزال الذي أوْدى حتى الآن بحياة أكثر من 25 ألف شخص، وأصاب أكثر من مئة ألف وشرّد أكثر من 5 ملايين، وانه على حدّ قول منظمة الصحة العالمية سيطال بأضراره المباشرة او غير المباشرة مصالح اكثر من 25 مليون إنسان، هذا الزلزال كان يجب منطقياً ان يشكل مدخلاً لتعاون دولي وهبّة عالمية يبادر فيها المقتدر الذي بقي خارج دائرة الضرر الى نجدة المنكوب الذي مسّه هذا الزلزال بضرر او أثر سلبي،
فمن المتداول المتواتر انّ المصائب تجمع وانّ مواجهة الكوارث الطبيعية تفرض تنحية الخلافات والصراعات البينية التي تعيشها القوى والكيانات الدولية والعالمية لتتقدّم أمامها النزعة الإنسانية الرامية بشكل أساس لإنقاذ الإنسان، أيّ إنسان، لإنقاذه من مفاعيل الكارثة او الحادث الطبيعي الطارئ والمشكل للقوة القاهرة التي لا يمكن توقعها أولاً يمكن ردّها او التفلت من آثارها. ولذلك ساد في التاريخ عرف عام هو الهبّة العالمية الجماعية لنجدة المنكوبين بكارثة كما هو الوضع مثلاً في حال الزلازل والفيضانات والأوبئة والجوائح الصحية العامة، حيث ينخرط العالم كله في المواجهة وفقاً لقاعدة «إذا كان يستحيل منع الكارثة من الوقوع، فمن الواجب توزيع أعبائها علي الجميع حتى نخفف من ثقل مساوئها».
هذا في العرف والمبادئ التي تحولت في بعض الحالات الى أعراف ملزمة او أدخلت في التشريعات المحلية او الاتفاقات والمعاهدات الدولية بصيغ إيجابية ملزمة او سلبية مانعة من التلكؤ او عدم الاكتراث والامتناع عن مساعدة الآخرين عندما تكون المساعدة ممكنة ودون ان تلحق الضرر المؤكد او تعرّض من مدّ يد العون للخطر،
وفي عالمنا المعاصر يشتدّ الحديث عن حقوق الإنسان وكرامته والتعاون او التضامن الدولي في سبيل الإنسان في أمنه وسلامته وكرامته، وتتقدّم الدول الغربية في هذا المجال إعلامياً الى حدّ يظهر فيه الغرب عامة وأميركا بشكل خاص بأنهم باتوا قيّمين على الإنسانية ومكلفين من الله بضبط سلوك البشرية للمحافظة على الإنسان وحقوقه تلك، هذا نظرياً أما في أرض الواقع فيبدو الأمر خلاف ما يدّعي هؤلاء، حيث انّ تاريخ الغرب وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية حافل بالجرائم بحق الإنسان أضراراً به وصولاً الى ارتكاب جرائم إبادة الإنسان بشكل جماعي سواء بالحروب وأسلحة الدمار الشامل لتي ابتكروه او بنشر الأوبئة والجوائح والأمراض التي صنعوا فيروساتها وميكروباتها،
وفي معرض مواجهة الزلزال السوري لم تكتفِ أميركا بأنها أحجمت عن تقديم أيّ مساعدة لسورية في نكبتها بالزلزال رغم أنها تعتبر نفسها الدولة الأغنى والأقوى والأقدر في العالم على تقديم هذه المساعدة وتتشدّق وتدّعي أنها تعمل من أجل الشعب السوري، الا أنها عبر منظومة ما تسمّيه «العقوبات» المترجمة حصاراً خانقاً لسورية منعت الآخرين الذين يخشون عقابها، ولا يجرؤون على مواجهتها، منعتهم من تقديم العون لسورية لانتشال إنسان من تحت الركام او إيواء ناج بنفسه بعد أن فقد أهلاً وأحبة أو بيتا ومأوى، الحصار الوحشي الذي تطبّقه أميركا بموجب تشريع أميركي أسمته «قانون قيصر» وادّعت كاذبة طبعاً أنها اعتمدته لمعاقبة الدولة السورية نصرة للشعب السوري.
لقد أكد زلزال 6 شباط/ فبراير 2023 على الوجه البشع للغرب الاستعماري والسلوك اللاإنساني واللاأخلاقي لأميركا التي رأت كارثة طبيعية تحلّ بشعب من الشعوب، وبدلاً من المسارعة لنجدتها فاقمت مفاعيل الكارثة بمنع هذه النجدة منها ومن الآخرين، ولما بادرت دول وكيانات تتحدّى أميركا ولا تنصاع لإملاءاتها أو لا تخشاها واشتدّ الضغط العالمي ضدّ السلوك الأميركي المشين، قامت أميركا بمناورة خادعة تحت عنوان الاستثناء الجزئي المؤقت من مفاعيل قانون قيصر، استثناء زعمت فيه انها تجمّد مفاعيل هذا القانون الإجرامي لمدة 180 يوماً في مواضيع محددة لها علاقة مباشرة بمسائل الإغاثة، ثم انها ادّعت انقساماً في الكونغرس حول الإعفاء الاستثنائي المؤقت هذا بين الجمهورين والديمقراطيين ما علق التنفيذ لأمد تتآكل فيه مهلة الـ 180 يوماً،
وفي مقابل الإجرام الأميركي والغربي المتمثل بالإحجام عن تقديم النجدة لسورية ومنع الآخرين من تقديمها سجلت مواقف شجاعة وصفحات مشرقة خطتها دول ومنظمات وكيانات بادرت الى أداء واجبها الإنساني والأخلاقي حيال سورية، غير مكترثة بالتهديد والعقوبات الأميركية ما مكن من التخفيف نوعاً ما من هول الكاارثة ومعالجة بعض آثارها ولو بشكل محدود.
أما في المحصلة نستطيع القول بانّ زلزال سورية الطبيعي كشف من جهة عن زلزال لا أخلاقي غربي من جهة أخرى أخوة وصداقة حقيقية تربط سورية بعالم من الصادقين الذين امتلكوا شجاعة رفض قرارات أميركا وهبّوا لمساعدة سورية غير عابئين بعقوباتها، وما يؤكد بأنّ سورية ليست معزولة كما تريد أميركا وتعمل له، وفي ذلك مشهدان متعاكسان أكدهما الزلزال الذي اكد أيضاً او كشف الحقائق التالية:
1 ـ أميركا عدوة الإنسان، وتتشدّق بحقوق الإنسان وتعمل بعكس ما تعلن وتتظاهر، وبالتالي ان التعويل على العلاقة او السلوك الإنساني من أميركا إنما هو وهم وسراب،
2 ـ انّ قرارات أميركا ليست قدراً، وانّ امتلاك شجاعة التحدي في مواجهتها تمكن من تعطيل تلك القرارات ومن ثم إلزام أميركا بالتراجع عنها فأميركا لا تستطيع ان تعاقب كلّ العالم ولا تستطيع ان تحتلّ بجيوشها كلّ العالم، ولذلك فإنّ ظهور حركة دولية عارمة مناهضة للأجرام الأميركي المتمثل بسياسة الحصار والعقوبات من شأنه أن يعطل هذه السياسة، وبالفعل فإنّ ظواهر عجز تلك العقوبات عن تحقيق المراد الأميركي بدأت بالظهور على ارض الواقع.
3 ـ انّ انصياع دول عربية للإملاءات الأميركية وإحجامها عن نجدة سورية في محنتها يشكل لطخة عار على جبين أنظمة تلك الدول، وهي صورة توضع برسم شعوبها التي عليها ان تصحّح مسار حكوماتها، فلا يمكن القبول بسلوك شقيق يمتنع عن نجدة شقيقه في منحته.
وأخيراً نقول انه ليس من حق أميركا أصلاً ان تحاصر سورية وتعتدي عليها، وبالتالي فإنّ التجميد الجزئي لقانون قيصر تصرف غير كاف ولا يلبّي المطلوب وينبغي ان يتحوّل الى إلغاء كلي لهذا التشريع الأميركي الوحشي ويشكل عدواناً مؤكداً ينتهك حقوق الدول وسيادتها ويتدخل في شؤونها الداخلية والسيادية ويلحق أفدح الأضرار بالشعوب، خاصة الشعب السوري، حيث انّ هذا الحصار الأميركي لسورية فاقم من مفاعيل الزلزال الطبيعي وجعل سورية عرضة لزلزالين… زلزال الطبيعة وزلزال أعداء الإنسان، وإذا كان الزلزال الأول يمثل قوة قادرة لا يمكن ردّها او التلفت من مخاطرها، فإنّ الزلزال الثاني هو من طبيعة أخرى ويمكن التصدي له ومواجهته ومنع آثاره المدمّرة عبر تضامن الدول والشعوب في مواجهة الوحشية العدوانية الأميركية. وقد آن الأوان لوقف أميركا اعتدائها على سورية وإصراراها علي إطالة امد الصراع فيها ومنعها من العودة الى حياتها الطبيعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى