أولى

تعطيل النصاب سيف بحدين

تتناوب الأطراف السياسية اللبنانية والكتل النيابية التي تمثلها على اللجوء إلى سلاح تعطيل النصاب لفرض شراكتها في استحقاقات دستورية أو قوانين تشريعية أو قرارات وزارية، عندما تفقد القدرة على ضمان تحقيق الأغلبية لصالحها، ما جعل سلاح تعطيل النصاب من الأدوات المتعارف على مشروعيتها سياسياً لشمول استخدامها كل الأطراف، وكل عند حاجته لها يجد لها مبرراتها، وعند تضرره منها يطعن بها وبشرعيتها، علماً أن مبدأ تحديد نصاب لجلسات الحكومة ومجلس النواب، وتخصيص نصاب موصوف لحالات معينة، يعني ضمناً في بلد يعتمد الديمقراطية التوافقية، وتتشكل الأطراف السياسية فيه على أسس التمثيل الطائفي، أن المشاركة بتأمين النصاب مثل اللجوء إلى تعطيله، أدوات في نظام الديمقراطية التوافقية.
في مراحل الشغور الرئاسيّ تطرح قضية النصاب بقوة أكثر من أي مرة، وتُصاب بعض القوى السياسية بالتناقض في مقارباتها فتقع ضحية الارتجال وصولاً الى الانتهازية، وعلى سبيل المثال، قام رئيس حزب الكتائب بإطلاق موقفين متناقضين خلال أقل من شهر، فدعا علناً في أكثر من جلسة نيابية، الى اعتماد نصاب الأغلبية المطلقة (65 نائباً)، بدلاً من نصاب الثلثين (86 نائباً) لانتخاب الرئيس في الدورة الانتخابية الثانية. وبالتوازي هدّد بتعطيل النصاب إذا تمكّن خصومه من تأمين أغلبية 65 صوتاً لانتخاب رئيس من حلفائهم، متمسكاً ضمناً باعتماد نصاب الثلثين، لأن اعتماد نصاب الأغلبية أي الـ 65 يفقده القدرة على التعطيل طالما أن خصومه قد نجحوا بتأمين الـ 65 صوتاً، للانتخاب وضمناً للنصاب!
من المفارقات المشابهة أيضاً، ما يجري في الحديث عن تعطيل نصاب الجلسة التشريعية التي يتم التداول بعقدها تحت عنوان تشريع الضرورة، والمبرر للتعطيل هو اعتبار أن الأولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية ولا يجوز التشريع قبل انتخاب الرئيس، لأن ذلك يعني تطبيع الشغور الرئاسي واعتبار غياب الرئيس شأناً قابلاً للتأقلم معه، لكنهم لا ينتبهون إلى أن سلاح تعطيل النصاب سيف بحدين، فمن يقول برفض التشريع في ظل الشغور الرئاسي ويتبنى تعطيل نصاب جلسة التشريع، يلزم نفسه بتأمين نصاب أي جلسة لانتخاب الرئيس بمعزل عن هوية المرشح الذي يمكن أن يكتب له الفوز، لأن منطق الأولوية لانتخاب رئيس للجمهورية، يعني ذلك. والذين يقولون بحق تعطيل نصاب جلسة انتخاب الرئيس مجبرون على تأمين نصاب جلسة التشريع، باعتبار الفراغ الرئاسي ثمناً لا بد من دفعه لقاء التمسك بمواصفات معينة للرئيس يؤمن النصاب لانتخاب توافقي يضمن توافرها، وتستمر إدارة البلد عبر اجتماعات الضرورة لمجلس النواب بهدف التشريع وللحكومة بهدف إدارة المرافق العامة، حتى يتحقق الانتخاب بالتوافق المطلوب.
شرعية تعطيل النصاب في جلسات الانتخاب الرئاسي تسحب الشرعية عن رفض جلسات الحكومة وجلسات التشريع النيابي، والعكس صحيح. ولا تستطيع الكتل النيابية الركوب في مركبين معاً، مركب استعمال سلاح تعطيل النصاب في جلسات الانتخاب، ومركب الطعن بشرعية جلسات الحكومة وجلسات التشريع خلال الشغور الرئاسي.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى