أولى

لا أميركا تستطيع تطويع المقاومة في لبنان ولا المقاومة تبتغي فرض رئيسٍ ترفضه غالبية المسيحيين

‭}‬ د. عصام نعمان*
ما كاد روع اللبنانيين يهدأ بعد هزّات زلزال 6 شباط/ فبراير الجاري حتى داهمتهم بعد عشرة أيام هزّة سياسية أقلقت المسؤولين والمواطنين على السواء. ففي خطبة لمناسبة تكريم الشهداء القادة، شنّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حملةً عنيفةً على أميركا و”إسرائيل” وأصدقائهما المحليين المطالبين بنزع سلاح المقاومة في لبنان.
نصرالله إتهم أميركا واصدقاءها بأنهم يتوسّلون بالفوضى والحرب سبيلاً لتطويع المقاومة، وترفيع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون الى سدة رئاسة الجمهورية. حتى كتابة هذه السطور، لم يصدر عن أيِّ ممن استهدفهم قائد المقاومة ردّ او تعليق إلاّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي (غير المتهم أصلاً) الذي قال إنّ الإضطرابات الأمنية الأخيرة توحي كأن اندلاعها تمّ بـِ “كبسة زر” في مكان ما.
ما كان نصرالله ليشنّ حملته لو لم تتوفر له معطيات ومؤشرات دفعته الى ذلك. لذا ركّز على التحذيرات والتهديدات الآتية:
ـ على من يريد دفع لبنان الى الفوضى او الانهيار ان يتوقع منا ما لم يخطر في بالٍ او وهم. على الأميركيين ان يعلموا أنهم اذا دفعوا لبنان الى الفوضى وتألّم الشعب اللبناني، فإننا لن نجلس ونتفرج وستمتدّ يدنا الى مَن يتسبّب بآلام ناسنا حتى لو أدّى ذلك الى خيار الحرب ضدذ ربيبتهم “اسرائيل”.
ـ إذا دفع الأميركيون لبنان الى الفوضى، فعليهم ان ينتظروا الفوضى في كلّ المنطقة، وفي مقدمتها ربيبتهم “إسرائيل”.
ـ إذا حصل تسويف في أعمال الحفر والتنقيب عن النفط والغازفي البلوك رقم 9 اللبناني، فلن يكون في وسع “إسرائيل” استخراج النفط والغاز من حقل “كاريش”.
من الواضح انّ الفوضى التي يتهم نصرالله أميركا بالعمل على نشرها لا تشمل لبنان فقط بل المنطقة برمّتها. صحيح انه لم يشر الى دورٍ لإيران في التصدي لأميركا على مستوى المنطقة، إلاّ انه يعني ذلك بالتأكيد إذ لا يُعقل ان تتولى المقاومة في لبنان وحدها التصدي لأميركا وان تبقى إيران بمنأى عن ذلك. فهل أميركا قادرة فعلاً على نشر الفوضى في المنطقة برمتها وان تغفل عن حتمية مشاركة ايران في التصدي لها؟
يبدو ان لجوء أميركا الى نشر الفوضى وشنّ الحرب في آنٍ معاً في هذه المرحلة الراهنة مستبعدٌ لأسباب عدّة أبرزها:
ـ إنشغالها بالحرب في أوكرانيا، ولأنّ مصلحتها تكمن في تفادي إلقاء المزيد من الأعباء والمتاعب على كاهلها.
ـ تجنّب إغضاب العرب والمسلمين الساخطين عليها أصلاً لقيام ربيبتها “إسرائيل” بتوسيع رقعة الإستيطان الصهيوني في الضفة الغربية.
ـ احتمال إغتنام إيران وسائر أطراف محور المقاومة انغماس أميركا في حروب على أكثر من جبهة للقيام بشنّ حربٍ على مستوى المنطقة برمتها ضدّ مصالحها ومواقع قواتها المحتلة، وضدّ “إسرائيل” ايضاً الأمر الذي يكبّدها خسائرهائلة.
لهذه الأسباب بادرت واشنطن الى الإيعاز لشركة “توتال” الفرنسية عبر باريس بالمسارعة الى الإعلان في حفل إعلامي، بحضور وزراء الطاقة والأشغال العامة والبيئة اللبنانيين، بأنها أجرت فعلاً فحصاً للبيئة في البلوك رقم 9 الكائن في مياه لبنان الإقليمية المحاذية للحدود البحرية مع فلسطين المحتلة ما يمكّنها من مباشرة أعمال الحفر والتنقيب خلال أشهر الصيف المقبل.
ذلك كله تمّ بغية تهدئة اللبنانيين كما أطراف محور المقاومة.
غير انّ مبادرة واشنطن للقيام بهذه التدابير الهادفة لتنفيس الاحتقان والتوتر السائدين بين أطراف الصراع المحتدم في المنطقة قد لا تحول دون ارتكاب حكومة نتنياهو العنصرية حماقة مدوّية بقيامها بقصف منشآت إيران النووية في محاولةٍ يائسة لتنفيس المعارضة المتعاظمة ضدها داخل “إسرائيل” ذاتها، ولتعبئة الجمهور وحمله على الالتفاف حولها.
في لبنان لا تبدو ثمة مصلحة لحزب الله في مضاعفة عدد أعدائه في حال الإصرار على انتخاب رئيسٍ للجمهورية يكون موالياً له رغماً عن إرادة غالبية المسيحيين. لذا بادر كثير من قيادييه الى الإعلان والتأكيد على ان لا مرشح للحزب، وانه متمسك بدعوته الى تفاهم مختلف الأطراف على مرشح وطني توافقي، وان شرطه الوحيد ألاّ يطعنه هذا المرشح، الرئيس العتيد لاحقاً، في الظهر.
يتحصّل من كلّ مجريات هذه المشهدية أن لا الولايات المتحدة قادرة بالفوضى والحرب على تطويع أطراف محور المقاومة وإلزامهم بطاعتها، ولا حزب الله، بما هو قائد المقاومة، يبتغي مضاعفة عدد أعدائه بالإصرار على انتخاب رئيس للجمهورية يكون موالياً له ومرفوضاً من غالبية المسيحيين.
وعليه، الأرجح ان تطول مرحلة التجاذب والتصارع بين مختلف القوى والتكتلات السياسية في البلاد الى ان يتمّ إنضاج مضمون تسويةٍ تقليدية كالتي عرف لبنان مثيلاتها وعاناها على مرّ تاريخه السياسي المعاصر.
لكن، في حال ارتكبت “إسرائيل”، بدعم من أميركا او من دونه، حماقةً مدوّية بمهاجمة احد او كل أطراف محور المقاومة في لبنان وسورية والعراق وإيران، او فصائل المقاومة في فلسطين المحتلة، عندها يتفكك لبنان ويتهاوى، وربما “إسرائيل” ايضاً، نتيجةَ تداعيات الحرب في المنطقة برمتها، ويصعب بعد ذلك التكهن بما سيكون عليه المشهد الإقليمي المغاير.
*نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى