أولى

الحرب الروسية ـ الأوكرانية بعد عام من اندلاعها…

‭}‬ د. جمال زهران*
منذ أن اندلعت الحرب الروسية/ الأوكرانية، في 24 شباط/ فبراير 2022، أيّ منذ عام كامل، والعالم كله من شرقه إلى غربه، في حالة غليان، وتغيّرات على كافة الأصعدة، وقد يتمخض عنها شكل جديد في التاريخ والجغرافيا. وقد ثبت خطأ بل وفشل، كلّ المحللين الذين توقعوا انتهاء هذه الحرب بسرعة، والذين توقعوا انسحاب روسيا تحت الضغوط الأميركية، والأوروبية، بل وتراجعها عن الهجوم الكاسح الذي شنته على أوكرانيا. كما طُرحت الآراء حول ما إذا كان التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، سيؤدي إلى حرب عالمية، مثلما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية، في القرن العشرين، وبنفس الشكل، أم أنّ المسألة محدودة في الجغرافيا، ولن تخرج عن هذه الرقعة الأوكرانية، ولن تمتد، إلا أنني تبنّيت رأياً من البداية، أنه لن تحدث حرب عالمية شبيهة بما حدث في القرن العشرين، ولكن ستحدث حرب عالمية بشكل مختلف، لكنها ستقع، إن لم تكن قد وقعت بالفعل، هذه الحرب العالمية الأولى في القرن الحادي والعشرين، وبعد أسابيع قليلة من التدخل العسكري الروسي، واندلاع الحرب في أرض أوكرانيا.
إذن: ماذا بعد عام على اندلاع الحرب الروسية/ الأوكرانية؟
يمكن تسجيل عدة ملاحظات هامة، تتركز في:
ـ الحرب لم تتوقف طوال العام.. حتى أنّ روسيا طرحت هدنة في مناسبات دينية، إلا أنّ أوكرانيا رفضت الهدنة، فكانت العاقبة ورد الفعل الروسي عنيفاً.
ـ أن روسيا استطاعت ضمّ ثلاثة أقاليم، تمثل نحو 20% من مساحة أوكرانيا، واستكمال إجراءات الضمّ القانونية والدستورية، بإجراء الاستفتاءات في الأقاليم الثلاثة، بالإضافة إلى إقليم القرم في عام 2014، وبالتالي فقد استولت روسيا فعلياً ورسمياً على نحو ما يقرب من 40% من إجمالي مساحة أوكرانيا.
ـ يتركز الصراع والحرب في محيط العاصمة «كييف»، التي أضحت محاصرة بين روسيا من جانب، وأوروبا من جانب آخر، التي تصرّ على إشعال وقود الحرب، وتزويد أوكرانيا بالمال والسلاح والدعم المادي إلخ… وتشابه ذلك، مع قائد جيوش المسلمين (طارق بن زياد)، في معركة الاستيلاء على أسبانيا، حين حرق أسطوله، وقال للجنود، «العدو أمامكم، والبحر خلفكم»، في إشارة إلى أمرين… إما النصر وإما الغرق في البحر «المحيط»!! فالغرب يقول للجيش الأوكراني، إما النصر على روسيا، لتختفي من الخريطة العالمية، وإما نحن وراءكم ونشجعكم حتى نقتلكم لو لم تنتصروا على روسيا!
ومن ثم فنحن أمام مشهد مأساوي!
ـ أن التقارير المنشورة، والمعلنة على لسان المسؤولين في روسيا، وفي أوكرانيا، تؤكد أنّ حجم الخسائر كبير جداً في البشر وفي العتاد، في الجانب العسكري، بين الطرفين، إلا أنّ جميع التقارير أيضاً ذكرت أنّ خسائر روسيا محدود، بالمقارنة بخسائر أوكرانيا، وتتراوح بين (1 : 4). وذلك بعيداً عن التقارير المزيفة والتصريحات غير الدقيقة.
ـ أنّ روسيا مصمّمة، ومُصرّة، على الاستمرار في هذه الحرب، ولا تراجع أو خذلان، أو استسلام للغرب (أميركا وأوروبا)، وأن الخطة الاستراتيجية التي أعلنها الرئيس الروسي (بوتين)، ماضية في التنفيذ، وتتركز في جعل أوكرانيا منطقة محايدة وعازلة بين الشرق والغرب، ولا تنضمّ إلى حلف الناتو، ولا خيار في الاستمرار حتى يتمّ السيطرة التامة على أوكرانيا، إذاً ما لم يتحقق التراجع الرسمي لرئيس أوكرانيا، والتسليم بذلك من الغرب والناتو.
ـ فشل جميع قرارات أميركا وأوروبا بفرض العقوبات على روسيا، والتي وصلت إلى نحو (5000) خمسة آلاف قرار، وآخرها القرار المتعلق بتحديد حدّ سقفي أيّ حدّ أقصى لسعر البترول والغاز الروسي في الأسواق العالمية! وقد أثبت الواقع قدرة روسيا العظمى، على استيعاب هذه القرارات، وإجهاضها، وأصبحت صورة الغرب الاستعماري بقيادة أميركا، سيئة من الفشل، وعدم الفعالية. بل ولم تكتفِ روسيا بإفشال العقوبات مؤقتاً، بل بوضع خطة استراتيجية بضرب الدولار، وإنشاء عملة بديلة، وهدم اتفاق بيريتون عام 1944. وتتسابق الدول في العالم وخاصة في آسيا والمنطقة العربية والشرق الأوسط، للانضمام لنظام «ميريل» الروسي الصيني، لضرب دولار أميركا…
ـ إعادة تشكيل هيكل النظام الدولي، بحيث دخلت كلاً من روسيا والصين، إلى مربع القمة المتربع على العالم، ليصبح هيكل القوة في العالم، هيكل رباعي (روسيا والصين من جانب، في مواجهة أميركا وأوروبا من جانب آخر)، وبقية دول العالم ومناطقه تتأرجح بين القطبين، في إطار حرب باردة جديدة، ومتجدّدة، لا يُعرف مداها، وإلى أين ستتحرك إلى الأمام أم إلى الخلف والدمار!! في إطار تنافسية تتسم بالعنف بين القطبين.
إذن نحن قد أصبحنا، أمام نظام دولي جديد، متعدّد الأقطاب، أو ازدواجي الكتلتين، ويشهد حرباً عالمية بشكل جديد، وليس بالشكل الذي اعتدنا عليه في الحربين العالميتين الأولى والثانية، في القرن العشرين.
المواجهة بين القطبين العالميين (شرق + غرب)، مواجهة غير مباشرة، وعن طريق الوكيل من جانب الغرب الذي يراهن على انهيار روسيا وهزيمتها في أوكرانيا، على يد الجيش الأوكراني ـ رغم ثبوت فشله ـ وحتى آخر فرد فيه!! ودون مشاركة فعلية من قوات أميركية، أم الناتو، أم دول أوروبا. وقد اكتفوا بتمويل الحرب، وتزويد أوكرانيا بالسلاح والعتاد والمؤن، فقط، دون مشاركة فعلية لقوات أميركية وأوروبية.
وختاماً: يمكن القول إنّ الحرب الروسية ـ الأوكرانية، التي بدأت منذ عام، مستمرة وحتى تحقيق الأهداف الروسية لحماية أمنها القومي، وحتى آخر جندي أوكراني بالسلاح الغربي، لتتشكل خريطة عالمية جديدة، ونظام دولي جديد، تتربع فيه روسيا والصين في القمة، منافسة للغرب، وإلى مدى طويل مقبل…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى