أولى

“إسرائيل” تتمشرق وتتمزق: الحرب الأهلية في الداخل… هل تتمدّد الى الخارج؟

د. عصام نعمان*

“إسرائيل” أسّسها وطوّرها اليهود الاشكيناز (الأوروبيون) وطليعتهم أعضاء حزب المباي (العمال) اليساري بقيادة ديفيد بن غوريون.
“إسرائيل” يهدّدها اليوم بالتمزّق اليهود السفارديم (الشرقيون) وطليعتهم أحزاب الحريديم (اليهود الأرثوذكس المتعصبون دينياً) أمثال “شاس” و”يهودية التوراة” و”نوعام”، وتساندها أحزاب “الصهيونية الدينية”.
في غمرة الصراع العنيف بين اليهود المتديّنين وحلفائهم الصهاينة الدينيين العنصريين الفاشيين من جهة واليهود العلمانيين بشتى أحزابهم وفئاتهم من جهة أخرى، تغرق “إسرائيل” في صراعات حادّة تتصاعد وتيرتها وقد وصلت الى مستوى حرب أهلية بل الى حال “حروب اليهود” كما وصفتها صحيفة “معاريف” الإسرائيلية.
ليس أدقّ من رئيس دولة “إسرائيل” يتسحاق هرتسوغ في توصيف أزمتها المصيرية الراهنة بقوله: “إنّ دولة “إسرائيل” والمجتمع الإسرائيلي، بل نحن كلنا نمرّ بوقت عصيب وفي أزمة داخلية عميقة وخطيرة تهدّدنا جميعاً، إذ أنها تهدّد صمود “إسرائيل” وتضامنها الداخلي”.
ما أسباب هذه الأزمة المصيرية الخطيرة؟
أولاها، وربما أكثرها حدّةً، الخلاف العميق والمتفجّر حول قيام حكومة الإئتلاف اليميني بقيادة بنيامين نتنياهو بتقديم عدّة مشاريع قوانين لتعديل وتقليص صلاحيات القضاء، خصوصاً صلاحيات المحكمة العليا، ومباشرة الكنيست (البرلمان) إقرارها. هذه القوانين من شأنها منع القضاء من إبطال قوانينٍ يقرّها الكنيست وتعتبرها المحكمة العليا مخالفةً للديمقراطية وحقوق الإنسان ومصلحة “إسرائيل” الأمنية والقومية وصورتها ومكانتها الدولية، او تشرعن أفعالاً ضدّ الفلسطينيين مخالفةً لأبسط حقوق الإنسان، وإسقاط الجنسية عنهم.
ثانيها، توسيع صلاحيات المحاكم الدينية اليهودية لتشمل البتّ في “ديوني ممونوت”، أيّ قوانين الاموال التي هي أصلاً من صلاحية المحاكم المدنية، وفي مقدمها قضايا ذات طبيعة وأبعاد إقتصادية كالشراكة والجيرة والأضرار والملكية، وبالتالي عدم إخضاع قاضي المحكمة الدينية اليهودية سوى لأحكام التوراة الأمر الذي يؤدّي الى تراجع الإستثمارات الأجنبية في الكيان وتضييق آفاق النمو الاقتصادي.
ثالثها، إتجاه أحزاب الحريديم الدينية المتعصبة المشاركة في الإئتلاف الحكومي لفرض المزيد من الأحكام الدينية ومعاقبة مخالفيها، بالإضافة الى توسيع إفادة هذه الأحزاب من المساعدات المالية، ومنع تجنيد أعضائها في القوات المسلحة ما يتنافى مع مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون.
رابعها، معارضة غالبية اليهود الإسرائيليين سنّ قوانين في الكنيست تفرض أحكام الشريعة اليهودية عليهم، فضلاً عن معارضة بعضهم أستفزاز الفلسطينيين لطردهم وسلب ممتلكاتهم ما يؤدي الى مواجهات معهم.
خامسها، شعور غالبية الإسرائيليين الخاضعين لأحكام القوانين المدنية بأنّ قوانين تقليص صلاحيات القضاء، خصوصاً المحكمة العليا، ما كانت لتُقتَرح وتُقرّ لولا إصرار نتنياهو عليها كشرطٍ لاسترضاء الأحزاب الدينية واليمينية وضمان موافقتها على المشاركة في الحكومة وبالتالي إقرار تلك القوانين في الكنيست لتمكين نتنياهو من تفادي محاكمته بتهم تتعلق بالفساد وقبول الرشى.
ليس أدلّ على معارضة غالبية الإسرائيليين لقوانين توسيع صلاحية المحاكم الدينية وتقليص صلاحيات القضاء المدني من أنّ استطلاعات الرأي التي أُجريت مؤخراً تشير الى الآتي:
ـ أكثر من خمسين في المئة ممن صوّتوا لنتنياهو وحزبه في الانتخابات الأخيرة يعارضون الآن تعديل النظام القضائي الحالي.
ـ إذا جرت انتخابات عامة اليوم فإنّ الإئتلاف اليميني الحاكم لن يحصل إلاّ على 55 مقعداً من مقاعد الكنيست الـ 128، أيّ دون الأكثرية المطلقة (61 مقعداً) اللازمة للبقاء في السلطة.
إلى ذلك، لا تنحصر تداعيات الصراع المحتدم داخل “إسرائيل” بل تمتدّ الى خارجه . فصحيفة “هآرتس” (2023/2/28) تكشف بقلم محللها للشؤون العربية والإقليمية تسفي برئيل أنّ اللقاء الذي عُقد في العقبة (الأردن) وشارك فيه ممثلون لمصر والأردن والولايات المتحدة و”إسرائيل” والسلطة الفلسطينية لم يكن لقاءً سياسياً بل كان لقاء أمنياً، وأن الغاية منه البحث في سبل التعاون لوقف الانجرار الى تصعيدٍ أمني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأنّ أطراف اللقاء يهمّها تحقيق هدف مشترك، ليس منع اشتعال الضفة فقط بل امتداد النار الى الدول المجاورة ايضاً. لماذا؟
يجيب برئيل:
ـ لأن اجتماع نتنياهو الى الملك عبد الله مؤخراً لم يؤدّ الى إزالة شكوك المسؤولين الاردنيين إذ حَصَر رئيس الحكومة الإسرائيلية مباحثاته بعلاقة الطرفين بشؤون المسجد الأقصى وتجاهَل التطورات العنيفة التي تحدث في الضفة، لا سيما في جنين وجنوب الخليل، وتؤدّي الى إنعكاسات في المملكة.
ـ لأنّ مصر تعتقد انّ نتنياهو لا يمكنه الإلتزام بالإتفاقيات التي يتمّ عقدها بين الدول ما يؤدّي الى عدم السماح للقاهرة بممارسة دورها كوسيط مع “حماس”، والى قيام الأسرى الفلسطينيين بالتصعيد في السجون، ودفع كلّ من “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الى تصعيد عمليات المقاومة ايضاً.
ـ لأن الولايات المتحدة دانت خطة الإنقلاب القضائي في “إسرائيل” وحذّرت من عواقبها، ولأنها “تخشى أيضاً شأن مصر والأردن والسلطة الفلسطينية والسعودية والإمارات (…) من فتيل النار الذي بدأ يشتعل في الضفة والقدس وقد يمتدّ الى عواصمها”.
يبدو أنّ جميع اطراف لقاء العقبة يشكّون في رغبة نتنياهو، وحتى في قدرته، على احتواء النزاعات والإضطرابات التي تسود الكيان الصهيوني في هذه الآونة. ولعلّ بعضهم يخشى أن يلجأ الى محاولة تطويق وتنفيس “حروب اليهود” في الداخل بشنّ حرب في الخارج على أطراف محور المقاومة، كلهم أو بعضهم، ما يؤدّي في ظنّه الى تعبئة الجمهور والالتفاف حوله.
هكذا يتبدّى انّ “إسرائيل” تتمشرق وتتمزق كما سائر دول الإقليم.
هل لهذا السبب أُوفدت واشنطن على عجل رئيس أركان الهيئة المشتركة لجيوشها الجنرال مارك ميلي الى “إسرائيل”؟ وهل ترمي مهمته الى لجم نتنياهو أم الى دعمه في ذروة أزمة الكيان المصيرية وذلك بنقل الحرب الى إحدى ساحات محور المقاومة؟ أو لعله أوفِد ليقول للقادة الصهاينة إنّ الإحتراب في ما بينكم فرصة مغرية لمحور المقاومة ليضربكم جميعاً ضربة مدوّية لا قيامة لكم بعدها؟
اسئلة تبحث عن أجوبة…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نائب ووزير سابق
[email protected]

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى