أولى

كيف يستقبل المصريون شهر رمضان!

‭}‬ د. محمد سيد أحمد
يشكل شهر رمضان رمزية كبيرة لدى كافة الشعوب الإسلامية ومن بينها الشعوب العربية. ويحتفي به المصريون بشكل خاص، ويستعدّون له بأشكال متنوعة، تعبّر عن الفرحة والبهجة والسرور، وتمارس خلاله كافة أنواع الطقوس الخاصة، سواء كانت دينية أو اجتماعية أو ثقافية، لذلك يستعدّ له المصريون قبل قدومه بوقت كافٍ حيث يتمّ ادّخار بعض الأموال التي سوف ينفقونها على الطقوس المختلفة، ففي الشوارع والحارات والأزقة وعلى واجهات البيوت وداخل المنازل وعبر الشرفات تعلق الزينات وتضاء المصابيح الملوّنة والفوانيس احتفالاً وابتهاجاً، ويتمّ التوافد إلى الأسواق لشراء السلع الغذائية المختلفة لزوم استضافة ودعوة الأهل والأقارب والأصدقاء سواء على موائد الإفطار أو السحور، وبالطبع لا ينسى المصريون شراء الياميش والحلويات التي تُعدّ خصيصاً لشهر رمضان، وهذا الاستقبال لشهر رمضان لا يعرف الطبقيّة. فهذه الاستعدادات يقوم بها عموم المصريين من كافة الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية.
وفي ظلّ الأزمة الاقتصادية العالمية والتي تلقي بظلالها على مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، وبالطبع في القلب منها المجتمع المصري، يصبح السؤال المشروع هل سيستقبل المصريون شهر رمضان كما كانوا يستقبلونه دائماً في الأعوام الماضية؟! وبالطبع الإجابة القاطعة تقول لا، لكن ما يهمّنا الآن هو السؤال عن الطبقات والفئات والشرائح الفقيرة والتي تمثل الآن الغالبية العظمى من المصريين. فالفقراء في أيّ مجتمع هم الميزان الذي يمكن أن نحكم به على كفاءة الحكومة، فما توفره الحكومة من فرص متجدّدة لهم عبر سياساتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية هو المعيار الحقيقي لنجاحها أو فشلها، فلا بدّ لأيّ حكومة أن تكون منحازة بالدرجة الأولى لهؤلاء الذين يحتاجون لمن يمدّ لهم يد العون لمواصلة رحلة البقاء على قيد الحياة ليس أكثر، وهم الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية التي لا تستطيع توفير حدّ أدنى من الحياة الكريمة بمفردها ودون دعم ومساعدة الدولة، فالفقراء داخل أيّ مجتمع هم الهمّ الأكبر للحكومة فإذا نجحت في مساعدتهم على تحسين مستوى معيشتهم ونقلهم من حدّ الكفاف وما دونه إلى حدّ الكفاية والستر تكون الحكومة قد نجحت في مهمتها الأساسية، وإنْ لم تتمكّن من تحسين أوضاع الفقراء وازدادت معاناتهم وعوزهم في ظلّ حكمها تكون بذلك قد فشلت في المهمة الأساسية التي جاءت من أجلها إلى كراسي الحكم.
لذلك لا عجب عندما نراجع تاريخنا الحديث والمعاصر فتبرز في المشهد صورة الحكومات التي جاءت بعد ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 وكان المجتمع المصري قبلها يشهد حالة من الاستقطاب الاجتماعي الحاد. فالغالبية العظمى من المصريين كانوا يقعون في خانة الفقراء الذين يصفهم علم الاقتصاد الآن بمن يعيشون تحت خط الفقر، ويصفهم علم الاجتماع بمن يقعون ضمن الشرائح والفئات والطبقات الاجتماعية الدنيا، وكانت المهمة الأساسية لهذه الحكومات كيف يخرجون هؤلاء الفقراء من المعاناة اليومية لتوفير احتياجاتهم الضرورية من أجل الحياة؟ فكانت جملة السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية منحازة لهؤلاء والتي مكنتهم من تحقيق حدّ أدنى من الحياة الكريمة، فتغيّرت الخريطة الطبقية للمجتمع المصري بشكل كبير في أقلّ من عقدين من الزمان، حيث ظهرت الشرائح والفئات والطبقات الاجتماعية الوسطى من المستورين على الساحة المجتمعية المصرية وتراجعت نسبة الفقراء بشكل ملحوظ، بفعل انحياز الحكومات للفقراء قولاً وفعلاً عبر سياساتها التي قلّمت أظافر الإقطاع والرأسمالية التي نهبت لسنوات طويلة قوت الشعب وحوّلت غالبيته إلى فقراء ومعدمين.
وعندما جاءت حكومات عصر الانفتاح انقلبت على هذه السياسات المنحازة للفقراء، وأعطت اهتمامها للشرائح والفئات والطبقات العليا داخل المجتمع، وخلال فترة السبعينيات اختلت الخريطة الطبقية للمجتمع المصري من جديد وبدأت مكتسبات المستورين تتآكل ليهبطوا مرة أخرى إلى خانة الفقراء الذين لا يستطيعون توفير احتياجاتهم الضرورية للحياة، فكانت هبّات الفقراء في وجه هذه الحكومات في 18 و19 يناير/ كانون الثاني 1977 وهي ما عُرفت بانتفاضة الخبز، ورفضت الحكومة تسميتها بمسمّاها الحقيقي وأطلقت عليها مصطلح انتفاضة الحراميّة. ولعله من العجيب حقاً أن تصف حكومة غالبية شعبها بالحراميّة حين يخرجون عليها مطالبين بحقهم في الحياة والعيش الكريم!!
وجاءت حكومات الثمانينيات والتي استمرت ثلاثة عقود كاملة كانت سياساتها منحازة للأغنياء على حساب الفقراء، ما نتج عنه سقوط الغالبية العظمى من فئة المستورين التي تعرف بالطبقة الوسطى إلى فئة الفقراء التي تعرف بالطبقة الدنيا، وهو ما أدّى في النهاية إلى خروج هؤلاء الفقراء يطالبونها بالرحيل، ويرفعون شعار العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
ومنذ 25 يناير/ كانون الثاني 2011 تعرّضت أحوال المستورين إلى هزات كبيرة ألحقت عدداً كبيراً منهم بالفقراء غير القادرين على مواجهة أعباء الحياة اليومية. فإذا كانت في الماضي فئة المستورين من الطبقة الوسطى هي من تشعر بالمعاناة وتهبط لتنضمّ إلى فئة الفقراء، فالآن بعض أبناء الطبقة العليا من الميسورين أصبحوا يشعرون بالقلق إزاء ارتفاع الأسعار بشكل جنوني بما يفوق قدراتهم؛ أما فئة الفقراء التي انضمّت إليها مؤخراً أعداد هائلة فقد أصبحت على وشك الانفجار، خاصة أنّ شهر رمضان على وشك المجيء والأسعار تشتعل بما يفوق قدرات الفقراء على تحمّلها في الوقت الذي تقف فيه الحكومة عاجزة عن إيجاد حلول، فبدلاً من رفع رواتب العاملين بالدولة والذين لا يشكلون إلا ثلث القوى العاملة المصرية حيث يقبع الثلثتن في القطاع غير الرسمي (وحتى رفع الرواتب لن يجدي نفعاً مع الزيادة الرهيبة في نسبة التضخم). فمن الأجدى مواجهة جشع التجار وضبط الأسواق والرقابة المشدّدة على أسعار السلع الأساسية للحياة، وبالطبع لا بدّ من حلّ سريع قبل قدوم شهر رمضان الذي تستعدّ له الغالبية العظمى من المصريين بكآبة وحزن وعجز، وهو ما دفع البعض بتقديم مقترح للحكومة بأن تقيم مائدة رحمن بطول وعرض الوطن لاستيعاب الفقراء خلال أيام الشهر الفضيل، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى