أولى

الكيان الصهيوني بين تفاقم أزمته الداخلية وانتقالها إلى الجيش… ومأزق نتنياهو

‭}‬ حسن حردان
انتقلت الأزمة الداخلية العاصفة بكيان الاحتلال الصهيوني، والتي أحدثت شرخاً عميقاً سياسياً ومجتمعياً. انتقلت الى داخل الجيش «الاسرائيلي» وباتت تهدّد قدرته على مواصلة عملياته القتالية.. مما شكل حسب الكثير من المسؤولين السابقين والخبراء والمحللين الصهاينة خطراً داهماً، يهدّد وحدة وتماسك الجيش الذي طالما اعتبر الأساس الصلب الذي يرتكز اليه كيان الاحتلال في استمرار وجوده المصطنع والمؤقت، وفي مواصلة احتلاله لأرض فلسطين، والجولان السوري وأجزاء من الأراضي اللبنانية.. على انّ المؤشرات على هذا التهديد لوحدة وتماسك جيش الاحتلال تجسّدت بالوقائع التالية:
أولاً، فشل جهود رئيس الأركان في جيش الاحتلال «الاسرائيلي»، هرتسي هليفي، للحيلولة دون وصول الأزمة الى الجيش، بعد انضمام المئات من نخبة الجيش من الطيارين والضباط وجنود الاحتياط الى الاحتجاجات ورفضهم الخدمة في الجيش.
ثانياً، ظهور احتمال تمرّد جنود عاملين في الخدمة، مما قد يؤثر على مهام وعمليات جيش الاحتلال في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.
ثالثاً، دعوة وزير الحرب يواف غالانت، وهو نائب في الكنيست عن حزب ليكود، إلى تعليق إقرار التعديلات القضائية لمدة شهر، محذراً من أنّ الاحتجاجات ضدّ التعديلات وانضمام عدد متزايد من جنود الاحتياط إلى الاحتجاجات «يؤثر على عمل القوات النظامية ويهدّد الأمن القومي»، وأكد أنه «لن يجعل ذلك يسيراً»، في إشارة إلى احتمال امتناعه عن التصويت على التصديق على مشروع القانون في الكنيست.
رابعاً، ردّ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على دعوة غالانت بإقالته، مما دفع وزير الحرب السابق بيني غانتس إلى القول: «نواجه تهديداً حقيقياً ونتنياهو وضع نفسه قبل أمن إسرائيل».
هذه الوقائع والتطورات تؤشر الى عمق الأزمة التي امتدّت إلى الجيش الذي طالما كان في السابق بمنأى عن الصراعات السياسية، ويوصف بـ «جيش الشعب وحامي الكيان»، ويُقال عنه بأنه «أساس وجود الكيان»، ولهذا عندما تبلغ الأزمة حد إحداث الشرخ والتمرّد داخل الجيش فهذا إنما يدلل على حجم الخطر الذي بات يتهدّد وجود الكيان وأمنه واستقراره الداخلي، لأنّ الشرخ الحاصل في المجتمع الصهيوني بين متديّنين وعلمانيّين، وبين يهود اشكيناز غربيّين، ويهود سفرديم شرقيّين، ينعكس على المؤسسة العسكرية، وهو ما دفع قادتها الى التحذير من مخاطر استمرار الازمة على الجيش، الأـمر الذي حذر منه أيضاً العديد من الصهاينة الذين باتوا يعبّرون عن خوفهم من اندلاع حرب أهلية إذا ما واصل نتنياهو عناده ورفض التخلي عن مشروعه إدخال تعديلات على القضاء لحماية نفسه وحليفيه بن غفير وسموتيريتش من ملاحقات قضائية بتهم الفساد.
انطلاقاً من هذه المعطيات، يبدو أنّ الأزمة تسير نحو مزيد من التفاقم استنادا إلى ثلاثة عوامل:
العامل الأول، عدم وجود أيّ استعداد لدى نتنياهو وحليفيه بن غفير وسموتيريتش، على التراجع عن مشروعهم بإقرار إصلاحات قضائية، تجعلهم قادرين على التحكم بالقضاء، لا سيما المحكمة العليا، لحماية أنفسهم من الملاحقات بتهم الفساد.
العامل الثاني، ارتهان نتنياهو للتحالف مع بن غفير وسموتيريتش، لإبقاء حكومته، مما يجعله مكبّل اليدين لا يستطيع الإقدام على قبول حلول وسط مع المعارضة للخروج من الأزمة، من دون موافقة حليفيه اللذين يرفضان ايّ حلول وسطية ويصرّان على السير بالتعديلات القضائية مهما كانت التداعيات، بل ويهدّدان المعارضة باستخدام القوة لقمع الاحتجاجات… فنتنياهو يدرك انه في حال تراجع ووافق على تعليق التعديلات، فإنّ عقد الائتلاف الحكومي سوف ينفرط…
العامل الثالث، عدم قدرة نتنياهو على تصدير الأزمة الداخلية من خلال قيامه بشنّ حرب ضدّ المقاومة في لبنان، او ضدّ المقاومة في قطاع غزة، أو ضرب البرنامج النووي الإيراني، لأنّ اتخاذ مثل هذا القرار يحتاج إلى موافقة المؤسّستين الأمنية والعسكرية في كيان الاحتلال، وهو أمر لا توافق عليه هاتان المؤسستان، بسبب عدم ضمان تحقيق النصر من ناحية، والخوف من تدحرج الأمور نحو حرب واسعة تهدّد بالخطر وجود الكيان من ناحية ثانية، كما أنّ قرار شنّ الحرب يتطلب الحصول على ضوء أخضر أميركي، وهو أمر غير وارد لدى إدارة بايدن، إما لأنها لا تريد إبعاد الأنظار والانشغال بعيداً عن الحرب الأساسية ضدّ روسيا في أوكرانيا، أو بسبب المخاطر الكبيرة للحرب على النفوذ الأميركي وأمن ووجود الكيان الصهيوني..
واذا افترضنا أنّ نتنياهو مستعدّ للمغامرة وتجاوز موقف واشنطن، فإنه لا يستطيع تجاوز اعتراض المؤسّستين الأمنية والعسكرية في الكيان الصهيوني..
لكن هل يعني ذلك أنّ نتنياهو وحليفيه باتوا في طريق مسدود؟
من الواضح أنهم فعلاً أصبحوا في طريق مسدود، بسبب ما يلي:
1 ـ اشتداد وتوسّع دائرة المعارضة للتعديلات القضائية، لتشمل إلى جانب تزايد حجم المشاركة في التظاهرات والاحتجاجات في معظم المدن، وإقفال مطار بن غوريون، والشلل الحاصل في الاقتصاد والبورصة، واحتمالات اندفاع الوضع إلى الفوضى.
2 ـ مخاطر انتقال تمرّد ضباط وجنود الاحتياط، إلى داخل الوحدات النظامية في الجيش الإسرائيلي مما يهدّد بانتقال الانقسام السياسي والحزبي والمجتمعي إلى صفوف الجيش الذي يشكل حصن الكيان وحاميه…
3 ـ أمام مخاطر تصاعد وتفاقم الأزمة، من المحتمل ان تنتقل الأزمة إلى داخل حكومة نتنياهو بانضمام وزراء آخرين إلى جانب وزير الحرب بالدعوة إلى تعليق إقرار التعديلات القضائية، مما قد يقود إلى انفراط عقد الائتلاف الحكومي وفقدانه الأغلبية في الكنيست إذا لم يرضخ نتنياهو وحليفاه إلى دعواتهم ويقبلوا بحلول وسطية للأزمة، ولهذا من المرجح أن يسلك نتنياهو سبيل تأجيل إقرار التعديلات لتجنّب اتساع الأزمة واحتواء غضب المعارضة في الشارع.
هذه الأزمة العنيفة التي تعصف بكيان الاحتلال ويهدّد استمرارها وحدة وتماسك جيشه، ووجود الكيان برمّته، دفعت وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان إلى وصف نتنياهو بأنه «الخطر الاكبر على إسرائيل، أكثر من إيران وحزب الله»… فيما بات ينعت من قبل المحتجّين بالديكتاتور الذي أدخل الكيان الصهيوني في صراع داخلي حادّ أدّى إلى انقسام سياسي، وشرخ مجتمعي لم يسبق أن شهده منذ اغتصابه أرض فلسطين واعلان قيامه عام 1948…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى