أولى

مع اقتراب الملء الثالث لسد النهضة ماذا بعد؟!

 د. محمد سيد أحمد

ليست المرة الأولى التي نكتب عن أزمة سدّ النهضة بل تكاد تكون وعلى مدار السنوات العشر الماضية هي القضية الأبرز من بين قضايا الأمن القومي التي كتبت فيها وعنها. ومع اقتراب موسم الأمطار والفيضان على إثيوبيا في يوليو/ تموز من كلّ عام تبرز الأزمة من جديد وتتصدّر قائمة الأولويات.

في هذا العام ومع إعلان إثيوبيا عن نيّتها لبدء الملء الثالث للسدّ في يوليو/ تموز المقبل لا أجد جديداً يمكن أن يُضاف لكلّ ما كتبناه في التوقيت نفسه من العام الماضي حين أعلنت إثيوبيا عن الملء الثاني للسدّ، بل يمكنني الاستعانة بالمقال نفسه الذي كتبته على المساحة نفسها وبالمفردات نفسها مع تغيير بعض الكلمات خاصة كلمة (الملء الثاني) لتكون اليوم (الملء الثالث) ولنذهب لاستعارة بعض ما كتب، منذ إعلان إثيوبيا عن الملء الثالث للسد بشكل منفرد دون توقيع اتفاقية دولية ملزمة تحفظ حق دولتي المصب مصر والسودان، ونحن نتحدث ونكتب ونحلل ونرسم السيناريوات المتوقعة، ومع مرور الوقت واقتراب الموعد المحدّد للملء الثالث دون الوصول لاتفاق مع إثيوبيا كانت تتقلّص السيناريوات، ومن بين السيناريوات التي طرحناها سابقاً أربعة سيناريوات محتملة…

السيناريو الأول كنا نعتقد أنه سيأتي عبر الضغط المصري خاصة بعد تأكيد الرئيس السيسي بأنّ «مياه النيل خط أحمر، وأنّ كل الخيارات مفتوحة»، حيث اعتقدنا أنّ ذلك سيؤدي إلى تحرك المجتمع الدولي للتأثير على إثيوبيا لوقف عملية الملء الثالث للسدّ والجلوس على طاولة المفاوضات مجدّداً لإنجاز اتفاق ملزم للحفاظ على حصة مصر والسودان التاريخيّة في مياه النيل، والآن ومع قرب بدء عمليّة الملء الثالث يكون قد تبدّد هذا السيناريو، خاصة بعد إعلان مجلس الأمن عدم اختصاصه في نظر مثل تلك النزاعات في التوقيت نفسه من العام الماضي.

السيناريو الثاني الذي رسمناه هو التعنّت الإثيوبي والإصرار على الملء الثالث في موعده من طرف واحد، ورفض الجلوس على طاولة المفاوضات وفرض أمر واقع وهو ما سيدفع مصر والسودان إلى توجيه ضربة مؤثرة لتعطيل العمل في استكمال السدّ مؤقتاً حتى يتمّ إنجاز الاتفاق الملزم، والآن ومع اقتراب البدء في عملية الملء الثالث دون توقيع اتفاق ودون تحرك مصري سوداني بتوجيه ضربة مؤثرة لتعطيل العمل في استكمال بناء السدّ ولو مؤقتاً يكون هذا السيناريو قد تبدّد أيضاً خاصة مع تصريحات المسؤولين الأثيوبيين الدائمة بأنهم جاهزون للدفاع عن السدّ ضدّ أيّ محاولة لتخريبه.

السيناريو الثالث الذي رسمناه هو التعنّت الإثيوبي وتوجيه ضربة عسكرية ناسفة للسدّ من قبل مصر والسودان، وهذا السيناريو يفقد فاعليته مع مرور الوقت رغم مشروعيته، خاصة مع العجز الواضح للمجتمع الدولي عن إقناع إثيوبيا بتوقيع اتفاق دولي ملزم للحفاظ على حصة دولتي المصبّ كما تنص على ذلك القوانين الدولية المنظمة للأنهار المشتركة. وبالطبع تطبيق هذا السيناريو غير مضمون العواقب، فهذا المجتمع الدولي العاجز قد يتحرك ضدّ مصر والسودان في حال توجيه ضربة عسكرية ناسفة للسدّ وقد تنشأ حرب واسعة وفوضى عارمة في الإقليم.

 السيناريو الرابع الذي رسمناه هو تعنت إثيوبيا والضغط الدولي على مصر والسودان لقبول الأمر الواقع وعدم توجيه أيّ ضربات عسكرية أو تعطيل لاستكمال السدّ، وهو السيناريو الأقرب حتى اللحظة، وهو ما يعني موت الشعب في البلدين جوعاً وعطشاً، وبالطبع لا تسعى مصر والسودان لأيّ حلول خارج الشرعية الدولية لكنهما يبحثان عن حلّ يحفظ لهما حياة شعبهما المهدّدة؛ لذلك فالسيناريو الرابع لا يمكن أن تقبله جموع المواطنين في مصر والسودان، وهذا السيناريو يمكن أن يحدث فوضى عارمة في مصر والسودان لأنّ شعبي البلدين لن يقبلا بالانصياع للضغوط الدولية إذا قبلها القادة السياسيون في البلدين.

 لقد أصبحت قضية سدّ النهضة في اللحظة الراهنة على صفيح ساخن وواحدة من القضايا التي تشغل الرأي العام ليس في مصر والسودان وإثيوبيا فقط بل الرأي العام العالمي، فبعد إعلان فشل المفاوضات وتصميم إثيوبيا على الذهاب لحافة الهاوية بإعلانها البدء في الملء الثالث للسد دون توقيع اتفاقية ملزمة مع دولتي المصب مصر والسودان، ضاربة بحقوقهما التاريخية في مياه النيل عرض الحائط، حيث ترفض الاعتراف بالاتفاقيات المبرمة بين دول حوض النيل المختلفة سواء الثنائية أو المتعددة الأطراف بحجة أن هذه الاتفاقيات وقعت خلال مراحل الاحتلال، تكون بذلك تدق طبول الحرب.

لقد صبرنا على إثيوبيا كثيراً والوقت أصبح يداهمنا وفي غير صالحنا، لذلك فمصر تضع المجتمع الدولي بمنظماته المختلفة أمام مسؤوليتها في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، والتدخل بحسم لوقف العبث الإثيوبي بالبدء في الملء الثالث للسدّ بشكل منفرد وقبل توقيع اتفاقية نهائية ملزمة تحفظ لمصر والسودان دولتا المصب حقوقهما التاريخية في مياه النيل، وإن تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بالدور المنوط به في حفظ الأمن والسلم حول العالم يعني أنه يدفعنا دفعاً لخيار لم نكن نتمناه، وليتذكروا المقولة الفرعونيّة المسجلة على جدران المعابد «فليهرع الجنود لإنقاذ النيل، وترعى وصوله إلى معشوقته مصر». وهي المقولة التي لا يمكن أن يتنازل عنها الشعب المصري، فهل سننتظر عاماً جديداً ليكون الملء الرابع؟! لتقول إثيوبيا لقد انتهينا تماماً من بناء وملء وتشغيل السد وليحيا من يحيا وليمت من يمت، اللهم بلغت اللهم فاشهد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى