أولى

… وصمدت “الجهاد” وكرّست معادلة الردع وأجبرت نتنياهو على قبول اتفاق شبيه بتفاهم نيسان 1996

حسن حردان

خرجت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وفي الطليعة حركة الجهاد الإسلامي التي تحملت العبء الأكبر في مواجهة العدوان الصهيوني الجديد، خرجت، صامدة ولم تنحن، ومكللة بإنجاز ثمين وغالي، سيسهم في تعزيز قوتها وحضورها، وشعبيتها والتفاف واحتضان جماهير الشعب الفلسطيني لها، رغم التضحيات الجسام التي قدّمتها باستشهاد خيرة قياداتها العسكرية…
وتجلى الإنجاز في تمكّن الجهاد من الصمود في مواجهة جيش الاحتلال، رابع قوة في العالم، وتثبيت معادلة الردع في الصراع معه، وإجبار رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو على الرضوخ لبعض شروطها لوقف النار، حيث خرج من جولة المواجهة الجديدة مع المقاومة، يجرّ وراءه أذيال الخيبة والفشل في تحقيق أهدافه الأساسية من العدوان الذي بدأه بارتكاب مجزرة غادرة بحق قيادات سرايا القدس مع أطفالهم ونسائهم والعديد من جيرانهم وهم في بيوتهم.. في محاولة يائسة منه لتوجيه ضربة موجعة لحركة الجهاد الإسلامي بهدف إضعاف قوتها ودورها المقاوم، واستعادة وترميم قوة الردع الصهيونية المتآكلة، واحتواء التصدّع في ائتلافه الحكومي وتعويم شعبيته المتراجعة..
هذه النتيجة التي حققها صمود المقاومة، وفشل نتنياهو في تحقيق أهدافه، عكسها اتفاق وقف النار الذي تمّ التوصل اليه عبر مصر، ونص على ثلاث نقاط أساسية هامة وهي: “وقف استهداف المدنيين، وهدم المنازل، واستهداف الأفراد”.
وبالتوقف امام هذه النقاط الثلاث، يظهر لنا حجم الإنجاز الذي خرجت به المقاومة، وحجم الفشل الإسرائيلي…
اولا، وقف استهداف المدنيين، يشكل مكسباً للمقاومة، لأنّ استهداف المدنيين بالقتل إنما هو سياسة إسرائيلية الغاية منها الضغط على البيئة الحاضنة للمقاومة لدفعها إلى الإبتعاد عنها وتأليبها ضدّها بتحميلها مسؤولية ما يقدم عليه الاحتلال من أعمال قتل ومجازر بحق المدنيين.. ولهذا فإنّ تحييد المدنيين في الصراع مع الاحتلال إنما يحرمه من استخدام هذه الورقة في كل اعتداءاته لإرهاب الشعب الفلسطيني والضغط على المقاومة..
ثانياً، وقف هدم المنازل، أيضاً هي سياسة ينتهجها الاحتلال في كل اعتداءاته ضدّ قطاع غزة، وعائلات المقاومين الذين ينفذون عمليات ضدّ جنود الاحتلال والمستوطنين في داخل فلسطين المحتلة، ويهدف الاحتلال من خلال هدم المنازل وتدمير أحياء سكنية الى زيادة معاناة الشعب الفلسطيني وتدفيعه ثمن دعمه واحتضانه للمقاومة، ورفع كلفة المقاومة ودفع قيادتها إلى تليين مواقفها والامتناع عن مواصلة مواجهة الاحتلال.. ولهذا فإنّ إلزام حكومة العدو بالتوقف عن سياسة هدم المنازل، إنما يشكل ايضا إنجازاً للمقاومة..
ثالثاً، وقف استهداف الأفراد، وهي صيغة تعني في مضمونها وقف الاغتيالات خارج المعركة والمواجهة مع الاحتلال، أي توقف الاحتلال عن سياسية الاغتيالات غيلة وخلسة، على غرار ما ارتكبه من جريمة اغتيال قيادات الجهاد مع عائلاتهم..
لهذا يمكن تشبيه هذا الاتفاق، باتفاق تفاهم نيسان الذي تمّ التوصل اليه بين المقاومة في لبنان وكيان العدو الصهيوني عبر المفاوضات غير المباشرة تولى إجراءها وزير الخارجية الأميركي الاسبق وارن كريستوفر مع الرئيس الراحل حافظ الأسد من ناحية، والمسؤولين الصهاينة من ناحية ثانية، في خلال زيارات مكوكية بين دمشق وتل أبيب.. حيث نصّ التفاهم في حينه على تحييد المدنيين والمنشآت والمناطق الآهلة بالسكان على الجانبين، وتشريع حق المقاومة في مقاومة قوات الاحتلال الإسرائيلي والعملاء..
ولهذا وفور إعلان سريان وقف اتفاق وقف النار بين المقاومة الفلسطينية وكيان العدو الصهيوني، خرجت الجماهير الفلسطينية الى شوارع قطاع غزة بصورة عفوية تحتفل بإنجاز المقاومة ونجاحها في إحباط أهداف العدوان، وإجبار حكومة العدو على الرضوخ لعدد من شروط المقاومة لوقف النار..
في المقابل ساد الغضب والامتعاض في أوساط المستوطنين في جنوب فلسطين المحتلة.. الذين كان لسان حالهم، أعطونا مسكّناً للآلام فقط، لأنّ ما حصل لم يحقق الهدوء على المدى البعيد،
في وقت ذكرت وسائل الإعلام الاسرائيلية بانّ الجانب الأمني والعسكري لا يريد مواجهة طويلة، لأنّ الكيان غير قادر على تحمل كلفتها الباهظة.. ولهذا مارس ضغوطاً شديدة على الحكومة ورئيسها للقبول بصيغة وقف النار المقترحة من قبل الوسيط المصري..
ولهذا فإنّ نتنياهو الذي أجبر على القبول بالاتفاق، لأنّ ثمن الاستمرار في المواجهة سيكون باهظاً، فشل في تحقيق أهدافه الرئيسية من عدوانه:
ـ فشل نتنياهو في استعادة قوة الردع في مواجهة المقاومة في غزة التي خرجت من المواجهة وهي تواصل إطلاق الصواريخ حتى اللحظة الاخيرة التي سبقت الالتزام بوقف النار، وأكدت بذلك ان الكلمة الأخيرة كانت لها..
ـ فشل نتنياهو في الخروج من هذه الجولة بنصر معنوي يوظفه في الداخل الإسرائيلي على الصعيدين الحكومي والشعبي، وهذا ما أظهرته ردود الفعل الاسرائيلية، حيث اعترض حزب بن غفير على الاتفاق، فيما المستوطنون في غلاف غزة لم يروا في الاتفاق ايّ جديد يوفر لهم الأمن على المدى الطويل.. أما وسائل الإعلام الإسرائيلية فقد رأت انّ العملية العسكرية لم تكن لازمة وعديمة الجدوى لأنها بالأصل استهدفت تحقيق أهداف سياسية لحفظ الائتلاف الحكومي موحداً.
ـ فشل نتنياهو في إضعاف قوة المقاومة وقدراتها الردعية، رغم نجاحه في اغتيال قادة سرايا القدس، وكان لافتاً تعليق وزير الأمن السابق افيغدور لبيرمان على ما حصل بالقول: “لا يمكن العيش بين جولة قتال وأخرى ولا يمكننا تحمّل حزب الله اخر في الجنوب…”
ـ فشل نتنياهو في توفير الأمن للصهاينة والكيان، وجاءت ردود الفعل الإسرائيلية لتحمّله مسؤولية الفشل.. حيث أعاد الكيان إلى نقطة الصفر بعد إخفاقه في ترميم قوة الردع الصهيونية…
ـ فشل منظومات الدفاع الجوي الاسرائيلية، “القبة الحديدية، ومقلاع داوود”، في إسقاط معظم صواريخ المقاومة مما عكس نجاح المقاومة في التشويش عليها واضعاف فعاليتها…
ـ فشل نتنياهو في إثارة الفتنة بين صفوف حركات المقاومة الفلسطينية التي نجحت في إدارة المعركة بشكل موحدة عبر غرفة العمليات المشتركة واعتماد تكتيكات جديدة في مواجهة العدوان أحبطت أهدافه.
اما بشأن مدى التزم كيان الاحتلال بنص الاتفاق في المستقبل، فلا توجد ضمانات سوى معادلة الردع التي كرّستها المقاومة، وحقها في الردّ على ايّ انتهاك من قبل العدو للاتفاق، فيما حكومة العدو ستكون موضع اتهام من قبل الرأي العام الإسرائيلي في حال خروجها عن الاتفاق باعتبارها المسؤولة عن تهديد امن المستوطنين واستقرارهم ..
خلاصة القول، ان صمود الجهاد الإسلامي لوحدها في مواجهة آلة الحرب الصهيونية، ونجاحها في الخروج من هذه الجولة من المواجهة بإنجاز دون أن تنكسر أو ترضخ لشرط نتنياهو القاضي بوقف متبادل للنار من دون شروط، فهذا أمر ليس بسيطاً، بل يعكس تنامي قدرات سرايا القدس ونجاحها في بناء بنية عسكرية قادرة على مقارعة جيش الاحتلال ومنعه من تحقيق أهدافه، وتثبيت معادلة الردع في الصراع معه.. رغم الأثمان الكبيرة التي دفعتها باستشهاد خيرة قياداتها العسكرية.. ولهذا فإنّ الجهاد لا شكّ سوف تستفيد من هذه المواجهة بما يمكنها من سدّ الثغرات التي ظهرت، وتعزيز قدراتها استعداداً لجولات مقبلة مع جيش الاحتلال…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى