هل يفعلها طلاب الجامعات الأميركية؟

د. محمد سيد أحمد

ما أشبه الليلة بالبارحة، فعندما قرّر طلاب جامعة كولومبيا في نيويورك الاعتصام داخل الجامعة احتجاجاً على حرب الإبادة في غزة والتي يمارسها العدو الصهيوني ضدّ شعبنا الفلسطيني الأعزل على مدار ما يزيد عن 200 يوم، فقرّرت رئيسة الجامعة أميركية الجنسية مصرية الأصل إصدار أوامرها للشرطة الأميركية، بتفريق اعتصام الطلاب بالقوة والقبض على عدد كبير منهم، فاشتعلت النيران في معظم جامعات أميركا حيث أكدت التقارير الإعلامية أنّ المظاهرات والاعتصامات قد انتقلت إلى معظم الجامعات الأميركية الكبرى حيث وصلت لما يزيد عن 200 جامعة، بل بدأت في الانتقال إلى الجامعات الأوروبية وكانت أولى هذه المظاهرات بجامعة السوربون في فرنسا، وهو ما يشبه احتجاجات الطلاب في الستينيات من القرن الماضي حين اندلعت التظاهرات الطلابية في ربيع عام 1968 بجامعة هودر الأميركية وكانت حينها ضد سياسات التمييز العنصري ضد الأميركيين السود والمنعكسة في البرامج التعليمية للجامعات الأميركية، وبعد أسابيع قليلة شهدت جامعة كولومبيا أولى الاحتجاجات الطلابية على تورّط الولايات المتحدة الأميركية في حربها على فيتنام، والتي انتقلت لأوروبا وتحوّلت مع الوقت إلى ثورة طلابية كبيرة في فرنسا أطاحت بحكم الجنرال شارل ديغول، وأنهت الحرب الأميركية في فيتنام، وأصبحت أيقونة لكلّ الحركات الطلابية حول العالم.
وما بين الأمس واليوم تسقط شعارات الحرية والديمقراطية المزعومة والتي تتغنّى بها الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين، فما أن تحرك الطلاب مندّدين بالعدوان الصهيوني على غزة والذي أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 34 ألف شهيد، ومطالبين بوقف وإنهاء الإبادة الجماعية، وامتناع الجامعات عن إنفاق أصولها الكبرى في شركات تصنيع الأسلحة أو غيرها من الصناعات التي تدعم حرب الكيان الصهيوني ضدّ غزة والتي تحوّلت إلى أكبر كارثة في التاريخ الحديث، بدعم الولايات المتحدة الأميركية التي وافق مجلس شيوخها قبل بضعة أيام على حزمة مساعدات مالية بقيمة 95 مليار دولار، لأوكرانيا وتايوان والكيان الصهيوني، منها 26 مليار دولار كانت مساعدات عسكرية لهذا العدو الصهيوني، وكانت ردة الفعل من الإدارة الأميركية بإعطاء إشارة البدء للشرطة بممارسة العنف والقمع، وفض التظاهرات والاعتصامات بالقوة، وطرد الطلاب المحتجين من الجامعة، وقد أشارت بعض التقارير الصحافية أن عدد المعتقلين قد وصل إلى المئات، حيث تمّ اعتقال 108 من الطلاب في كلية إيمرسون في بوسطن، و93 طالباً في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس، و34 طالباً في جامعة تكساس في أوستن، و100 طالب في جامعة كولومبيا في نيويورك، و45 طالباً في جامعة ييل، وأكدت التقارير أنّ هذه هي أحدث الاحصائيات المعلنة من الجامعات الأميركية.
ولم تكتف الإدارة الأميركية بقمع الطلاب واعتقالهم، بل خرج علينا الرئيس الأميركي جو بايدن ليؤكد دعمه للعدو الصهيوني في محاولة لكسب تأييد اللوبي الصهيوني له في الانتخابات الرئاسة المزمع عقدها في نوفمبر المبل حيث أكد أنّ الحراك الطلابي معاد للسامية وأن “معاداة السامية أمر مثير للاشمئزاز ولا مكان له في أميركا”، وعلى نفس الموجة تحرك رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو ولكن بقوة وغضب أكبر حيث وصف الطلاب الأميركيين بأنهم “غوغائيون معادون للسامية”، وادّعى أنهم “استولوا على أفضل الجامعات في البلاد ويريدون تدمير إسرائيل”، ويلاحظ أنّ كلام كل من جو بايدن وبنيامين نتنياهو يسعى لتشتيت الرأي العام وإدانة الحركة الطلابية لوأد الحراك الطلابي الأميركي في مهده.
لكن يبدو أنّ سياسة بايدن ونتنياهو لن تأتي بالنتائج المرجوة، فرداً على تصريحات نتنياهو المتشددة قام السيناتور الأميركي بيرني ساندرز بتذكيره بأعداد الشهداء الفلسطينيين في غزة وجرائم الجيش الصهيوني هناك وقال “سيد نتنياهو لا تستهن بذكاء الشعب الأميركي من خلال صرف الأنظار عن سياستك الحربية اللاأخلاقية وغير القانونية والمتطرفة والعنصرية، لا تستخدم معاداة السامية لصرف الانتباه عن لائحة الاتهام الجنائية التي تواجهها في المحاكم الإسرائيلية، إنّ مواجهة التهم في هذه المحاكم ليست معاداة للسامية”، وقد أدّت اعتداءات الشرطة على الطلاب واعتقالهم في الجامعات الأميركية المختلفة إلى كسر حاجز الصمت لدى العديد من الشخصيات والمنظمات الدولية المؤثرة، حيث أدانت منظمة العفو الدولية هذا السلوك العنيف، وأكدت على أهمية “الحق في الاحتجاج” وقالت في بيان لها “نطالب الجامعات الأميركية بدعم حقوق الطلاب في المظاهرات السلمية والآمنة”.
ومن الملاحظ أن الحركة الطلابية الأميركية التي بدأت في الستينيات من القرن الماضي قد وصلت اليوم لمرحلة من النضج السياسي لن تفلح معها كلّ محاولات القمع خاصة مع التطور المذهل في وسائل الإعلام حيث أصبح كلّ طالب يمتلك وسيلته الإعلامية الخاصة ويمكن أن ينقل الحدث فوراً وبشكل مباشر لقطاعات واسعة من الرأي العام ليس فقط المحلي بل العالمي، لقد أظهرت الحركة الطلابية المؤيدة للشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من النهج الأمني القمعي الذي تمارسه الشرطة الأميركية، أنّ النظام الصهيوني قد فشل سواء في ساحة المعركة أو في الدعاية والحرب الإعلامية، فقد أنفق الصهاينة بمساعدة لوبي “إيباك” مليارات الدولارات لسنوات من أجل تغيير عقلية الأميركيين تجاه الكيان الصهيوني، لكن الأحداث الأخيرة كشفت عدم جدوى هذه الإعلانات، لذلك نقول هل يفعلها طلاب الجامعات الأميركية اليوم وينهون الحرب في غزة، كما فعلها أباءهم وأجدادهم في الستينيات بإنهاء الحرب في فيتنام، نتمنى ذلك، اللهم بلغت اللهم فاشهد…