أولى

«الإيغور»… سلاح أميركي لتطويع «الشرق الأوسط» وتطويق أسوار الصين

‭}‬ محمد حمية
تُعدّ مشكلة الإرهاب أبرز التحديات التي تواجه العالم منذ عقود عدة، وقد استخدمت التنظيمات المتطرفة والإرهابية كثيراً في الصراعات الدولية والإقليمية، لا سيما من قبل الولايات المتحدة الأميركية في الحرب مع الاتحاد السوفياتي سابقاً وما يُعرف بالحرب «الشيشانية»، وفي الشرق الأوسط في العراق وسورية ولبنان، ولم تسلم أفريقيا ودول خليجية وأوروبية من هذه الظاهرة الخطيرة.
ليس هناك أدلّ على ذلك أكثر من إقرار وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في الكتاب الذي أصدرته بعنوان «Hard Choices» بأنّ «أميركا قد درست مشروع تنظيم «الدولة الإسلاميّة» في العراق والشام وأحالته على التنفيذ، وقد كان منتظراً أن تقام هذه الدولة بسيناء المصريّة، وأن تلاقِي اعترافات واسعة بها من دول كثيرة وكبرى فور إعلانها». وكذلك لا يمكن نسيان على سبيل المثال الحي والميداني لا الحصر مشاهد تقدّم قوات تنظيم «داعش» من محافظة عراقية الى أخرى تحت عيون طائرات القوات الأميركية و»التحالف الدولي» ومساعدتها ودعمها العسكري والتقني والأمني واللوجستي لهم وتسهيل انتقالهم الى المحافظات السورية، وأيضاً الدعم الإسرائيلي الذي لاقته «جبهة النصرة» من القوات الاسرائيلية في الجولان والقنيطرة وغيرهما.
تتعدّد أسماء المنظمات الإرهابية وتتنوّع ولاءاتها ومصادر تمويلها وإيديولوجياتها وأهدافها، لكنها وجوه لعملة واحدة وُجِدت وأنشئِت لتخديم السياسات الدولية للقوى المهيمنة على القرار الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة وبتمويل قوى إقليمية عدة. وأبرز هذه التنظيمات والحركات، تنظيم «القاعدة» الذي استعمل لتفكيك الاتحاد السوفياتي، وحركة «طالبان» التي كان هدف إسقاط نظامها ذريعة للحرب الأميركية على أفغانستان في العام 2001 بعد أحداث 11 أيلول 2001 للسيطرة على وسط آسيا وقطع الطريق أمام الخط الاستراتيجي والحيوي الذي يربط ما بين الصين وإيران والعراق وسورية عبر باكستان وأفغانستان وصولاً الى البحر المتوسط، وكذلك تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق والشام «داعش» وتنظيم «النصرة» التي وظفت للسيطرة على الشرق الأوسط وتقسيمه ونشر التطرف والفتنة المذهبية والطائفية في دوله، لا سيما خلال الحرب الأميركية في العراق 2003 والحرب على سورية 2011، فضلاً عن دعم واشنطن لـ»حركة استقلال تركستان الشرقية» التي تطالب باستقلال الأقلية «الإيغورية» عن الحكومة المركزية الصينية.
لم تكتفِ واشنطن باستخدام الإرهاب في الشرق الأوسط، بل وسّعت نشاطها الاستخباري الى وسط آسيا حيث خطوط التماس مع الصين التي تشكل الخطر الأكبر على الولايات المتحدة الأميركية.. وكما في روسيا والعراق وإيران وسورية ولبنان، فقد استخدمت الإرهاب كسلاح لخلخلة الأمن والتركيبة العرقية والإثنية الصينية، بهدف احتواء الصعود الاقتصادي والتجاري والمالي الصيني الهائل والحؤول دون تجييره سياسياً على الساحة الدولية والآسيوية والإفريقية بشكل خاص.
فمن هم «الإيغور»؟ وما أهدافهم؟
«الإيغور» هم جماعة عرقية مسلمة تعيش في شمال غرب الصين منذ قرون. يعيش قرابة 10 ملايين من الإيغور في شينجيانغ، كما يعيش مئات الألوف منهم في البلدان المجاورة، بما في ذلك كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان. ومنطقة شينجيانغ غنية بالموارد الطبيعية.
تعرّضت الصين الى اتهامات كثيرة من الولايات المتحدة وبريطانيا بارتكاب إبادة جماعية ضدّ أقلية «الإيغور»، وأبرزها اتهام من محكمة غير رسمية في بريطانيا. لكن الحكومة الصينية تنفي هذه الاتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في شينجيانغ، ويرى المسؤولون الصينيون إنّ هذه المحكمة هي «محكمة زائفة» و»أداة سياسية يستخدمها عدد قليل من العناصر المناهضة للصين، لخداع وتضليل الجمهور».
وظهر الدور الإرهابي لـ»الإيغور» جلياً في الحرب على سورية، ففي العام 2017 كشف السفير السوري لدى الصين عماد مصطفى، أنّ «ما يصل إلى خمسة آلاف من الإيغور من منطقة شينجيانغ التي تشوبها الاضطرابات في غرب الصين يقاتلون مع جماعات متشددة مختلفة في سورية»، مضيفاً أنّ «على بكين أن تشعر بقلق بالغ بشأن ذلك». وقال: «إنّ بعض الإيغور يحاربون مع الدولة الإسلامية فيما يقاتل أغلبهم «تحت رايتهم الخاصة» للترويج لقضيتهم الانفصالية، ويتراوح عددهم بين أربعة وخمسة آلاف جهادي».
ويذكر الكاتب الأميركي سيمور هيرش في مقالة نشرها بداية 2016، إن حوالى 5000 إيغوري انتقلوا إلى تركيا ما بين 2013 وخريف عام 2015.
كما نشر تنظيم «داعش» إصداراً دعائياً خصّصه لتوجيه تهديد غير مسبوق للصين بأنها باتت هدفاً للتنظيم الإرهابي، وذلك في تصعيد كبير، علماً بأنّ «داعش» كان قد أصدر في صيف عام 2015 مقطعاً دعائياً آخر تضمّن مقابلات مع بعض الإيغور ممن انتقلوا إلى مناطق سيطرة تنظيم «داعش».
الدور التركي في جذب واستقطاب عناصر هذا التنظيم الى سورية وتقديم الدعم الاستخباري والعسكري والأمني له بالتعاون مع الاستخبارات الأميركية، بدا واضحاً من خلال الانتشار الجغرافي لعناصر «الإيغور» على الحدود السورية مع تركيا، وتحديداً في محافظة إدلب وجبل الزاوية.
وبحسب إحصاءات تقريبية للأجهزة الأمنية السورية، فإنّ ما لا يقلّ عن 600 إرهابي «إيغوري» قتلوا خلال عام واحد في معارك ريف حماه ومعارك حلب، بعدما قدّم الحزب التركستاني عماد قوات «جيش الفتح» الهجومية من الانغماسيين والانتحاريين، فضلاً عن تجهيز عددٍ كبيرٍ من الآليات والسيارات المفخخة واستخدامها ضدّ قوات الجيش السوري وحلفائه في الشمال.
صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية كشفت آنذاك معلومات عن تقرير أعدّه «مركز الأبحاث السياسية في وزارة الخارجية الإسرائيلية» حول وجود 3 آلاف إرهابي صيني من «الإيغور» يقاتلون في سورية إلى جانب التنظيمات الإرهابية، لا سيّما «جبهة النصرة» و«داعش» و«الحزب الإسلامي التركستاني». وركز التقرير على «التعاون العسكري والأمني المضطرد بين المنظومة الأمنية الصينية والأجهزة الأمنية السورية، ونيّة الصين رفع دعمها العسكري للجيش السوري بغية قتال الجماعات التكفيرية، وتحديداً المقاتلين ذوي الأصول الصينية، الذين تعتبرهم بكين خطراً مستقبلياً عليها، وخصوصاً في إقليم «شينجيانغ» غرب البلاد».
دور «الإيغور» في الحرب على سورية والقلق من عودتهم الى الصين الأمر الذي يهدّد الأمن القومي الصيني كان السبب الرئيسي لسياسة بكين التي اتخذتها تجاه الحرب في سورية والإصطفاف الى جانب روسيا الى جانب الدولة السورية، وتقديم الدعم السياسي والديبلوماسي وكذلك العسكري للدولة في سورية، إذ حصل الجيش السوري على 8 طائرات صينية من دون طيّار لاستخدامها في رصد تحركات المقاتلين «الإيغور» في إدلب.
وشكل الفيتو الصيني الى جانب الفيتو الروسي في مجلس الأمن الدولي العامل الحاسم في إسقاط أيّ قرار دولي بالحرب على سورية، وكان الفيتو الصيني وقتذاك الفيتو الأول التي تتخذه الصين في مجلس الأمن بالتصويت على القرارات الدولية بعد عقود من سياسة الحياد والنأي بالنفس وعدم التصويت التي كانت تتبعها أزاء الأزمات والحروب الدولية والإقليمية.
لا يمكن فصل استخدام الولايات المتحدة للسلاح الإرهابي في سورية لتعزيز قوة «الإيغور» وبناء كيانهم الإنفصالي وتهديد أسوار الصين، عن محاولات واشنطن الدائمة لتحريك «تايوان» لتهديد أمن الصين. فمع سقوط مشروع الإرهاب وإسقاط سورية وإعادة إحياء مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، شكل ضربة قاسمة لمشروع الكيان الإنفصالي في الصين، ليتقدّم مشروع «تايوان» من جديد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى