أولى

حزب الله ألزم “إسرائيل” بقواعد اشتباك رادعة فلماذا لا تُلزمها سورية بقواعد مماثلة؟

 د. عصام نعمان*

 ضربتان وجهتهما “إسرائيل” لمرفأ اللاذقية السوري خلال عشرين يوماً في الشهر الماضي، ناهيك عن عشرات الضربات في كلّ أنحاء سورية خلال العام المنصرم، خصوصاً قرب مطار حميميم حيث القاعدة العسكرية الجوية الروسية.

لماذا لم تردع روسيا “إسرائيل” عن اعتداءاتها؟

جوابُ روسيا كان غامضاً. قالت إنّ الدفاعات الجوية السورية لم تعترض الطائرات الحربية الإسرائيلية المغيرة لأنّ طائرة روسية كانت أثناء الإعتداء تهبط في مطار حميميم !

 تفسيران جرى تداولهما إعلامياً لإحجام الدفاعات الجوية السورية عن الردع:

 الأول، قيام السلطات الروسية بإعلام “إسرائيل” مسبقاً بموعد هبوط الطائرة الروسية في مطار حميميم. الثاني، معرفة الاستخبارات “الإسرائيلية” بمواعيد هبوط الطائرات الروسية.

 كلا التفسيرين، في حال صحتهما، غير مقنعين خصوصاً لاقترانهما بمعلومة قديمة مفادها انّ موسكو تتحكم بالدفاعات الجوية من طراز 300 S كانت زوّدت الجيش العربي السوري بها منذ سنوات.

 ثمة تفسير ثالث في هذا المجال يفتقر الى إثبات مفاده انّ هناك اتفاقاً ضمنياً بين موسكو وتل ابيب بأن تغضّ القوات الروسية في سورية النظر عن قيام “إسرائيل” بقصف ما تدّعي انه مواقع صواريخ إيرانية في سورية لأنها، اي روسيا، باتت حسّاسة لتزايد نفوذ إيران فيما تريد هي ان تبقى لها اليد العليا في بلاد الشام.

أياً ما كان السبب لتمادي الكيان الصهيوني في اعتداءاته على سورية فإنّ الأمر بات خطيراً ومكلفاً ويستوجب معالجة عاجلة. ذلك ان الضربة “الإسرائيلية” الأخيرة لساحة الحاويات في مرفأ اللاذقية تسبّبت، بحسب تقارير موثوقة، بإضرار فادحة لا تقلّ عن 350 مليون دولار هي قيمة المواد والسلع الغذائية المستوردة والمرصوفة هناك.

 لماذا تتقصّد “إسرائيل” استهداف مرفأ اللاذقية بهذه الضراوة؟

 ثمة مراقبون استراتيجيون يعتقدون انّ القيادتين السياسية والعسكرية في “إسرائيل” ادركتا اخيراً ان الولايات المتحدة عازمة، عاجلاً او آجلاً، على إحياء الاتفاق النووي مع إيران من دون تضمينه قيوداً جديدة على برنامجها النووي ولا على صناعتها الصاروخية البالستية المتقدمة، كما مصرّة على رفض المشاركة في ضرب المنشآت النووية والصناعية الإيرانية ما حمل “إسرائيل” على اعتماد الحصار والحرب الاقتصادية الى جانب عمليات القصف المتكررة للمواقع العسكرية السورية كبديل من ضرب المنشآت النووية والصاروخية الإيرانية.

 هذا البديل الاستراتيجي الإسرائيلي يحظى بقبول بل بتشجيع من الولايات المتحدة التي لاحظ مراقبون متابعون أنها لم تكتفِ مؤخراً بوقف سحب قواتها من سورية عقب خروجها المهين من أفغانستان بل قامت بتعزيزها ولاسيما في مناطق شرق الفرات ودير الزور حيث آبار ومكامن النفط والغاز، كما قامت بتقديم دعم سياسي ولوجستي سخي لـِ تنظيم “قسد” (قوات سورية الديمقراطية الكردية) وحملتها على قطع المفاوضات مع الحكومة السورية، وحثتها على تشديد المطالبة بعدم المسّ بترتيبات الحكم الذاتي التي اعتمدتها كنواة لإقامة دولة انفصالية كردية او للضغط لإعتماد دستور سوري جديد على أساس الفدرالية.

أاكثر من ذلك، يرى بعض الخبراء الاستراتيجيين ان ثمة مخططاً صهيوأميركياً يرمي الى تقسيم سورية او شرذمتها في الأقلّ بين كيانات اثنية ومذهبية وتحويلها تالياً دولةً حاجزة او عازلة Buffer State  بين إيران والبحر الأبيض المتوسط وبالتالي بينها وبين لبنان وفلسطين المحتلة وسورية والعراق بغية إضعافها وتعطيل تأثيرها ونفوذها وبالتالي ردعها، وان ما تقوم به الولايات المتحدة، ومن ورائها “إسرائيل”، منذ سنوات ضد سورية عسكرياً واقتصادياً يرمي الى تحقيق هدفهما الاستراتيجي.

 هذا المخطط الخطير يستوجب بالتأكيد رداً في مستوى وزنه الثقيل إذ انّ حكومات لبنان وسورية والعراق عازمة على البدء بورشات واسعة للإعمار والتطوير والانماء، وذلك لن يكون متيسّراً اذا ما استمرت الولايات المتحدة و«إسرائيل” مثابرتين على تنفيذ مخططهما. من هنا ينهض سؤال ضاغط: لماذا لا تُلزم سورية “إسرائيل” بقواعد اشتباك رادعة مماثلة لتلك التي ألزم حزب الله بها “إسرائيل” بعد حرب العام 2006؟

يتبرّع البعض بجواب مفاده انّ سورية منشغلة منذ العام 2011 في مواجهة ثلاثة أعداء ناشطين في الوقت نفسه: الكيان الصهيوني في جنوب البلاد، والقوات الأميركية التي تحتل مساحات واسعة في شرقها (التنف) وفي شمالها الشرقي (محافظة الحسكة) وتركيا التي تحتل محافظة ادلب وترعى تنظيمات إرهابية ناشطة فيها، كما تناور في علاقتها مع فريق الكرد السوريين (“قسد”) الذي تدعمه الولايات المتحدة، وانّ هذا الواقع الخطير والمعقّد يمنعها من مواجهة “إسرائيل” على الأسس نفسها التي يعتمدها حزب الله في لبنان، وان انشغال إيران بمواجهة هجمة الحصار والعقوبات الأميركية المفروضة عليها منذ 1979 تحول دون مطالبتها بمزيد من الدعم المالي والعسكري لمواجهة “إسرائيل” على نطاق واسع.

هذا الجواب ينطوي على وقائع صحيحة، لكن التذرّع بها غير مقبول لأنّ حزب الله يستمرّ في مواجهة “إسرائيل” رغم تحديات شتى أهمّها:

ـ انه يواجه عدوين شرسين: “إسرائيل” في الجنوب وتنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية في الداخل.

 – لبنان بكلّ فئاته وقواه السياسية والاجتماعية يعاني هجمةً صهيوأميركية للتفريق والاقتتال بين طوائفه.

 – لبنان يعاني بكلّ فئاته حرباً اقتصادية تشنّها عليه أميركا وحلفاؤها في سياق الحرب السياسية والأمنية على حزب الله.

ـ إيران ثابرت على دعم حزب الله مالياً وعسكرياً رغم انشغالها بمواجهة هجمة الحصار والعقوبات الأميركية عليها.

في ضوء هذه الواقعات والتطورات يمكن الخروج بالملاحظات والتوصيات الآتية:

أولاها انّ ثمة ما يشير الى انّ مفاوضات فيينا تتجه نحو إحياء الإتفاق النووي وانّ ذلك سيؤدّي الى تحرير مليارات الدولارات العائدة لإيران المحتجزة في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الحليفة.

ثانيتها انّ استمرار الهجمة الصهيوأميركية على سورية يضرب هيبة حكومتها ويُضعفها أمام أعدائها في الداخل ويساعد خصومها جميعاً على تنفيذ مخططهم التقسيمي.

 ثالثتها انّ ما تمتلكه سورية من قدرات يفوق ما يمتلكه حزب الله، وانّ ما يمكن ان تقدّمه لها إيران في المواجهة المرتقبة سيفوق نسبياً ما سبق لها ان قدّمته لحزب الله لتمكينه من فرض قواعد الاشتباك الرادعة على “إسرائيل”.

 رابعتها انّ “إسرائيل” تعاني اختلالات اقتصادية واجتماعية مربكة تتيح لسورية الإقدام على مواجهتها مرحلياً دونما تداعيات مكلفة.

خامستها إنّ العامل الأساس في نجاح حزب الله في فرض قواعد الاشتباك الرادعة على “إسرائيل” هو ارادة القتال. فمتى توفّرت إرادة المواجهة يتقلّص الكثير من المعوّقات.

 أما آنَ الأوان لتظهّر سورية إرادتها وقرارها بمواجهةٍ معجّلة؟

_ نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى