أولى

محمد صلاح… بطل مقاوم في زمن التطبيع والانبطاح

‭}‬ د. جمال زهران*
محمد صلاح… ذلك الشاب المصري، الذي لم يتجاوز الـ (22) عاماً، أيّ لم يبلغ ربع قرن (25 سنة) بعد، الذي قام بتخطي الحدود وكسر الحواجز، وقطع الأسلاك، والمشي على قدميه، 5 كيلوات في عمق أرض فلسطين المحتلة، وتربّص بالأعداء الصهاينة، ليضرب بقوة في كمين صهيونيّ يضمّ مجنّداً ومجندة، فأرداهما قتيلين فوراً، وبسلاح بدائي، في مواجهة تسليح «أميركي» عالي التقدّم! فأخذهما على غرّة، وقيل بشأنهما أنهما كانا في حالة «هيمان» جنسيّ، حسبما وردت الرواية الصهيونية، وتمّ توجيه التهمة لهما بالإهمال! ولا شك في أنّ جزءاً من هدف هذه الرواية، التقليل من بطولة محمد صلاح، أنه أخذهما غدراً، وقتلهما بدم بارد، دون أن تحدث حالة اشتباك حقيقية!
ولم يتوقف البطل عند هذا الحدّ، بل اختبأ تحت شجرة الزيتون، ولم يظهر طلته، إلا في حالة اشتباك حقيقيّة لم ينكرها العدو الصهيوني، فقتل الثالث، وأصاب اثنين آخرين، قتل أحدهما في ما بعد، ليصبح عدد القتلى الصهاينة 4 أفراد مجندين ـ غير معروفي الرتب حتى الآن ـ وأصيب خامس، بجروح كبيرة ستودي بحياته عما قريب، ليصبح البطل محمد صلاح (قاتل الصهاينة الخمسة)، والامتداد الطبيعي للبطلين سليمان خاطر، وأيمن حسن، اللذين قتلا ما يزيد عن العشرين صهيونياً.
إنّ محمد صلاح، بطل حاز من الشعبية في مصر وكلّ الوطن العربي، بل وفي العالم كله، والتواصل الاجتماعي بجميع أنواعه، يشهد بذلك. بل إنّ فعلته هذه أكدت معاني عظيمة بلا حدود، وهزمت بالضربة القاضية حكام التطبيع مع الكيان الصهيوني، ودعاته، وهم محدودون، لا يتخطّون عدد أصابع اليد الواحدة في كل قُطر، قرّر حكامه التطبيع!
ولا تزال الروايات تتردّد، دون معرفة الحقيقة الكاملة بعد. فعلى الجانب المصري، أعلنت رواية أنه كان يطارد مهرّبي المخدرات الذين تخطّوا الحدود، وهي رواية تتسم بالسذاجة، لكن الخطير فيها، هو التبرّؤ مما فعله البطل محمد صلاح، ونزع صفة البطولة عنه، الأمر الذي جعل من الإعلام الرسمي، يردّد ذلك، والغالبية منه، اتهمته بالإرهاب وتعكير الصفو بين الطرفين الصهيوني والمصري، والبعض الآخر ذهب خياله، أنّ محمد صلاح ـ البطل ـ قد هدّد الأمن القومي المصري (وقد يكون العربي كله بل والعالمي)! ووصفه البعض بأنه إرهابي، وهؤلاء يتّسمون بالسذاجة وانعدام النخوة والرجولة والوطنية، ويدعمون الاستسلام والانبطاح والانهزامية أمام عدو صهيوني غادر، قتل أحد أبناء الشعب المصري وهو محمد صلاح، وقد تجاهل الإعلام المصري ذلك، على خلفية أنّ ما يهدّدهم، هم، فهو الإرهابي، وليس البطل. وتناسى هؤلاء المنبطحون، معدومو النخوة والرجولة، أنّ محمد صلاح، كما روت بعض الروايات الأقرب إلى الحقيقة، قد ثأر لزملاء له… شاهدهم قتلى بسلاح الصهاينة أمام عينيه، دون أن تفصح السلطات المصرية عن ذلك، بل بلغ عدد الذين استشهدوا على الحدود خلال العام الأخير فقط أكثر من ثلاثين مصرياً من الجنود، بأيدي الصهاينة!
أما عن انعكاسات هذا الحدث، وهو بطولة الشاب المصري/ محمد صلاح، الذي ثأر لكلّ الذين استشهدوا من مصريين وعرب، ومن أسرى عُزل، ومن حُماة حدود، ومن شركائنا في العروبة وفي قضيتنا المركزية (فلسطين المحتلة)، الذين يتعرّضون لأبشع أنواع التعذيب والاعتقال والإهانة والقتل العمدي، والتغوّل على حقوقهم في الأرض المحتلة، لقد ثأر محمد صلاح لكلّ هؤلاء، وكانت الابتسامة تعلو وجهه الجميل، ليذهب روحاً استشهادية، ليلقى التكريم الأكبر الذي يستحقه، عند إله الكون ـ رب العالمين.
كما أنّ البطل محمد صلاح، قد أكد في ما ذهبت إليه وآخرون، أنّ الشعب المصري قدّم ولا يزال وسيظلّ، أروع موقف في مقاومة التطبيع، وسلام الهدنة والاستسلام الذي وقعه السادات وحماه من جاء بعده. فهو يرفض التطبيع، ويرفض المهادنة مع العدو الصهيوني، ويرفض معاهدة كامب ديفيد، ويرفض إعطاء الشرعية للكيان الصهيوني، أو للحكام المطبّعين معه، كما يرفض أيضاً ما تفعله الحكومة من تعاون واتفاقات مع الكيان الصهيوني، حتى اتفاقات الغاز طويلة الأمد أو حتى القصيرة منها، بل أكد الشعب المصري أنه منفصل تماماً عن الحكومة التي توقع اتفاقات منعدمة الشرعية، والتي لا تعرض على البرلمان طبقاً للدستور (مادة 151).
إذن الشعب المصري في وادِ، والحكومة والنظام في وادِ آخر، في ما يتعلق بالتعامل مع الكيان الصهيوني. وأؤكد أنه لا يجرؤ مواطن صهيوني أن ينزل للقاهرة، ويفصح عن هويته، وأن يرتدي الزيّ الصهيوني وقبّعته، ويتواجد في أيّ فندق في مصر الواسعة، باستثناء «طابا»، المجاورة للحدود مع فلسطين المحتلة، وتحت حماية ضخمة من الشرطة المصرية هناك، وإلا حدث ما لا يُحمَد عقباه، حيث من الممكن أن يكون هناك آلاف من نوعيّة محمد صلاح البطل.
لقد أكد محمد صلاح، أنّ مقولات المقاومة منذ أيام عبد الناصر سليمة، فـ «ما أُخذ بالقوة لن يُستردّ بغير القوة»، ولا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض، وأنّ ما حدث في كامب ديفيد وما تلاه، هو مجرد «هدنة مؤقتة»، كما قال أحد قادة حرب أكتوبر الكبار (المشير محمد أبو غزالة)، سينبلج الفجر، لإلغائها واكتساح الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين كاملة وفي القلب منها تحرير بيت المقدس، بإذن الله.
لقد انتصر محور المقاومة، ونحن داعمون ومؤيدون، بهذا الحدث البطوليّ واسمه (محمد صلاح) الذي نال ردود فعل غير مسبوقة تجاوزت مساحات الاهتمام بما يحدث يومياً في الأرض المحتلة، لأنها هي مصر يا سادة. فلا حرب بدون مصر، ولا سلام بدون سورية. فهل يعي جميع الأطراف الرسالة والدرس؟!
إنني لفخور بك، يا أيها البطل المغوار (محمد صلاح)، فهو إبن محافظتي العتيقة، من قرية «العمار» ـ محافظة القليوبية، وسيأتي اليوم ـ وهو قريب بإذن الله ـ الذي نقيم فيه احتفالاً يليق بشجاعتك وبطولتك، وكنت رأس الحربة لكل مناضل عروبي شريف، يضع فلسطين في القلب، ووسيلته المقاومة العسكرية المسلحة، لتحريرها، والله المستعان.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى