مقالات وآراء

شماعة السلاح والهواجس بين الحقيقة والوهم

‭}‬ خضر رسلان
لبنان، منذ نشأته، من أكثر الدول نسبة الى مساحته وعدد سكانه متنوّع طائفياً حيث يعيش فيه نحو 18 كياناً معترفاً به، وعلاته ومشاكله متجذرة قبل وجود ما يُسمّى السلاح أو حتى قبل زرع الكيان الإسرائيلي في المنطقة، فالانقسام والتباين الطائفي انما تأصّل وظهر بشكل واضح في لبنان منذ عام 1840 تاريخ إقرار نظام المحاصصة الطائفية الذي جعل الدولة رهينة الحسابات والتوازنات الطائفية وعرضة للابتزاز والانتهازية مما سهّل للأطراف الخارجية استغلال العامل الطائفي لتحقيق مصالحها داخل الدولة التي بقي السوس ينخر في هيكلها، ما حالَ دون المبادرة الى تطبيق عددٍ من الإصلاحات التي تمّ إقرارها في اتفاق الطائف والذي على رأسها إلغاء الطائفية السياسية وقانون انتخاب خارج القيد الطائفي وغيرها من البنود.
السؤال الذي يطرح نفسه في ظّل الوارد أعلاه من وجود كيانات متعدّدة وولاءات متنوعة وأهداف مختلفة وفي ظلّ وجود مصالح لدول ذات نفوذ في الداخل اللبناني فضلاً عن دولة محتلة مدجّجة بأحدث أنواع الأسلحة تقبع على حدود الوطن تهدّد الحجر والبشر، هل يصبح الحديث عن هواجس ما مبرّراً؟
وللإجابة على هذ السؤال لا بدّ من دراسة السياق الزمني لتاريخ لبنان والمنطقة منذ ما قبل وأثناء قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين :
لا بدّ من الإشارة بداية إلى أنّ خيار الجنوبيين الذين لجأوا الى السلاح والحماية كان الدولة ورعايتها، وقد ظهر ذلك جلياً حينما وجّه قائدهم آنذاك الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين كتاباً إلى رئيس الجمهورية اللبنانية بشارة الخوري يحثه فيه على حماية ورعاية السكان الذين اكتووا بنار الصهاينة واعتداءاتهم وعملياتهم العسكرية التي شملت معظم القرى والبلدات الحدودية، وحتى القرى الجنوبية البعيدة عن الحدود، وتمثلت هذه الاعتداءات بغزو القرى وقتل المواطنين، وضرب البنية الاقتصادية والاجتماعية، ودفع الأهالي الى النزوح، وسبق ذلك خرق العصابات الإسرائيلية الحدود الجنوبية للبنان وذلك ضمن عملية حيرام التي بدأت في 29 تشرين الأول 1948، واحتلت نحو 15 قرية، وقامت بتنفيذ مجزرة في بلدة حولا الحدودية في الأول من تشرين الثاني والتي أوْدت بحياة 93 مواطناً وقد حدث ذلك دونما وجود سلاح سواء أكان لبنانياً أو فلسطينياً.
الإمام السيد موسى الصدر كما سلفه السيد عبد الحسين شرف الدين تحدّث عن الهواجس التي تقضّ مضاجع الجنوبيين منبّهاً من خطورة الوحشية الإسرائيلية الطامعة في مياهنا وأرضنا مشدّداً على أننا يجب ان نكون مقاومة قبل ان نشرّد من أراضينا، متوجّهاً الى الحكام وعموم الشعب اللبناني بالقول إنّ الدفاع عن الجنوب يتمّ بالمقارعة وحمل السلاح…
هواجس الجنوبيين وعموم اللبنانيين الذين استبيحت حقولهم ودمّرت دورهم وسفكت دماؤهم في أروقة الأمم المتحدة واحتلت عاصمتهم على مرأى من دول العالم لم تبدّدها ضمانات دولية ولا أممية بل تمّت حماية مرتكبي مئات المجازر والاعتداءات الاسرائيلية بالفيتو الأميركي في مجلس الأمم المتحدة.
الضمانات والهواجس الوطنية التي افتقدها اللبنانيون لعشرات السنين كفلتها المقاومة بعدما حققت نصراً ودحرت الاحتلال وحفظت الكيان من خلال سحقها للمشروع التكفيري التدميري واستطاعت كيّ وعي الصهاينة بأنّ جيشهم يُقهر ويُهزم وأنه أوهن من بيت العنكبوت.
المقاومة التي تردع الصهاينة عن ايّ اعتداء على لبنان وشعبه والتي فرضت عليه وعلى رعاته الأميركيين الإقرار بحقه في حقوله النفطية والغازية والتي يتوسّل كلّ قوى العالم من أجل إزالة خيميتين لشباب عزل هي الأقدر على امتلاك الضمانات لتبديد الهواجس سواء منها لأحرار الوطن او لمن باعوا أنفسهم للخارج بأنها لن تصغي الى كلّ العروض الخارجية السخية التي تنهال عليها، منها ما جرى في سان كلو مروراً بكواليس الدوحة عام 2008 الى الأمس القريب والتي تقايض المواقف المبدئية بإغراءات ينتج عنها تغييرات في تركيبة السلطة في لبنان لمصلحتها، وهي عروضات ما وجدت ولن تجد آذانًا صاغية، لأنّ مشروع من حمى البلاد والعباد هو حماية الوطن وتعزيز العيش الواحد والشراكة الوطنية…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى