أولى

شرق الفرات قلب سورية

لم يتم اختيار المنطقة التي يسمّيها الأميركيون شرق الفرات، ويسمّيها السوريون بمنطقة الجزيرة، لتحويلها إلى قاعدة للاحتلال الأميركي لاتصالها بالمعركة ضد تنظيم داعش، كما تقول المزاعم الأميركية، حيث فشل تنظيم داعش بالتمدد في هذه المنطقة، والقتال الفعلي لإخراج التنظيم منها، تم بالمعارك التي خاضها الجيش السوري وحلفاؤه لتحرير دير الزور والبوكمال وصولاً الى تدمر، وإذا وضعنا جانباً الاتهامات الموثقة للأميركيين بعلاقتهم بداعش ورعايته واستخدامه وأغلبها على ألسنة أميركية، فإن الادارة الأميركية العسكرية اعترفت مراراً أن الشكل الوحيد المجدي الذي تستطيع القيام به لمواجهة داعش هو استخدام الطائرات دون طيار بعمليات مستهدفة، وأن هذا النوع من العمليات لا يستدعي البقاء في سورية.
لم يتورع رئيسان أميركيان على طرفي تناقض هما الرئيسان دونالد ترامب وجو بايدن، عن الاعتراف بأن سبب البقاء، وهو فعلاً سبب الاختيار، يرتبط مباشرة بكون المنطقة تحتوي الجزء الأهم من ثروات سورية النفطية والزراعية، وأن الإمساك بها يسمح بخنق الاقتصاد السوري، ويكفي النظر إلى أن تأثير اختطاف هذه المنطقة بأيدي الأميركيين، حرم سورية من القدرة على إنتاج الكهرباء دون الحاجة الى عملات صعبة، وبالتالي تشغيل الدورة الاقتصادية والخدمية وتأمين قاعدة مادية لاستقرار اقتصادي ومالي واجتماعي، إضافة لحجز الثروات الزراعية الأساسية التي كانت مصدر الاكتفاء الذاتي الغذائي لسورية، بحيث تأتي الإجراءات المالية العدائية لسورية المسماة بالعقوبات، عاملاً مساعداً للأميركيين في إضعاف سورية، بينما احتلال منطقة الجزيرة يقع في المقام الأول.
سياسياً وأمنياً يقدّم احتلال منطقة الجزيرة الفرصة لتشجيع مشروع كانتون كردي يشكل تهديداً حقيقياً لوحدة التراب السوري، ويفتح الباب أمام المشاريع التقسيمية، لكنه فوق ذلك يوفر الذريعة التي يحتمي بها الأتراك لتبرير احتلالهم لأرض سورية بداعي الدفاع عن الأمن القومي التركي، حيث يقام كانتون مواز تحت رعاية تركيا تديره الجماعات الإرهابية، التي تشكل مصدر خطر أمني كبير، ويكفي النظر بنتائج الانسحاب الأميركي من منطقة الجزيرة وتداعي كانتون “قسد”، وانعكاسه على سقوط ذريعة بقاء الاحتلال التركي، وفتح الطريق لتداعي كانتون إدلب، لمعرفة الوظيفة السياسية والأمنية للاحتلال الأميركي، خاصة أن احتلال منطقة الجزيرة يشكل العمق لبقاء الاحتلال الأميركي في قاعدة التنف، التي تشكل ركيزة لميليشيات موازية يراد لها تخريب وحدة التراب السوري في منطقتي درعا والسويداء.
يوفر الاحتلال الأميركي لمنطقة الجزيرة وامتداده في التنف الفرصة لتهديد التواصل الجغرافي الطبيعي بين سورية والعراق، وهو تواصل يكفي رفع اليد عنه، حتى يعود العمل بخط أنابيب كركوك حمص بانياس، وما يوفره للعراق من منفذ نفطي على البحر المتوسط خارج التحكم والابتزاز التركي، ومصفاة قابلة للتطوير لتأمين المشتقات النفطية وبيعها، إضافة لإعادة تشغيل خط سكك الحديد الذي يربط بغداد بدمشق وبيروت، وبغداد وحمص وطرطوس وطرابلس، ما يوفر أكلافاً ووقتاً على التجارة العراقية الأوروبية من جهة، ويفتح طرقاً هائلة لتطوير التجارة بين العراق وسورية ولبنان.
لا شيء يتقدّم اليوم في الأولويات السورية على إخراج الأميركيين من منطقة الجزيرة.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى