أولى

تحذير بعض الأجانب في لبنان تدبير وقائي ام ابعد من ذلك؟

‭}‬ العميد د. أمين محمد حطيط*
هناك حقيقة قائمة يجب أن لا تغيب عن الذهن في قراءة أيّ حدث يجري على أرض لبنان او يتصل بشأن لبناني، وهي أنّ لبنان واقع في مرمى الاستهداف الأميركي المباشر، وأنّ هناك خطة يعمل بها لإسقاطه وإسقاط المقاومة معه، وهي خطة بومبيو التي أطلقها وزير خارجية أميركا من بيروت في مساء يوم مشؤوم من آذار 2019، وان أي إغفال او نسيان او تجاوز لهذه لخطة في قراءة ما له علاقة بلبنان من شؤون سياسية او اقتصادية او أمنية، يؤدي الى فقدان الاتجاه الصحيح والتيه الذي يبعد صاحبه عن الحقيقة.
فأميركا التي هالها انتصار المقاومة في لبنان في العام 2000 ثم في العام 2006، ثم مساهمتها في إفشال الحرب الكونية التي استهدفت سورية بدءاً من العام 2011، وأذهلها أن تكون المقاومة الى جانب آخرين حليفاً صادقاً يسقط على الأرض السورية أبشع مشروع استعماري استهدف المنطقة بعد وعد بلفور المشؤوم، أميركا التي تيقنت انّ مشاريعها في المنطقة وعبرها الى العالم لا يمكن أن تمرّ طالما انّ هناك في لبنان مقاومة فاعلة وفي المنطقة محور مقاومة بات يشكل مجموعة استراتيجية مؤهلة لاحتلال المقعد المناسب في نظام عالمي تعدّدي لم تبق أميركا وحيدة في قيادته، أميركا هذه تيقنت أنّ العمل الهجومي الفاعل على المقاومة في لبنان هو وحده الذي يعوّض خسائرها وينعش آمالها بقيام شرق أوسط جديد تتحكم هي بقراره وثرواته.
ومن أجل ذلك كانت خطة بومبيو الأميركية المبنية على استراتيجية إسقاط لبنان وإغراقه بما فيه وفي طليعة ما فيه المقاومة للتخلص منها ومن تحدياتها ثم إعادة تركيبه بالشكل الذي يناسب المشروع الأميركي الاستعماري الذي بشرت به كونداليزا رايس في العام 2006 حيث قالت يومها “الفوضى الخلاقة سبيلنا لإقامة الشرق الأوسط الجديد”.
ويجب أن نقر بأنّ أميركا، مستفيدة من عملاء محليين ومن فساد فاضح في الدولة اللبنانية نجحت بشكل سريع ومذهل وفي أقلّ من سنة واحدة، نجحت في تنفيذ المراحل الثلاث الأولى من الخطة (الفراغ السياسي والانهيار المالي والانهيار الاقتصادي)، لكنها تعثرت في المرحلة الرابعة التي هي الانهيار الأمني الذي لم يتحقق بسبب عاملين: الأول وجود الجيش اللبناني والقوى الأمنية التي لعبت دوراً مهماً في منع الانهيار، والثاني وضع المقاومة وقدراتها وأداؤها الاستيعابي في الداخل، تعثر أو فشل ففاقم الفشل الأميركي الاستراتيجي في المنطقة وبشكل خاص على صعيد المواجهة مع محور المقاومة وبشكل أدقّ مع كل من سورية وإيران.
أنتج هذا الفشل بيئة دفعت شركاء تاريخيين لأميركا بالتوجه نحو سورية وايران الدولتين اللتين تعلن أميركا الحرب الشاملة ومنها الاقتصادية عليهما، دفعتهم لإنتاج بيئة تصالحية في المنطقة فكان صلح بكين بين إيران والسعودية وعودة العرب الى سورية وظهور الرئيس الأسد النجم في القمة العربية في جدة، شكل كلّ ذلك مظاهر أقلقت أميركا وفاقمت من خسائرها الاستراتيجية في الإقليم والعالم، الخسائر التي شكل الفشل الغربي في أوكرانيا في مواجهة روسيا الوجه الآخر لها، ولذلك رأت أميركا انه من الاستحالة عليها بمكان ان تستسلم لهذا الواقع في الشرق الأوسط وقرّرت المواجهة بصيغة تسقط ما تقدّم وهذا ما حصل ويحصل بالفعل حيث تمكنت أميركا خلال الشهرين الآخرين من تحقيق ما يلي:
ـ وقف المسار التصالحي بين إيران والسعودية وتجميد مفاعيل صلح بكين بينهما، وصحيح انّ العلاقة بينهما الآن لم تعد الى الوضع الذي كانت عليه من سوء وعداء وتشنّج قبل الصلح لكن تجميد إجراءات المصالحة والتقارب ووقف تنشيط وتفعيل البيئة التصالحية في المنطقة من الباب المشترك بين الطرفين كاف ليحقق لأميركا هدفاً استراتيجياً مهماً كادت أن تفقده مع توقيع الصلح.
ـ تجميد مفاعيل وإجراءات إشغال سورية لمقعدها في الجامعة العربية، وتأجيل أو إلغاء إعادة فتح السفارة السعودية في دمشق، فضلاً عن عدم فتح أيّ باب مهما كان صغيراً أمام الاستثمارات العربية الخليجية في سورية لا بل انصياع تلك الدول لمضمون قانون قيصر الإجرامي وكبتاغون 1، والمساعدة في تشديد الحصار الاقتصادي على سورية، هذا الحصار الذي بلغ مبلغاً غير مسبوق منذ 12 سنة وأدّى الى أضرار جسيمة في الجانب المعيشي للشعب السوري.
ـ تحريك ملف الأمن في المخيم الأكبر للاجئين الفلسطينيين في لبنان، مخيم عين الحلوة، وهو اختيار مهمّ من شأنه ان ينفتح في مفاعيله على أكثر من قصد وغاية وهدف، فمن جهة يحدث إخلالاً بالأمن ومن جهة أخرى يؤدّي الى تهجير الفلسطينيين منه للتوجه الى الأماكن الآهلة للبنانيين ما يؤدي الى الاندماج بهم دمجاً يسهل المهمة الدائمة عند الغرب وهي التوطين، كما أنه يؤدي الى إرباك الانتقال من الجنوب وإليه عبر صيدا، والأخطر من كلّ ما تقدّم قد يؤدّي في حال اتخاذ قرارات غير مدروسة ومرتجلة الى إغراق الجيش و/ أو المقاومة في وحول أمن المخيم الفلسطيني بما يذكر بحالة مخيم نهر البارد القاسية عام 2007، وهنا جاءت بيانات بعض السفارات التي حذّرت بعض العرب والأجانب في لبنان من البقاء او التجوّل في لبنان لتصبّ الزيت على النار، فهل كانت هذه البيانات في محلها؟
لقد صدرت البيانات التي تحذر من البقاء او التجوّل في لبنان بعد وقف إطلاق النار في المخيم، وبعد نجاح الوساطات وتحقق التهدئة فيه، حيث بات موضوعياً ووفقاً لوقائع المشهد وظروفه وما فيه، يستطيع الباحث الخبير في الشأن الأمني والعسكري أن يستبعد احتمال انفجار أمني واسع في لبنان من بوابة أحد المخيمات الفلسطينية حتى ولو كان هذا المخيم هو مخيم عين الحلوة بذاته، وكذلك يستبعد احتمال تدخل الجيش في الاشتباكات بين الفلسطينيين واستعادة مشهد نهر البارد، فهو مشهد لن يتكرّر لأكثر من سبب، وعليه فإذا كانت البيانات قد صدرت بذهنية الحرص على المدنيين فإنها في توقيتها لم تحقق الغاية لا بل إنّ السبب انتفى ولذلك كان من الواجب البحث عن سبب آخر للبيان غير السبب الأمني المنتفي الصلاحية، فما هو؟
اذا عدنا الى ما تقدّم أعلاه، واستعرضنا ما تريد أميركا من لبنان وسورية ومحور المقاومة لوجدنا هذه البيّنات عن قصد أو غير قصد تخدم الخطة الأميركية وما فيها من حصار اقتصادي وتوطئة لإنتاج بيئة الانهيار الأمني الذي فشلت أميركا في تحقيقه حتى الآن ولهذا أعود وأكرّر سواء قصد أصحاب البيانات هذا الأمر أم لم يقصدوه، فإنّ بيانهم في النهاية يخدم هذه الخطة ويفرض على اللبنانيين عامة والمعنيين بالشأن الأمني منهم خاصة الانتباه الى الأمر وإبقاء الأمن تحت السيطرة لمنع انهياره كما تسعى أميركا، وان يبقى في الحسبان ما يلي:
1 ـ انّ أميركا مستمرة بالعمل بخطة بومبيو وانها جاهدة في دفع لبنان نحو الانهيار الأمني وهي لن تتراجع عما حققته من فراغ سياسي وانهيار نقدي وانهيار اقتصادي. لا بل أعتقد وأرجو ان أكون مخطئاً في ذلك، اعتقد انّ أميركا ستتشدّد أكثر في منع انتخابات رئاسة الجمهورية لاستمرار الفراغ وستتشدّد في الحصار الاقتصادي وما تسمّيه “عقوبات” غير معلنة.
2 ـ الحذر من أيّ انزلاق إلى مواجهات داخلية يدفع الجيش اليها ليكون طرفاً فيها، فالجيش مستهدف أيضاً لأنه يحول دون الانهيار الأمني ثم أنه رغم كل الإطراء الأميركي عليه، يبقى في واقعه غير مريح لأميركا طالما أنه مستمرّ في التمسك بعقيدته القتالية الوطنية ويرفض أن ينزلق الى قتال المقاومة.
3 ـ سعي غربي حثيث لتوريط المقاومة في أيّ نزاع داخلي مسلح يشغلها عن مواجهة العدو في الجنوب او يقطع الطرق عليها لمنعها من الوصول الآمن والمريح إلى ميدانها.
4 ـ وأخيرا انّ “إسرائيل” في موقع المراقب المنتظر وهي لن تجازف في شنّ حرب على لبنان في واقعه الحالي، لكن الأمر قد يتغيّر إذا غرقت المقاومة في فتنة داخلية تسعى أميركا إليها.
*أستاذ جامعي ـ باحث استراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى