أولى

هل ينهض القضاء بوجه العتاة؟!

‭}‬ بشارة مرهج*
ما هي الرسالة التي يوجهها القضاء اللبناني إلى أصحاب الودائع والمواطنين اللبنانيين عندما يضع ملفّ حاكم البنك المركزي السابق رياض سلامة في الأدراج بحجة مخاصمة المشتبه به لهيئة المحكمة الناظرة بملفه؟
هل يقول القضاء، المؤتمن على أموال وحقوق الناس، إنه عاجز عن القيام بواجباته بسبب دعوى مخاصمة أقامها شخص ملاحَق من الإنتربول الدولي صدرت بحقه بطاقة حمراء من فرنسا وألمانيا، وصدرت بحقه إدانة وعقوبات من قبل السلطات الأميركية؟
المطلعون يدركون الصعوبات التي يواجهها القضاء بسبب تشابك القوانين وغموضها وحتى انحيازها لأخصام الدولة، ولكن هل يجوز أن يفشل القضاء في إيجاد وسائل لاستكمال العملية القضائية ومن ثم يستسلم للأمر الواقع الذي يساهم في وقف عجلة العدالة وتسميم الوضع الاقتصادي وإدخال اليأس من جديد لجموع المودعين والمواطنين الذين تلقفوا أخبار إحالة رياض سلامة للتحقيق بارتياح شديد لكون المشتبه به يملك مفتاح السراديب التي تسرّبت اليها أموال الناس، ولكونه شخصاً مثقلاً بأموال الناس التي تنبغي إعادتها الى أصحابها على وجه السرعة لتلعب دورها مع غيرها من الأموال المنهوبة في تحريك خلايا الاقتصاد الوطني.
ألا يكفي سكوت الحكومة عن إعادة رسملة المصارف التي كان يجب ان تتمّ منذ زمن بعيد بموجب تعاميم مصرف لبنان، أم أنّ التعاميم القاسية تسري فقط على المواطنين الذين خسروا 98 % من قيمة الليرة اللبنانية، وخسروا القسم الأكبر من ودائعهم تارة بالاحتيال وطوراً بالاقتطاع الرسميّ وكأنّ شريعة المصارف هي شريعة غاب لا أكثر ولا أقلّ؟
ألا يكفي جمود الحكومة ومعها المجلس النيابي لمدة أربع سنوات وقرارهما بالتفرّج على الأزمة وتركها تتفاقم وتتردّى معها أوضاع المواطنين الذين يعيشون القهر والقمع والاستلاب دون أن يشهدوا مبادرة واحدة تحيي الرجاء في المستقبل حتى إذا أطلّت مبادرة بسبب حركة خارجية تصدّت لها المنظومة الفاسدة وقامت بإطفائها عبر مناوراتها وأساليبها الاحتيالية.
إنّ الناس تتساءل عن برود همّة مجلس القضاء الأعلى ونادي القضاة ونقابتي المحامين وامتناعهم عن مواجهة الانحرافات المتفاقمة في مسيرة الدولة وسائر سلطاتها وحكوماتها. وقد كانت تلك المؤسّسات ملاذاً للسائلين ومرجعاً للمواطنين وصخرة للبلاد تتكئ عليها كلما انحرف حاكم أو ظنّ نفسه فوق القانون والدستور. لقد كانت هذه المؤسسات التي اشتهرت في لبنان بتصدّيها للغلو والتسلط ضمانة للبنان واستمراره بلداً يحترم الأصول والدستور ويرفض تحت كلّ الظروف الانصياع لحكم الرعاع أو حكم الطغاة. ما بال هؤلاء يستكثرون على بلدهم وأهلهم هبّةً تطرد الهواء الفاسد الذي يملأ دوائر الدولة على اختلافها فيفتحوا الأبواب للمواطنين القلقين على مصيرهم، ويفتحوا النوافذ للهواء النقي الذي يكاد ينضب ويتلوّث بالكامل مثل مياه البحر نتيجة الأهمال والهدر والفساد؟
إننا نهيب بالجسم القضائي ونقابتي المحامين التحرك وفق ما تنصّ عليه القوانين والتصدّي لحالة الانهيار والاهتراء التي تجتاح قصور العدل.
هذه القصور لا يجوز ان تتسلط عليها قلة ضالة عبر القانون نفسه وما فيه من ثغرات ومثالب. فالقانون وجد لخدمة العدالة والضعفاء والمظلومين وليس لخدمة اللصوص والمجرمين وكل ما يقع بينهما.

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى