مقالات وآراء

تشابك المواقف الداخلية… نعمة رئاسية أم نقمة سياسية؟

‭}‬ نمر أبي ديب
لم يعد مستحيلاً انتخاب سليمان فرنجية، عبارة أطلقها عضو تكتل لبنان القوي النائب ألان عون عكست حجم التحوّل المُتنامي في مقاربة «التيار الوطني الحر» للملف الرئاسي، الذي دخل بدوره مرحلة الولادة القيصرية ضمن مخاض سياسي عسير لا تملك في توقيته القوى المعنية إمكانية توفير الضمانة الداخلية وحتى الخارجية لنجاح العهد، الذي يضمن مع التيار الوطني الحر ولادة سياسية للاستحقاق غير مقرونة بمتمّمات النجاح الغير قادر على توفيره التيار الوطني الحر في هذه المرحلة انطلاقاً من التجربة الرئاسية السابقة مع العماد ميشال عون، وصولاً إلى التوازنات البرلمانية الحالية، يُضاف إليها اليوم عدم امتلاك القوى الداخلية مجتمعة، إمكانية فرض الوقائع داخل البرلمان، وممارسة سياسات الحسم التي تحتاج إلى أكثريات نيابية غير متوفرة في بعدها الأحادي الصرف، وأيضاً غير متوفرة ضمن سياق الفريق السياسي الحاضن للهوية الرئاسية، وتلك خلاصة برلمانية فرضت على مسرح «التعددية اللبنانية» إيقاعاً سياسياً مختلفاً تضاف إليه مقاربات جديدة واستثنائية لأكثر ملفات لبنان دقة وحساسية.
في سياق متصل شكلت كلمات النائب ألان عون فاتحة سياسية استثنائية لـ»مسار رئاسي جديد»، مختلف في شكل المقاربات الرئاسية من جهة، وأيضاً في مضمونها العام الذي يرتب على الساحة الداخلية انتظاماً سياسياً جديداً يحدّد تحت سقف «التسوية الرئاسية المنتظرة»، هوية التكتل اللبناني القادر على إحداث خرق جدي، حقيقي وأيضاً استراتيجي في جدار المراوحة الرئاسية، التي باتت تشكل أزمة حكم لبنانية لا بل «مستنقع أزمة» يحتاج معه لبنان اليوم إلى أكثر من «معجزة سياسية»، لضمان الخروج التدريجي من مياهه الراكدة.
ما تقدّم لا يعني مطلقاً وضع «الاستحقاق الرئاسي» على مسار الحلّ السياسي، القادر على تسجيل «فارق زمني» لبناني في ظلّ العجز الفرنسي، الغير قادر حتى اللحظة على إحداث متغيّرات جوهرية في بنية الأزمة اللبنانية أو حتى إضافة جديد سياسي وآخر رئاسي في المرحلة الحالية كما المراحل السابقة التي عجزت فيها الإدارة الفرنسية بـ شخص الرئيس إيمانويل ماكرون عن تسجيل خرق سياسي استثنائي في جدار الأزمة اللبنانية.
ما تقدّم لا يعني أيضاً موافقة «التيار الوطني الحر» على انتخاب سليمان فرنجية، كما لا يعني سلوك الاستحقاق الرئاسي مسار الخواتيم السعيدة في مرحلة توتر، مرفق بـ «انشغال عالمي غير مسبوق»…
ما حدث أكَّد في صريح العبارة على حقيقة استراتيجية بلغها «التيار الوطني الحر» كما غيره من القوى الداخلية التي يفترض أن تتظهَّر مواقفها السياسية لاحقاً، وتتمثل في سقوط جدار المستحيل، وهذا يتضمّن عودة رئاسية في مقاربة «التيار الوطني الحر»، كما غيره من القوى الداخلية إلى الواقعية السياسية التي ترتب على الجميع مسؤوليات وطنية كبرى، ومواقف استثنائية يتسم متخذوها بـ مواصفات رجال الدولة، وتؤشر إلى عاملين…
ـ العمل بمفاعيل «الوقت الضائع» الذي يبحث البعض من خلاله على فواصل سياسية مؤاتية، تعيد خلط الأوراق الرئاسية بما يتناسب مع سقف مسلماتها السياسية وتلك مرحلة مضى عليها الزمن، والاستمرار في تطبيقها دونه عقبات ومسؤليات قد تضع لبنان خارج دائرة الأولويات العالمية والاهتمامات الإقليمية، التي نتلمّس اليوم جزءاً من مفاعيلها على أكثر من مستوى سياسي واقتصادي.
ـ العمل بمبدأ المقايضة الرئاسة ضمن بدائل وطنية تدعم في حدّه الأدنى فكرة قيام الدولة الحرة القادرة والقوية، التي تحدّد خارطتها السياسية «موازين القوى المنتصرة»، تحت سقف «التعايش الداخلي» الذي يفرض بدوره على القوى المنتصرة تنازلات وطنية تدعم فكرة الديمقراطية التوافقية، وتعيد صياغة التكيّف الداخلي مع مجمل العناوين الحساسة المثارة اليوم، تحت سقف الطمأنة السياسية والضمانات الوطنية.
السؤال: هل يحمل الحراك السياسي الذي يجريه اليوم كلّ من السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، إضافة إلى المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان إمكانية تحقيق خطوة إيجابية على مسار المراوحة الرئاسية المفتعلة خارجياً؟
هل يعيد مبدأ توضيح الموقفين الفرنسي والسعودي من الرئاسة اللبنانية، انتظاماً سياسياً قادراً على سحب «ورقة التعطيل» من قوى المعارضة وتحويل «النقمة السياسية» بين قوسين إلى «نعمة رئاسية» ضامنة على المستوى الوطني عاملين: انتخاب الرئيس العتيد ومرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية التي تشمل حسب المفهوم اللبناني تشكيل الحكومة في بعديها «التكليف والتأليف»، تعيين موظفي الفئة الأولى… قائد الجيش حاكمية مصرف لبنان وغيرهما، قانون انتخاب جديد يضمن صحة التمثيل من خارج نواب الصدفة، والأهمّ من كلّ ذالك ضمان نجاح العهد، بالتالي هل يمكن العمل بمندرجات الحلّ السياسي خارجياً كان أم داخلياً من خارج طاولة حوار أحد أبرز أركانها رئيس المجلس النيابي؟
بعيداً عن مقدرات «البورصة الرئاسية» وموازين القوى الداخلية، لبنان الذي نعرفه اليوم محكوم بسقف الوفاق الوطني، بصيغة العيش المشترك والوحدة الوطنية، وما عدا ذالك «نقمة سياسية» مرفقة بـ محاولات مشبوهة تندرج ضمن إطار المؤامرة السياسية الهادفة إلى سحب أوراق القوة، والعمل على إغراق لبنان بـ»فوضى الهوية»، والانقسام العمودي المستمر.
ما بين «النقمة السياسية والنعمة الرئاسية» قرار وطني ضامن «لتفاهم الخطوط العريضة مع طمأنة سياسية» يوفرها اليوم كما الظروف السياسية كافة مبدأ «الحوار الداخلي» الذي رفضه البعض، فهل يتَّعظ بعض الداخل من التجارب السياسية السابقة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى