نقاط على الحروف

خلفيات فشل اللجنة الخماسية

ناصر قنديل
– بعد سنة على الاجتماع الثلاثي الفرنسي السعودي الأميركي، وقد أصبح خماسياً بإضافة قطر بطلب أميركي، وإضافة مصر بطلب فرنسي سعودي لتحقيق التوازن بوجه دخول قطر. والواضح منذ سنة أن اللجنة الخماسية تفشل في صياغة مخرج ينهي الفراغ الرئاسي، وبقياس الاستقلال السعودي النسبي اللاحق لبيان اللجنة الثلاثية، مع توقيع الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، والانفتاح السعودي على سورية وصولاً لخوض الرياض معركة مشاركة الرئيس السوري في القمة العربية وإنهاء القطيعة التي فرضها الأميركيون بين سورية ودورها في الجامعة العربية، وصولاً الى إعلان السعودية رفع الفيتو عن ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، يمكن أن نلمس موقفاً سعودياً يقع في منتصف الطريق بين باريس وواشنطن في مقاربة الملف الرئاسي، كما نلمس حرصاً قطرياً على التعبير عن الرؤية الأميركية، بينما مصر لا تزال في حال التريث والموافقة على حاصل الإجماع.
– الخلاف الأميركي الفرنسي ليس على الخيارات الكبرى، ولا حول الاستراتيجيات، بل على المقاربات، وهو نابع قطعاً من حرص فرنسا على حماية آخر بقايا الحضور الخارجي الذي يمثله لبنان، لكنه نابع بقوة أكبر من كون فرنسا متوسطية وأميركا أطلسية، ما يجعل فرنسا تدرك مخاطر العبث في مقاربة الوضع اللبناني من جهة، والخشية من المخاطرات الأميركية غير المحسوبة، من جهة أخرى. وخلال سنوات ما بعد بدء الانهيار اللبناني، شهدنا على كيفية الانخراط الأميركي لإفشال مبادرات فرنسية عديدة، منها ما كشفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تعطيل أصاب المبادرة الفرنسية عبر العقوبات الأميركية، فما هو جوهر الخلاف الفرنسي الأميركي؟
– في شهر شباط 2020 وخلال اجتماع وزراء مالية دول مجموعة العشرين افتراضياً، بسبب وباء كورونا، قال وزير مالية فرنسا برونو لومير «تدعو فرنسا لفصل مساعي تعافي لبنان عن المواجهة التي تخوضها واشنطن ضد طهران وحزب الله»، كاشفاً عن نقطة الافتراق الرئيسية بين السياسات الفرنسية والسياسات الأميركية، وواشنطن التي تعطل المبادرات الفرنسية، سواء التي قامت لتشكيل حكومة تكنوقراط توافقية بعد انفجار مرفأ بيروت، أو تلك التي قامت في مقاربة الاستحقاق الرئاسي على ثنائية سليمان فرنجية ونواف سلام، وفق فلسفة استثمار الأزمات اللبنانية للضغط على حزب الله وتجميع خصومه وتنظيمهم كخط اشتباك متقدّم معه، طلباً لمفاوضات حول ترتيبات تريح أمن كيان الاحتلال، أو سعياً لإضعاف إيران عبر إضعاف أبرز حلفائها. ومنعت فرنسا تحت هذا الاعتبار من خوض مشاريع التسويات التي سعت إليها، هي واشنطن نفسها التي رعت التسوية التي كان حزب الله في خلفية صناعتها في ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان، وهي واشنطن التي قامت بإنجاز تسوية لم يجف حبرها بعد مع إيران انتهت باستعادة إيران لمليارات الدولارات التي كانت مجمدة بفعل العقوبات الأميركية.
– مخطئ مَن يعتقد أن لدى واشنطن مرشح لرئاسة الجمهورية، أو أن قضيتها هي إسقاط ترشيح سليمان فرنجية. فالعكس هو الصحيح. واشنطن تريد أن يحصل حزب الله على رئيس جمهورية حليف وصديق ومصدر اطمئنان، لكن ليس مقابل رئيس حكومة يريح الرياض أو واشنطن أو خصوم حزب الله في لبنان، بل مقابل ما يريح كيان الاحتلال على حدود لبنان وسورية الجنوبية. وحزب الله لم يبد اهتماماً بتفاوض، إلا على طريقة التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، تفاوض غير مباشر عنوانه وقف الانتهاكات الإسرائيلية المتمثلة باحتلال أراض لبنانية، دون التزام بالتوقف عن نصرة القضية الفلسطينية ونضال المقاومة الفلسطينية، والتمسك بمعادلة أن الاعتداء على المسجد الأقصى يفجّر حرباً إقليمية.
– قطر تمثل واشنطن في مهمة السعي لتجميع خصوم حزب الله، وتفكيك جبهة حلفائه، لحرمانه من فرصة امتلاك القدرة على تأمين النصاب والأغلبية اللازمة لانتخاب حليفه سليمان فرنجية، دون المرور بمعبر التفاوض الإلزامي الذي تريده واشنطن، ولتحقيق هذا الهدف لا مانع من أن تطرح قطر في التداول مرشحين يحققون هذين الهدفين، تجميع جبهة خصوم وازنة تملك قدرة تعطيل النصاب، وتفكيك جبهة حلفاء وازنة يمكن لها أن تملك قدرة تأمين الأغلبية. ومبادرة الرئيس نبيه بري تقطع الطريق على هذا المسعى، وقد تبنتها فرنسا، ورفضتها واشنطن، لأن فيها مخاطرة بفوز فرنجية بأغلبية يسهم التيار الوطني الحر بتأمينها إذا ترك يواصل حواره مع حزب الله وصولاً للاتفاق. وهذا ما تعمل قطر لتعطيله، في ظل نصاب يتوافر من مشاركة اللقاء الديمقراطي والاعتدال الوطني، إضافة للتيار الوطني الحر. وهذا ما تعمل قطر لتعطيله. ومخطئ من يتوهم أن واشنطن وقطر لديهما مرشح اسمه قائد الجيش. وهما تعلمان استحالة الحصول على موافقة التيار الوطني الحر على ترشيحه، وحكماً على تجاوز التعديل الدستوري لانتخابه، وفرضية الطعن بالانتخاب قائمة ونتائجها محسومة بإبطال العملية الانتخابية.
– يبدو أن الوقت لم ينضج بعد لتنظر واشنطن الى رئاسة سليمان فرنجية، مثل نظرتها لحقل قانا، فدية لا بد من دفعها لتفادي الانفجار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى