مقالات وآراء

«إسرائيل» في مهبّ الريح

‭}‬ نمر أبي ديب
ترجم الرئيس الأميركي جو باين بلقائه بنيامين نتنياهو المواقف التي أدلى بها ديفيد شينكر وأكَّد من خلالها أنّ أميركا جاهزة لتوفير الدعم لـ «اسرائيل»، ويأتي الاستنفار الأميركي في لحظة إقليمية حرجة، أحد أبرز عناوينها الميدانية «طوفان الأقصى»، الذي وضع الكيان ومعه المنطقة أمام مشهد مختلف تحسّست من خلاله القوى العالمية بكثير من «الواقعية العسكرية»، فكرة زوال «إسرائيل»، التي وجدت على مستوى الداخل الاسرائيلي مقدمة تاريخية تمثلت في «عقدة الثمانين»، وعلى المستوى العالمي مرتكز عسكري توفرت به ومن خلاله عناصر وعوامل التفوُّق الأمني والعسكري انطلاقاً من مبدأ التخطي الفعلي، الحقيقي والاستثنائي لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، ومعها مجمل الدول الناشطة سياسياً عسكرياً وحتى أمنياً في دول المنطقة.
ثانياً توفُّر مقومات التخطيط إضافة إلى عناصر التنفيذ التي أربكت على المستوى الاستراتيجي مع بداية عملية طوفان الأقصى مُجمل الدول المتابعة لخطوط المنطقة العسكرية، الأمر الذي وضع «كيان الاحتلال الإسرائيلي»، في خانة الفاقد للسيطرة الأمنية والعسكرية
بمعنى آخر في أدنى مستوى وجودي يمكن أن تبلغه أو تتموضع به منظومات «الأمن / عسكرية»، ما استدعى على المستوى الدولي استتفاراً عالمياً بلغته الولايات المتحدة الأميركية إضافة إلى بريطانيا، فرنسا، ألمانيا وغيرها من الدول الحليفة والصديقة لـ «إسرائيل»، ضمن أولوية مشتركة قائمة على مبدأ وقف التدهور من جهة، إعادة رسم خطوط الوصل ومعها خيوط «الترابط الوجودي» داخل كيان قائم منذ نشأته على معادلتين «الجغرافيا المحتلة» و»ضمانات الحماية الدولية» التي سقطت مع عملية طوفان الأقصى من فكر ويقين وحسابات «المستوطن الاسرائيلي»، الذي تصدّرت أولويته متغيّرات وجودية أيقظت في مجمل نواحيها ما يُعرف بـ»الهجرة المعاكسة» التي ترى فيها «إسرائيل» نهاية حتمية لواقع احتلالي لم يعد يملك الحدّ الأدنى من مقومات البقاء والاستمرارية.
الجدير في الذكر سقوط «الحلم الأميركي»، الذي تحدث عنه ديفيد شينكر على مسار الخطوة الأولى من عملية طوفان الأقصى، والحديث يتناول ما كانت تعمل إدارة الرئيس جو بايدن على تأسيسه في المنطقة، وتحديداً إنشاء «خطوط حديدية» تصل مختلف الدول العربية بـ حيفا، ما يشير من وجهة النظر الأميركية على تخطي النتائج الأولية لـ»طوفان الأقصى» حدود الواجهة العسكرية لكيان الاحتلال الاسرائيلي، إذ أصابت بعمقها الاستراتيجي الحضور المستقبلي لمنطقة أراد الأميركي من خلالها تثبيت واقعية الكيان على الخارطة السياسية للشرق الأوسط الجديد…
هنا تجدر الإشارة إلى الانتقال الأميركي من استراتيجية فرض الكيان عسكرياً المعادلة التي سقطت بشكل كامل في «تموز 2006»، واستوعبها الأميركي قبل الاسرائيلي، نتيجة تراكم خبرات حزب الله في الحرب السورية وتنامي قدرات المقاومة، إلى اعتماد استراتيجية «الدمج»، وتقديم مشاريع مستقبلية يتظهّر من خلالها «كيان الاحتلال» حاجة استراتيجية للمنطقة بمجمل مكوناتها السياسية والاقتصادية.
بات واضحاً للجميع خروج المنطق الأميركي القائم على استراتيجية فرض الكيان من الخدمة السياسية أقله في المدى المنظور، ومعه مبدأ الاجتهاد الدولي والعمل على إرساء مقدرات التكامل وعناوين الالتقاء السياسي في مراحل استثنائية، أكَّد مفاعيلها عمق التحوّل والانتقال الاسرائيلي من صيغة الكيان الحالية إلى مساحات أخرى لم تعد تلحظها صفقة القرن من خلال سياسات التطبيع، وأيضاً «قانون قيصر» من خلال «الحصار المالي وحتى الاقتصادي»، نتيجة وجود البدائل العالمية القادرة على صياغة توازنات مالية جديدة خارج معادلة الدولار تحت سقف الانقسام العالمي القابل للدخول إلى أسواق نقدية جديدة يتطلبها النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب.
ما يجري اليوم على الساحة الفلسطينية وفي غزة تحديداً، لا سيما المجزرة الصهيونية في المستشفى المعمداني، محاولة اسرائيلية يائسة لإعادة عقارب الساعة العسكرية إلى الوراء، والانتقال إلى خطوط فصل جديدة تمنح الكيان الصهيوني فرصة وقف التدهور ومنع سقوط «الهيكل» بجزأيه الاسرائيلي من جهة، والبيئة الدولية الحاضنة لسياسة «إسرائيل» في المنطقة والوجود الأميركي تحديداً الذي خسر مع طوفان الأقصى ورقة إقليمية اعتبرت على مدى سنوات رابحة، في ظلّ التمدّد الذي نشهده اليوم على المستوى الروسي كما الصيني بالتزامن مع انكفاء أميركي، في مراحل افتقدت فيها الولايات المتحدة الأميركية إلى ما يُعرف بالصقور الحاكمة، والكيان الاسرائيلي للملوك.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة خصوصاً بعد المجزرة في المستشفى المعمداني ولقاء نتنياهو بايدن، هل يمكن الفصل بعد اليوم بين مستقبل «إسرائيل»، والوجود الدولي في المنطقة، الحاضن والمؤيد لسياسة «إسرائيل» العسكرية وأيضاً لدورها العدواني والدموي؟
في الخلاصة حصر مفاعيل التحوُّل بـ مستقبل «إسرائيل» العسكري مقاربة خاطئة دونها حقائق غير معلنة، أحد أبرز عناوينها الوجودية ارتباط «إسرائيل» سياسياً عسكرياً وحتى أمنياً بالولايات المتحدة الأميركية حيث لا وجود للكيان الإسرائيلي بمعزل عن الغطاء الأميركي، كما لا دور فاعلاً ومؤثراً للمنظومة الأميركية في المنطقة بمعزل عن ركائز أساسية من بينها القواعد العسكرية في المنطقة، مساحات النفوذ، إضافة إلى «عكازها الاقليمي» الغير متوفر اليوم بـ شروط المرحلة الحالية، وأيضاً وفق متطلباتها الاستراتيجية…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى