أولى

بايدن وسوناك: وجهان لصهيونية واحدة!

‭}‬ د. عدنان منصور*
كنا نظنّ انّ ريشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا، وهو من أصل هندي، قد تحركه مشاعره الإنسانية وتذكره بكابوس استعمار بريطانيا للهند، وما فعلته وارتكبته بحق الشعب الهندي من جرائم، واستغلال، واستبداد، وإذلال، ونهب، وإفقار…
كنا نظنّ وأنه البريطاني الجنسية، سيستعيد ذاكرته على ما أرتكبته الامبراطورية البريطانية من جرائم بحق شعوب العالم، وبالذات الجريمة البشعة الأكبر في التاريخ الحديث بحق الشعب الفلسطيني، إذ كانت بريطانيا الوجه المحتلّ البشع، والعراب القذر، والدولة التي لا أخلاق لها، عندما سلّمت فلسطين للعصابات الإرهابية الآتية من خلف الحدود، والتي قامت بتطهير عرقي لفلسطين، وشاركتهم سياسياً، ومادياً، وعسكرياً، ولوجستياً، في جرائمهم، وساعدتهم بكلّ الوسائل لغرس دولة عنصرية دخيلة على حساب الشعب الفلسطيني. عصابات إرهابية هجّرت ودمّرت، وأبادت مدناً وقرى وصل عددها الموثق الى 566 مدينة وقرية.
كنا نعتقد أنّ هذا البريطاني المتجنس، والهندي الأصل، لا يزال يحمل في داخله القليل القليل من المبادئ والمثل الإنسانية الرفيعة التي جسدها يوماً رجل الهند العظيم المهاتما غاندي، ومن الحكمة التي تميّز بها جواهر لال نهرو، وانه سيوظف «ضميره» ومواقفه في خدمة السلام العالمي، وحقوق الشعوب، وحرية وكرامة الإنسان، ومواجهة الظلم والاستبداد أياً كان مصدره ونوعه وشكله. لكن يبدو أنّ سوناك، آثر «بضميره» البريطاني لا الهندي، ان لا يحيد عن السياسات الكريهة التي سارت عليها بريطانيا لقرون بحق الدول، والشعوب المستضعفة، التي احتلتها، واستغلتها، واستبدّت بها، حيث لم تترك في نفوسها سوى المرارة، والحقد والكراهية والغضب.
ضمير سوناك ليس ضميراً هندياً بعد أن تجنس، وتقمّص الماضي السياسي الوسخ للامبراطورية، ودمغ بدمغة بريطانية صرفة، ليذكرنا من جديد برؤساء وزراء بريطانيا وسياسييها الذين عانت منهم شعوب العالم الأمرّين، لا سيما شعوبنا العربية، التي لم تحتفظ منهم سوى المآسي، والمصائب، والفتن والحروب وسياسة فرّق تسد.
هو ريشي سوناك، الذي جعله ضميره البريطاني، يتعهّد لنظيره مجرم الحرب نتنياهو، الوقوف الى جانب الكيان «في أحلك الظروف»!
يبدو انّ بريطانيا التي ارتكبت أكبر جرائم العصر في فلسطين، يصرّ رئيس وزرائها اليوم، على الوقوف الى جانب الطغاة، قتلة الأطفال، ومدمّري المشافي، ودور العبادة والتعليم، ومرتكبي الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني.
أمام الأه‍وال وآلة الدمار التي حصدت آلاف المدنيين
الفلسطينيين، لم يحرك الحسّ الإنساني لسوناك دماء الأطفال، وأشلاء الجثث المبعثرة، ولا الحصار القاتل على شعب غزة، ولا الحدّ الأدنى من المسؤولية الأخلاقية.
لقد أثبت سوناك بوقوفه الى جانب مجرمي الحرب، انه ليس إلا امتداداً فكرياً وسلوكياً لزعماء بريطانيا وسياسييها الذين عانت شعوب العالم المقهورة من سياساتهم القذرة، وبالذات عالمنا العربي، ابتداء من بلفور، مروراً بـ لويد جورج، وكليمنت اتلي، وانطوني ايدن، وهارولد ويلسون، ومارغريت تاتشر، وصولاً الى المقاول السياسي أنطوني بلير، وبوريس جونسون.
بئس الامبراطورية، وبئس الدولة التي يؤثر رؤساء حكوماتها الوقوف الى جانب الظلم، والقتلة والمحتلين، والمنتهكين لحقوق الإنسان وحرية الشعوب!
هل يُنتظر من ريشي سوناك بعد اليوم الوقوف الى جانب العدالة وحقوق الإنسان، وحرية الشعوب، وهو الذي أراد لنفسه ان يكون الاستمرارية لسياسة دولة ما كانت يوماً، الا نموذجاً قبيحاً نتناً لأبشع وأقذر استعمار، بما قامت به من الإبادة، والتطهير العرقي، والاستبداد، والاستغلال، وحياكة الفتن، وتقسيم الأوطان!
الإبادة الجماعية، والأرض المحروقة، والمجازر الوحشية التي تنفذها دولة العدوان في قطاع غزة، حركت «نخوة» و»عقدة» سوناك الدفينة في نفسه، ليبدي عاطفته «الإنسانية» ودعمه لنتنياهو ولكيانه، يؤكد له «الوقوف الى جانبه في أحلك الظروف»!
جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند، وريشي سوناك الهندي الأصل، رئيس وزراء بريطانيا! شتان ما بين الاثنين. الأول دافع بكلّ قوة عن القيَم وحقوق الشعوب الحرة، والثاني جسّد إرث أسوأ امبراطورية بائدة، لم تمارس إلا سياسات القهر والإذلال، والتمييز العنصري!
أمس كشف بايدن علناً عن صهيونيته، واليوم لحق به سوناك ليدافع عن صهيونية الكيان! لا عجب في ذلك، فكلاهما وجهان لصهيونية واحدة…!
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى