أولى

موسكو وبكين وواشنطن صراع مصالح وتقاسم نفوذ…

‭}‬ د. حسن مرهج*
تتنافس الولايات المتحدة والصين وروسيا على المصالح الإقليمية والدولية في العديد من المجالات، بدءاً من السياسة والاقتصاد وصولاً إلى الأمن والنفوذ العالمي. التحليل الإقليمي في دراسة كيفية تأثير هذه الدول على مناطق محدّدة، يتحدّد وفق الملفات الإقليمية الأكثر حساسية كـ الملف السوري والمستجدّ الأبرز ألا وهو التطورات الكبيرة المتسارعة في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بينما يركز التحليل الدولي على تأثير التنافس الروسي الأميركي والصيني على العالم بأسره، لا سيما أنّ مناطق النفوذ ونطاق المصالح بين الدول الثلاث تتشابك، وهذا التشابك يُضفي نوعاً من التحدي بين القوى الثلاث، لكن يبقى ذلك وفق منظور المصالح المشتركة، الأمر الذي يُضفي أيضاً تعقيداً على حلحلة بعض الملفات كـ السوري والفلسطيني.
من الناحية الشكلية للتنافس الأميركي الروسي الصيني، ومن منظور المصالح الإقليمية، فإنّ الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على تواجدها في مناطق مثل الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا الشرقية، إذ تعتبر هذه المناطق حاسمة للأمن والتجارة العالمية، وتسعى الولايات المتحدة للحفاظ على استقرارها وضمان حماية مصالحها الوطنية. وفي هذا السياق، تتضمّن المصالح الأميركية تعزيز التجارة والاستثمار وضمان الوصول إلى الموارد الحيوية مثل النفط والغاز.
من ناحية أخرى، تسعى الصين لتعزيز نفوذها الإقليمي في آسيا وأفريقيا، إذ تعتبر الصين أكبر اقتصاد ناشئ في العالم، وتسعى لتعزيز تجارتها واستثماراتها في المناطق المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الصين لتأسيس قواعد جديدة للتعاون الإقليمي من خلال مبادرة «الحزام والطريق»، التي تهدف إلى تعزيز التجارة والبنية التحتية في مناطق مختلفة حول العالم.
أما روسيا، فتسعى للحفاظ على تأثيرها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، حيث تعتبر هذه المناطق حاسمة للروس من حيث الأمن والتجارة، وتسعى روسيا للحفاظ على تحالفاتها وتعزيز نفوذها في المنطقة. وفي هذا السياق، تسعى روسيا للحفاظ على حكم الأسد في سورية وتعزيز تعاونها مع دول مثل إيران وتركيا.
من حيث المصالح الدولية، تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على دورها كقوة عالمية رائدة، وتعتبر الولايات المتحدة لاعباً رئيسياً في العديد من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، وتسعى للحفاظ على القوانين الدولية وحقوق الإنسان والديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الولايات المتحدة للتصدّي للتهديدات الأمنية العالمية مثل الإرهاب وانتشار الأسلحة النووية.
من جهتها، تسعى الصين لزيادة نفوذها وتأثيرها في المجتمع الدولي، حيث تعتبر الصين أحد أعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتسعى لتعزيز دورها في صنع القرارات الدولية. وفي هذا السياق، تسعى الصين لتعزيز التعاون الدولي في مجالات مثل التغير المناخي والتجارة الحرة.
أما روسيا، فتسعى لاستعادة نفوذها الدولي السابق كقوة عالمية، وتعتبر روسيا أيضاً أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وتسعى لتعزيز دورها في صنع القرارات الدولية. بالإضافة إلى ذلك، تسعى روسيا للتصدي للتحديات الأمنية العالمية والتأثير على المصالح الدولية من خلال استخدام قوة ناعمة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
تشهد العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة والصين تشابكاً كبيراً للمصالح ومناطق النفوذ. تعتبر روسيا والولايات المتحدة قوتين عظميين على الصعيد العالمي، ولديهما مصالح مشتركة في بعض المجالات مثل مكافحة الإرهاب والأمان النووي. ومع ذلك، فإنّ هناك توتراً كبيراً بسبب التبارز في منطقة أوروبا الشرقية وأزمة أوكرانيا، فضلاً عن خلافات حول قضية سورية، والأهمّ الواقع الحالي الذي فرضته التطورات في فلسطين.
اذاً يبدو واضحاً حجم التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا، لا سيما أنّ الأخيرة تسعى لتمرير قرار في مجلس الأمن يقضي بإجبار «إسرائيل» على وقف إطلاق النار، والبدء بمفاوضات مع السلطة الفلسطينية تُفضي إلى حلّ مستدام، بينما الولايات المتحدة تسعى وبكامل ثقلها السياسي لتعطيل القرارات الروسية، بما يؤكد حجم التنافس بين موسكو وواشنطن، الأمر الذي ستكون له تداعيات كبيرة على عموم ملفات المنطقة، ولن يكون حِكراً على الملف الفلسطيني.
بشكل عام، يمكن القول إنّ المصالح الأميركية والصينية والروسية تتنافس وتتعارض في العديد من المجالات الإقليمية والدولية، إذ يعتمد نجاح كلّ دولة على قدرتها على تحقيق مصالحها وتعزيز نفوذها في المناطق المستهدفة، ويؤثر ذلك على العلاقات الدولية والتوازن العالمي، لكن بالمجمل فإنّ الصراع الروسي الأميركي والصيني في المنطقة يُشير إلى التنافس والتوترات السياسية والاقتصادية بين روسيا والولايات المتحدة والصين في عموم الشرق الأوسط. هذا الصراع يشمل المجالات العسكرية، الاقتصادية، الثقافية، وغيرها، ومن المؤكد تأثر دول المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر بهذه التوترات، وقد تؤدّي إلى تغيّرات في التوازنات الإقليمية والعلاقات الدولية، لكن المؤكد وحتى انقشاع غبار المعارك في فلسطين، فإنّ عمق التنافس بين الدول الثلاث سيكون مؤسّساً لمرحلة جديدة في المستويات كافة، وقد نشهد تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفق القواعد الأميركية والصينية والروسية، ليكون ذلك ممراً للوصول إلى تسوية الملف السوري.
كلّ ما سبق يؤكد بما لا يدع مجالاً للشكّ، بأنّ واشنطن وبكين وموسكو، أعداء لكنهم يبحثون عن دائرة تجمع مصالحهم ليتمّ تقاسمها…

*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى