أولى

أساتذة الجامعات بين الإنجازات العلمية والإنجازات الفيسبوكية!

‭}‬ د. محمد سيد أحمد
نواصل الحديث هذا الأسبوع في سلسلة المقالات نفسها التي أفردناها لكشف أهمّ السلبيات التي أصابت المؤسسة الأكاديمية المصرية والتي نتج عنها جيل جاهل من الأساتذة والطلاب، حيث تناولنا في المقال الأول فوضى منح الدرجات العلمية، وتناولنا في المقال الثاني كيفية صناعة أستاذ جامعي جاهل، ونحاول اليوم الإضاءة على أهمّ الإنجازات العلمية التي يقدمها غالبية أساتذة الجامعات اليوم في ظلّ تطور وسائل الاتصال والإعلام الرقمي، خاصة مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت متاحة للجميع، وتستخدم كوسيلة للترويج للإنجازات الشخصية للمواطنين، فأصبحت صفحات الفيسبوك الوسيلة الأكثر انتشاراً في المجتمع المصري منبراً يمكن من خلاله التعرف على اهتمامات صاحبها.
لذلك يمكن أن تعكس الصفحة الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك المستوى الثقافي لأي مواطن وقياس مدى وعيه عبر ما ينشره عليها، فما يقوم بنشره الشخص يعبر عن اهتماماته وحجم معارفه ومواقفه وتوجهاته وسلوكه في الحياة اليومية، وخلال السنوات الأخيرة كنت أتابع صفحات بعض الزملاء من أساتذة الجامعات المصرية بحكم الانتماء للمهنة نفسها، وكنت أتعجّب في البداية من ضحالة وسطحية بل وتفاهة ما ينشره هؤلاء الأساتذة على صفحاتهم الشخصية، فهناك من تتركز منشوراته حول أسرته وزياراته العائلية ورحلاته وسهراته مع الأصدقاء، ومن ينشر كلّ يوم الأدعية الدينية التي تعبّر عن تديّن زائف، ومن ينشر بعض المنشورات الجاهزة والمعلبة والتي تنتشر على كثير من المواقع وبعضها عبارة عن أكاذيب يروج لها أعداء الوطن حيث تتضمّن معلومات خاطئة تتم إعادة نشرها دون وعي، ومن ينشر صوراً وفيديوات تسخر من الواقع بشكل مبتذل، ومن ينشر كلّ يوم مكايدات لمن يختلف معه في الحياة اليومية، وبالطبع هذه النماذج تعبّر عن مدى الوعي الزائف الذي يمتلكه أساتذة الجامعات الذين تربّوا في ظلّ منظومة أكاديمية تشجع على الفساد.
وما ينشره هؤلاء الأساتذة الجامعيون يجعلنا نتساءل إذا كانت هذه هي اهتماماتهم، وإذا كان معظم وقتهم يضيع في الجلوس على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك فمتى يجلس هؤلاء للتفكير والبحث والقراءة والكتابة؟! وعندما يحاول بعضهم الإجابة فيقول لك تابع إنجازاتي العلمية على الفيسبوك، وعندما تندهش من الإجابة، وتقول هل الفيسبوك مجال لاستعراض المنجزات العلمية للباحثين و – العلماء – فتجد من يقول لك وباستنكار شديد نعم أنشر عليه مشاركتي في المؤتمرات والندوات والدورات التدريبية الوهمية التي تتمّ كلّ يوم، وعندما تقول له هذا هو إنتاجك العلمي يقول لك وبكلّ بجاحة نعم، وبالطبع لا عجب في ذلك، حيث إنّ الصعود غير المؤسّس على معرفة علمية حقيقية، والحصول على الدرجات العلمية دون تأسيس علمي، وعبر العلاقات الشخصية والهدايا والرشاوى، هو ما نتج عنه الأستاذ الجامعي الجاهل، الذي لا ينشر على صفحته الشخصية على الفيسبوك إلا التفاهات ويعتبر صولاته وجولاته اليومية على موائد ومكالمات الهلس هي قمة نشاطه وانتاجه العلمي.
ولمثل هؤلاء الأساتذة نقول إنّ المعرفة والإنجازات العلمية الحقيقية لا تنتج إلا عبر عملية شاقة من التفكير والبحث والقراءة والكتابة وهو ما يتطلب التفرّغ بشكل شبه كامل بعيداً عن إضاعة الوقت في مشاركات يومية وهمية لتأتي في نهاية اليوم منهكاً فتقوم بالجلوس بالساعات على مواقع التواصل الاجتماعي وفي مقدّمتها فيسبوك لتنشر تحركاتك النهارية الموثقة بالصوت والصورة ثم تدّعي زوراً وبهتاناً أنها إنجازات علمية، هذه إنجازات فيسبوكية أما الإنجازات العلمية فهي ما تنتجه وتنشره من بحوث ودراسات وكتب علمية رصينة يتمّ العكوف عليها لأيام وشهور وسنوات حتى ترى النور، ويرجع لها الباحثون الساعون لتلقي العلم والمعرفة، ويموت الباحث والعالم ولا يموت علمه. فالإنتاج العلمي الموثق في الدوريات العلمية والمشروعات البحثية المحلية والإقليمية والدولية والكتب المنشورة عبر دور النشر الكبرى هي التي تبقى كمنجز علمي، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى