أولى

العدو على أبواب مدينة غزة… والفشل بانتظاره؟

‭}‬ العميد د. أمين محمد حطيط*
من تابع وحشية القصف والتدمير للقسم الشمالي من قطاع غزة شاملاً المدينة بعد حصارها وفصلها عن جنوب القطاع، تيقن من انّ خطة العدو تتعدّى الاحتلال الجزئي للقطاع الى الإحراق المرحلي الكلي للمناطق المحتلة فيه وتحويلها الى أرض بلا شعب بعد أن وضع السكان فيه بين خيارين اثنين حصراً، إما ترك القطاع والتهجير جنوباً والأفضل خارج القطاع أو الموت في القسم المقتطع لانّ خطة إسرائيل تقوم على إحراقه وجعله منطقة غير قابلة للعيش. هذه هي خطة العدو التي وُضعت بإشراف ودعم لا بل بقيادة أميركية وتأييد من بعض العرب.
وفي المقابل تتمسك المقاومة ومعها شعب غزة عامة وسكان القطاع في قسمه المحاصر خاصة، يتمسكون بالأرض وهم واثقون من انّ الخطة المعتمَدة للدفاع عن المنطقة والمدينة بخاصة هي خطة تمنع العدو من التغلغل في المدينة رغم سياسة الأرض المحروقة التي يعتمدها، كما تحول دون تحقيق العدو لأهداف حصاره لها، ويرون بأن العدو إذا استهلك اسبوعاً من أجل قطع 6 كلم للوصول الى مشارف المدينة ودفع ثمناً باهظاً مقابل ذلك في أرض مفتوحة ومكشوفة، رغم الدور الفاعل للطيران والمدفعية في إسناده القريب والعمل بمناورة السدود النارية المتحركة أمام القوى المندفعة فإنّ هذا لن يستقيم العمل به بل سينتفي كلياً في الأحياء الآهلة حيث سيفرض على العدو الالتحام والقتال من المسافة صفر ويتعطل بالتالي دور الطيران والمدفعية، لذلك لوحظ أنّ العدو توقف عند مشارف المدينة وتحوّلت قواته إلى الحصار مع المشاغلة بالنار في العمق، وهنا سيطرح السؤال عن مسار الأمور بعد ذلك؟
لقد حققت المقاومة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 نصراً استراتيجياً أسطورياً وأنزلت بالعدو هزيمة غير مسبوقة منذ إنشاء كيانه على أرض فلسطين المغتصبة، وبالتالي أصبحت مهمة المقاومة الآن وفي المرحلة التي وصلت اليها الأحداث مزدوجة وهي الحفاظ على الإنجاز ومنع العدو من تحقيق أهداف هجومه المتمثل بالعملية البرية التي ينفذها الآن والتي أعلن أنّ من أهدافها «سحق المقاومة» وتحرير الأسرى الذين ألقت المقاومة القبض عليهم في عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وهي مهمة ليست بسيطة، لكنها ليست مستحيلة.
نقول ليست بسيطة لأننا وفي نظرة موضوعية للمشهد العام نجد أنّ العدو يمتلك إمكانات هامة في ظلّ دعم لا محدود وانخراط أميركي وغربي في الحرب الى الحدّ الذي جعل الحرب وكأنها حرب أميركا، ونقول إنها ليست مستحيلة في ظلّ عاملين اثنين، عامل يتعلق بواقع المقاومة من حيث معنوياتها العالية وتحضيراتها الدفاعية المتقنة من جهة، ومن جهة ثانية من حيث التآكل في وضعية العدو لجهة الواقع المعنوي المتردّي وتنامي الضغط الداخلي خاصة ما يتصل بالأسرى فضلاً عن التحوّل في الرأي العام العالمي والذي بدأ يضغط ليشعر أميركا و»إسرائيل» بأنّ المهلة ليست مفتوحة في ظلّ الظروف الإنسانية السيئة في القطاع الذي تحوّل الى ميدان ممارسة الإبادة الجماعية.
في ظلّ هذا الواقع، تتبيّن أهمية ما أطلقه سماحة السيد أمين عام حزب الله في مسألة أهمية انتصار المقاومة في غزة ومسؤولية الأطراف الإقليميين ودورهم في المواجهة القائمة باعتبار أنّ نتائجها ستنسحب على الجميع ربحاً او خسارة، انتصاراً او هزيمة، واذا كان منع الهزيمة اليوم والحفاظ على النصر يتطلب قدراً من التضحية فإن إزالة آثار الهزيمة إذا وقعت سيتطلب تضحيات تكون أضعافاً مضاعفة عما يقدّم الآن من أجل النصر.
وهنا ورغم عدم ثقتنا بإمكانية قيام النظام الرسمي العربي بدور إيجابي في هذه المواجهة، وبالتالي لا نرى مفيداً التعويل أو انتظار ما سيصدر عن مؤتمر القمة العربي الذي دُعي اليه في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي أيّ بعد 35 يوماً من بدء عملية طوفان الأقصى واندلاع الحرب، لكننا مع ذلك نطالب الشعوب برفع صوتها في الشارع والضغط على حكوماتها لاتخاذ موقف أقله الضغط على أميركا لوقف الحرب، ففي وقف إطلاق النار او على الأقل فرض هدنة إنسانية في مدة معقولة فرصة للتخفيف من الضغوط على سكان القطاع لاقتلاعهم من أرضهم، وفيها فرصة لوقف مؤقت للإبادة الجماعية التي ترتكب على أرض القطاع. وهنا نكتفي بان نطالب العرب بموقف فاعل لوقف هذه الإبادة ولديهم الأوراق الكثيرة التي يلعبونها من أجل تحقيق هذا الأمر.
اما الجانب الآخر والأهمّ في تقديم الدعم والصمود والمقاومة والشعب في غزة فهو ما يقدّمه محور المقاومة عامة وجبهة لبنان بشكل خاص. وهنا نتوقف مرة أخرى وبشديد اهتمام عند موقف سماحة السيد الذي خيّر فيه العدو وأميركا خاصة بين اتجاهي سلوك، الأول وقف الحرب والثاني توسّع الحرب، فإذا كانت أميركا تخشى من توسّع الحرب او لا ترغب بهذا التوسع كما تشيع، فعليها أن تعمل لوقفها وعليها ان تعلم انّ محور المقاومة لا يمكنه السكوت مطلقاً على جريمة الإبادة الجماعية التي تُقترف بحق غزة بأهلها ومقاومتها، خاصة أنّ جميع مكونات هذا المحور وجهوا كلّ على طريقته ومن موقعه الرسائل الميدانية المناسبة والقابلة للتطوير، لأنهم يدركون انّ ما يجري على شعب غزة ومقاومته اليوم قد يجري عليهم غداً في حال نجاحه في غزة، ولذلك ومن باب «العمل الوقائي الاستباقي للدفاع المشروع عن النفس سيجد المحور بكلّ أطرافه نفسه ملزماً بالعمل لمنع العدو من تحقيق أهداف حربه على غزة».
وهنا لا بدّ من العودة للتأكيد بأن السيد أبدع في تحديد المسؤوليات في المواجهة الجارية باعتبار انّ النصر للجميع دون استثناء، ويعني كلّ دول المنطقة وشعوبها، وانّ الهزيمة لن يتفلت منها أحد لأنّ المواجهة ليست بين إسرائيل وحماس، كما يروّجون ويردّدون في الاعلام الصديق او المعادي عن حسن نية او سوئها، بل هي حرب إقليمية/ دولية يريد منها الغرب إخضاع المنطقة كلها ووقف موجات تحرّرها ودفعها للعودة الى ما أطلقته أميركا وعملت له تحت عنوان «شرق أوسط جديد» أميركي الهوية والهوى ويواجهه سعي يقوده محور المقاومة تحت عنوان «شرق أوسط لأهله»، ورياح الإقليم والعالم ترجح سعي محور المقاومة. وعلى الجميع أن لا يفوّتوا الفرصة…
*أستاذ جامعي ـ باحث استراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى