مرويات قومية

الرفيق الموسيقي والرسام المغمور حزبياً خليل مكنية و الرفيق توفيق عسيران و الرفيق الصديق مالك مالك

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ «البناء« هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات مشرقة من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة، وقد سجلت في رصيد حزبهم وتاريخه، وقفات عز راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا أي تفصيل، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
أنّ نكتب تاريخنا،..فإننا نرسم مستقبل أمتنا.

إعداد: لبيب ناصيف

الرفيق الموسيقي والرسام المغمور حزبياً خليل مكنية

 

 

كان الأمينان محمد جبلاوي ورضا كبريت، قد أوردا لي أكثر من مرة في سياق الحديث عن رفقاء فنانين عرفاهما خلال عملهما الحزبي النضالي الطويل، اسم الرفيق خليل مكنية وأنه شقيق والدة الرفيقين: الموسيقار توفيق الباشا، والرسام أمين الباشا (خالهما).
إنما لم أقرأ عنه في ادبيات الحزب، ولم يبرز اسمه في مناسبات حزبية مركزية او محلية في منفذية بيروت، ففيما نرى حضوراً بارزاً في الحزب لكلّ من الرفيقين الموسيقيين زكي ناصيف وتوفيق الباشا، نجد غياباً شبه تامّ للرفيق خليل مكنية.
***
في النبذة المعممة بتاريخ 09/08/2010 يشرح الرفيق الراحل الموسيقار توفيق الباشا(1) كيف عرف الحزب على يد خاله الرفيق خليل مكنية، وعلى يديه مشى خطواته الأولى في عالم الموسيقى.
وفي لقاء أجراه الرفيق د. ميشال خيرالله مع الرفيق توفيق الباشا، في بحمدون الضيعة حيث كان يصطاف(2)، يقول الرفيق الباشا: «في العام 1947، بعد عودة الزعيم من مغتربه القسري، أقمنا حفلة موسيقية في «الوست هول» (الجامعة الاميركية)، خالي خليل، زكي ناصيف، وأنا، مع فرقة موسيقية كبيرة وجوقة من المنشدين الهواة. حضر الحفلة سعاده والأمينة الاولى وأعربا عن إعجابهما، كذلك كلّ الحاضرين، الذين ناهز عددهم الـ 400 شخص».
وفي مكان آخر من الحديث يفيد الرفيق الباشا أنه في العام 1955 «أقمنا حفلة كبيرة في صالة سينما الكابيتول(3) توزعت على فقرتين:
الأولى: موسيقية، شاركتُ فيه مع خالي الرفيق خليل والرفيق زكي ناصيف الذي قدّم نشيد تحية الزعيم، وكنا أحضرنا فرقة سمفونية كبيرة، وقدّمنا أغنيات على ألحان كلاسيكية.
الثانية: مسرحية «المنبوذ» للرفيق سعيد تقي الدين، قام بدور البطولة فيها الرفيق أنيس أبو رافع.
على اثرها طلبت الينا الأمينة الاولى ان نقدم حفلة مماثلة في الشام، ووضع المركز تحت تصرّفنا – وكان في دمشق – كلّ ما نطلبه، ولكن حادثة المالكي حالت دون تحقيق ذلك.
***
في كتابه عن الموسيقار الرفيق توفيق الباشا يتحدث الأمين محمود غزالة في كثير من الأماكن عن الموسيقي الرفيق خليل مكنية، ودوره الإيجابي إزاء الاحتراف الموسيقي لابن اخته، الرفيق توفيق الذي أخذ عن خاله، الهواية الموسيقية، كما أخذ عنه شقيقه الرفيق امين الباشا هواية الرسم فبات من الرسامين المعروفين.
في الصفحة 12، يروي الأمين غزالة عن الرفيق الباشا قوله:
«وعيتُ على الموسيقى في المنزل، بسبب وجود خالي خليل مكنية، الذي أصيب بنكسة صحية ألزمته المنزل في عين المريسة، حيث تحوّل هذا المنزل الى ملتقى للفنانين المحليين والأجانب.
«وبالإضافة الى تحوّل المنزل الى ما يشبه المرجعية الموسيقية، فقد أكمل خالي هواياته بالرسم.
«ويمكنني القول انّ خالي أخذ الموسيقى عن سامي الشوا، فقد كان على صداقة مع والدي قبل ان يتزوج من والدتي، وكان واحدهما يحضر الى المنزل تسجيلات سامي الشوا ويلتقي الأصدقاء للاستماع، وتبادل الأحاديث والالفة، فيلتقي الطبيب والمهندس والكاتب والراوي، وانتشرت بين المثقفين والذواقة، حتى وصلت معرفته الى زكي ناصيف الذي جاء ينسجم في علاقاته مع عائلات الهواة الآخرين».
وفي الصفحة 17:
«في أحد أيام سنة 1941، أفقتُ في الصباح وأخذت أغني «افرح يا قلبي» لأم كلثوم في منزل جدتي – فسمعني خالي – ثم قدّمني لزكي ناصيف الذي اقترح عليه ان يعلمني الموسيقى.
«وكان عُهد في السنة 1938 الى الكاتب ألبير أديب ان يتقلد مقدرات الإذاعة وكانت تدعى يوم ذاك (راديو الشرق) ولم يكن في البلاد العربية إلا إذاعة القاهرة وإذاعة القدس.
«وكان ألبير أديب على صداقة مع خالي، فطلب منه ان يتسلّم قسم الموسيقى في هذه الإذاعة، لكن فقدان التجهيزات والاستديو في الإذاعة المذكورة، جعل من منزل خالي مرجعاً ومقراً لتقديم البروفات، قبل تقديمها في الإذاعة.
«وكانت الأغنيات تقتصر على ما يقدّمه يوسف فاضل، وليم صعب، يوسف حاتم، ولاحقاً يوسف تاج ثم كانت لور دكاش(4).
يضيف في الصفحة 19:
«اشتغل خالي خليل مكنية بنفسه فأخذ على عاتقه تحقيق شخصية موسيقية خاصة، لأنه كان يؤمن بأنّ الموسيقى البحتة تفرض نفسها، وتحتلّ موقعها، خصوصاً في حالة كانت فيها الموسيقى شبه غائبة إلا ما ندر، فأخذ يكتب الموسيقى ويقدّمها كلّ أسبوع مرة، وتعاون مع زكي ناصيف الذي يعزف على آلة الفيولونسيل التي كانت تفتقر إليها فرقة خالي الموسيقية.
وفي الصفحة 20:
«لكننا كنّا نسعى لإحداث موسيقى قومية لا تقع في فخ الغربة، فأسّسنا نوعاً من الرباعي الذي ضمّ كلاّ من:
ـ محمود السبليني (من كبار الهواة) كان عازفاً على القانون.
ـ مصطفى الشريف مدرس آلة العود.
ـ خليل مكنية على الكمان.
ـ توفيق الباشا على الفيولونسيل.
وكنا نجتمع كلّ ليلة في بيت من بيوت الثلاثة الأوائل، لأنّ والدي كان لا يحتمل أن يراني أعزف على آلة موسيقية.
وفي الصفحة 23:
«عندما كلفت بالتدريس في المعهد الموسيقي، وكان في بداياته، خلال تجديده في مطلع الخمسينات، قسموا المعهد الى فرعين، واحد للموسيقى الشرقية وآخر للموسيقى الغربية.
كان الفرع الغربي منظماً، فأساتذته مروا بمعاهد عالمية عالية، وكتبه متوافرة، وإمكانات التدريب فيه كانت ميسّرة الى حدّ بعيد.
في حين كانت الموسيقى الشرقية تنحصر في التدريب على العود، وبعد شهرين تجد الطالب حمل عوده واستقلّ، كأنه يرغب في ان يصبح مثل فريد الأطرش.
فقد كان عدد الطلاب في بداية السنة 150 طالباً، فأصبحوا في منتصفها 100 طالب وفي نهايتها 50 طالباً. كان واحدنا، من المدرّسين، يعلّم كلّ الفنون الموسيقية، أنا وعبد الغني شعبان وجورج فرح وخليل مكنية وغيرهم. لأنّ المسؤولين عن المعهد كانوا يعتبرون الفرع الغربي هو الأساس.
«ومع الوقت تطوّرت الأمور حتى حصل التخصص في التعليم، واشترك معنا أساتذة مهمّّون وهم لا يعوّضون الآن مثل زكي ناصيف، يعقوب طاتيوس الذي كان رئيس فرقة محمد عبد الوهاب، انطوان زابيطا رئيس محطة إذاعة حلب، فريد غصن البارع في العزف المنفرد على العود وسواهم».
تحت عنوان «اللقاء مع الرحبانيين» يروي الأمين محمود غزالة نقلاً عن الرفيق توفيق الباشا، ما يلي (ص31):
«أما بالنسبة الى اللقاء مع الأخوين رحباني (عاصي ومنصور) فكان عرابه كذلك خليل مكنية، ففي أحد الأيام جاءنا بخبر انه اكتشف شابين يقدّمان الأغاني الخفيفة المرحة، يعزفان ويغنيان، ولا يلتزمان بالأنماط الغنائية السائدة، وقد اكتشف فيهما طموحاً الى الأفضل، ودعانا أنا وزكي ناصيف ان نلتقي بهما.
تمّ اللقاء في كازينو سعاده على الدورة، حيث كانا مع صديق لهما، هو فرحات الهاشم، يؤلفون ثلاثي رحباني، يقدّمون الأغاني الخفيفة وكان الثلاثي يعزف ويغني في وقت واحد، عاصي على الكمان ومنصور على البزق، وفرحات على الكمان، وهو يتمتع بصوت أجمل من صوتيهما.
«وتكرّر الاجتماع والتقينا أخيراً في الأوركسترا، حيث كنت أنا على الفيولونسيل، وكان زكي ناصيف يشترك معنا على البيانو وكان معنا هاو جديد للموسيقى اسمه سامي عرداتي يعزف على الأكورديون وهو صديق لخالي ولزكي، وكانت الموسيقى من تأليف خليل مكنية.
عندما تفرّغنا للموسيقى، وجمعنا العمل في محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية، في العام 1953 وأخذ عطاؤنا ينمو ويحتلّ مكانه، لُقبنا بعصبة الخمسة، تيمّناً بالخمسة الكبار من الروس الذين استطاعوا ان يجعلوا من موسيقاهم القومية موسيقى عالمية.
«وتألفت عصبة الخمسة من زكي ناصيف، عاصي ومنصور الرحباني، توفيق الباشا، توفيق سكر الذي حلّ محله عبد الغني شعبان في ما بعد.
«ويمكن القول انّ هذا اللقب (عصبة الخمسة) أطلقه علينا كبار الموسيقيين، بعدما جمعتنا لقاءات حميمة فنية واجتماعية، وخضنا مجابهة قاسية مع التقليديين الذين أطلقوا علينا لقب (عصابة الخمسة). لكن الجولة الأخيرة كانت للتجديد الذي وضعنا خطوطه الأساسية، مما دفع التقليديين الى الالتحاق بنا.
«أما علاقاتي بجورج فرح فقد بدأت عندما أسندت إليه رئاسة قسم الموسيقى الشرقية في المعهد الموسيقي الوطني، حيث تعاونّا على أكمل وجه، وكان له دور ملموس في الموسيقى الحديثة.
«أما سامي الصيداوي فقد جاء متأخراً الى حلبتنا، فكان له جوه الخاص في الأغنية الاجتماعية النقدية، وكنت أضع في خدمة الحانه معرفتي وخبرتي وصياغة موسيقاه».
هوامش
1 ـ الحديث عن الرفيق خليل مكنية يرتبط في كثير من الأحيان مع سيرة الرفيق الموسيقار توفيق الباشا، نقترح الاطلاع على النبذة المعمّمة عنه في أرشيف تاريخ الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
2 ـ كنت أتردّد دائماً الى بحمدون الضيعة حيث كان يصطاف العديد من أقربائنا في المصيطبة، وطالما شاهدت الرفيق توفيق الباشا جالساً مع رفقاء، منهم الراحل ابراهيم خيرالله وشقيقه أنطون، والأمين الراحل المحامي ميشال نعمة.
3 ـ كانت تقع في بناية العسيلي، ساحة عالسور المواجهة لمبنى السراي الحكومي.
4 ـ الرفقاء منهم: وليم صعب، يوسف حاتم، ويوسف تاج، للاطلاع على النبذات الخاصة بهم، الدخول الى أرشيف تاريخ الحزب على الموقع المذكور آنفاً.

 

الرفيق توفيق عسيران

من الرفقاء الذين يبقون في الذاكرة لما تمتعوا به من فضائل الالتزام القومي الاجتماعي، أذكر بمحبة وتقدير الرفيق توفيق عسيران الذي رافقته مسؤولاً عن العمل الحزبي في أبيدجان، ثم التقيت به مراراً بعد أن عاد الى الوطن ناشطاً في العمل الحزبي، وقد ترافقنا مرّة ضمن وفد حزبي من عمدة شؤون عبر الحدود لزيارة الوزير جوزف سويد الذي كان قد عُيّن وزيراً لشؤون الاغتراب في الجمهورية السورية.
مُنح الرفيق توفيق رتبة الأمانة من قبل التنظيم الحزبي المستقلّ، وعُيّن عميداً للاقتصاد، وما زلت أذكر اللقاء اللافت الذي ضمّنا في دارته في صوفر وجمع عدداً جيداً من الرفقاء.
كان الرفيق توفيق محدثاً لبقاً، دمث الأخلاق يتمتع بفضائل النزاهة والصدق.
عرفت أيضاً بكثير من التقدير والمحبة ابنه الرفيق فادي الذي حقق نجاحاً باهراً في دراسته الجامعية وفي مراكز عمله في المصارف.
جدير بالذكر انّ عائلة عسيران عرفت الحزب بدءاً من الرفيق عادل عسيران الى الرفيق رفعت عسيران، الى الأمين علي عسيران وربما غيرهم…
آمل من حضرة الأمين علي والرفيق رفعت ان يكتبا ما يغني النبذة عن آل عسيران في الحزب.

 

الرفيق الصديق مالك مالك

 

في الستينات كنت قرأت في كتاب للأمين عبد الله قبرصي عن الرفيق الياس قدسية، وأذكر انّ اسمه ورد في سياق الحديث عن الرفقاء في حلب، ومضت سنوات وإذ تعرّفت على الرفيق مالك مالك عرفت انه ابن الرفيق الياس قدسية.
منذ ذلك الوقت، الرفيق مالك كان ناشطاً في مديرية المصيطبة وعلاقتي به ممتازة كما بشقيقتيه الرفيقتين ضحى وصباح وبشقيقه فجر الذي ما زلت أذكر دراسته الجامعية في مدينة سان دييغو في جنوب كاليفورنيا.
الرفيق مالك يتمتع بمؤهّلات كثيرة جعلته يتبوّأ مسؤوليات حزبية وحضوراً لافتاً في اكثر من جمعية ومؤسسة في المصيطبة (وتحديداً في أوساط الطائفة السريانية) وصولاً الى امانة سر مدرسة مار ساوريوس السريانية متعاوناً مع مديرها الامين عبد المسيح طرزي.
كان الرفيق مالك لافتاً في صدقه واستقامته وارتباطه الوثيق بالعقيدة والنظام القوميين الاجتماعيين في علاقاته الحلوة بالكثير من أبناء المصيطبة.
كنا نلتقي دائماً، وكنت أولِيه الثقة وأتعاطى معه بكلّ المحبة الى أن بدأ المرض يقتات من عافيته إنما كان دائماً مشعّاً بالحيوية معبّراً بصمت وذكاء عن ارتباطه الوثيق بالحزب.
يؤلمنا في منطقة المصيطبة أننا نخسر تباعاً رفقاء أعزاء كان لهم حضورهم ولا يمكننا ان ننساهم أمثال: إبراهيم صندقلي، سيمون بهنا، حسين الزين، اميل أبو رزق، عبد الرحمن بشناتي، والكثيرين الكثيرين وصولاً الى الأمناء عبد المسيح طرزي، بشارة باروكي، إيلي معلوف، انيس وسهام جمال والرفقاء إيلي سعاده، طوني نصر البسكنتاوي، جورج ديراني، سليم أبو سق، نديم عبد الصمد، ملكي جتي وغيرهم وغيرهم ممن أتينا على ذكرهم في نبذات سابقة.
المصيطبة فخورة بتاريخها الحزبي فرحة وحزينة بالعشرات العشرات من الرفقاء الذين انتموا فيها وهم من مختلف عائلاتها ومذاهبها، وهم باقون في تاريخها مع هذا العدد الجارف من الرفقاء والمواطنين المقبلين الى النهضة فتستمر المصيطبة، ليس فقط أنها حضنت رفات الزعيم إنما لكلّ تاريخها النابض والمستمر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى