مقالات وآراء

دلالات استهداف المدنيين في غزة؟

‭}‬ أحمد أسعد عويدات
مما لا شك فيه أنّ آلة الحرب الإسرائيلية ومجلسها الحربي بقيادة نتنياهو زادت من وتيرة استهداف المدنيين العزل والطواقم الطبية والدفاع المدني في أنحاء قطاع غزة. إنّ هذا الإجرام الاستثنائي الذي لم تشهده البشرية منذ عقود تسبّب باستشهاد آلاف الأطفال والنساء وكبار السن والجرحى في المشافي والمدارس ومراكز الإيواء والمربعات السكنية. وفي حصيلة غير نهائية أعلن المكتب الحكومي في غزة عن استشهاد ما يزيد عن 20 ألفاً بينهم 70% من الأطفال والنساء وحوالي 55 ألفاً من الجرحى ونحو 10 آلاف من المفقودين تحت الأنقاض.
إنّ هذه المجازر تحمل في طياتها دلالات ومعاني واضحة لأيّ متابع لمجريات الحرب على الشعب الفلسطيني تتجلى في ما يلي:
ـ أولاً: تعميق جراح وآلام ومعاناة أبناء الشعب الفلسطيني بهدف التأثير على صموده وثباته وإرادته في البقاء على أرضه.
ـ ثانياً: الضغط على فصائل المقاومة للقبول بشروط «إسرائيل» بالهدنة والإفراج عن بعض المعتقلين بدلاً من وقف إطلاق النار والانسحاب من القطاع والإفراج عن الكلّ مقابل الكل.
ـ ثالثاً: تعبير عن فشل قوات الاحتلال في الميدان من خلال عدم تمكنها من تحقيق أية صورة نصر على المقاومة في كافة محاور القتال، إذ لا تزال اليد العليا للمقاومة الفلسطينية على الأرض. وما الحديث عن سحب لواء النخبة غولاني بعد 60 يوماً من القتال لتكبّده خسائر كبيرة بلغت حوالى 30% من قواته وآلياته إلا مؤشر قوي لهذا الفشل الذريع للجيش الإسرائيلي.
ـ رابعاً: إرسال رسائل إلى الداخل الإسرائيلي وخاصة لذوي الأسرى لإظهار أنّ جيشهم يفعل الكثير لإنقاذ أبنائهم ولإقناعهم بالصعوبات المعقدة التي تواجهه، وخصوصاً بعد قتله لثلاثة أسرى بنيرانه، ومقتل ثلاثة آخرين بقصف طائراته مؤخراً.
ـ خامساً: التهجير القسري للغزيين إلى خارج القطاع وبالتالي إفساح المجال أمام المشروع الإسرائيلي الأميركي ليس فقط لإقامة مناطق عازلة، بل إحكام السيطرة على قطاع غزة بالكامل تمهيداً للبدء بمشروعهم الإقتصادي المخطط له آنفاً.
ـ سادساً: الانتقام من هجمات وضربات المقاومة التي انتقلت منذ فترة طويلة إلى مرحلة الهجوم، وإيقاع المزيد من القتلى والجرحى في صفوف ضباط وجنود القوات الغازية، وتدمير عتادها وآلياتها (أكثر من 730 آلية بحسب كتائب القسام منذ بدء التوغل البري)، وفرض معادلة الاشتباك معها من مسافة صفر.
ـ سابعاً: الاستجابة للروح الانتقامية العدوانية التي طالما عبّر عنها المتطرفون أمثال بن غفير وسومريتش وغيرهم ممن يواصلون تسعير هجماتهم العنصرية على مخيمات الضفة وخاصة بعد تسليح آلاف المستوطنين بمختلف أنواع السلاح؛ الأمر الذي يؤكد حقيقة أنّ مجتمع المستوطنين قائم على العسكرة والعدوان والقتل للمدنيين الفلسطينيين الآمنين؛ وهذا ما عبّر عنه في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي الباحث الياهو يوسيان قائلاً: «هؤلاء الفلسطينيون أعداء يجب قتلهم… الطفل عدو، المرأة عدو، وحتى المرأة الحامل تحمل طفلاً عدواً».
ـ ثامناً: تعزيز الخطاب التعبوي في الشارع الإسرائيلي لكسب المزيد من تأييد نتنياهو في استمرار الحرب، وفي ذلك لعب على مزاج ذوي القتلى الإسرائيليين وجنود الاحتياط وإحراج معارضي نتنياهو الذي ينتظره باب السجن المفتوح.
ـ تاسعاً: رفع معنويات المستوطنين والقوات المنهكة عسكرياً ومعنوياً وذلك عبر تزييف الحقائق وعرض روايات مشوّهة وكاذبة من قبل الناطق باسم الجيش الإسرائيلي وزعمه بأنهم يضربون أهدافاً للمقاومة ويحققون تقدّماً على الأرض ويسيطرون على مربعات ومراكز قيادية ويفجّرون ويسيطرون على أنفاق؛ الأمر الذي فنّده أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب القسام قائلاً: «لقد جئتم متأخرين.. لقد أنجزت المهمة». وكذلك محاولة من الناطق الإسرائيلي التخفيف من الضغط الهائل للشارع الإسرائيلي المعتصم غضباً أمام وزارة الدفاع محمّلين مجلس الحرب مسؤولية الفشل في إطلاق الأسرى، وتأمين حياتهم.
عاشراً وأخيراً: التأثير على عنفوان المقاومين ومعنوياتهم بقتل أطفالهم ونسائهم وأهلهم، وتدمير كلّ سبل الحياة المتاحة.
من ناحية أخرى؛ وفي إطار الاستهدافات الإجرامية الإسرائيلية ضد المدنيين، يأتي الاعتقال المشين لمئات الرجال الغزيين وإخفاؤهم قسراً وقتل بعضهم بدم بارد. وأيضاً ما شهدته بناية عنان من مجزرة نفذت بشكل هوليودي عندما قام الجنود الإسرائيليون بتنفيذ إعدامات للرجال بدم بارد أمام مرأى من نسائهم وأطفالهم والذين تمّ إطلاق النار عليهم عشوائياً ومن ثم إعطاء الأوامر لقصفهم بقذائف الدبابات. وكذلك يأتي استهداف الطواقم الطبية والدفاع المدني لحرمان المصابين من فرص العلاج الممكن أو إنقاذ العالقين تحت الأنقاض.
في واقع الأمر، يمكن القول هنا إنّ كل إنسان في قطاع غزة هو مشروع شهيد سواء بالأمراض المنتشرة من جراء انعدام الأمن الصحي أو بالتجويع أو بالقنص او بقذائف الطائرات والدبابات التي تنفذ حزماً نارية او بالإعدامات الميدانية. لقد لخص المفوض العام لوكالة الأونروا ذلك بتصريح سابق بأن «لا مكان آمناً في القطاع ولا حتى منشآت ومدارس وملاجئ الأونروا»
وعلى الضفة الأخرى، يأتي استهداف الإعلاميين محاولة من قوات الاحتلال لمنع وصول الصورة الكاملة والكلمة الحية، وما يمكن تسميته بالرعب الإعلامي الذي تبثه الأقلام النزيهة والأصوات الحرة لتعرية فضائح الجيش الإسرائيلي ومرتزقته المتعددي الجنسيات بما يرتكبونه من مجازر الإبادة الجماعية بحق المدنيين وتدمير البنى التحتية والمدارس والمشافي ومراكز الإيواء ودور العبادة ومقرات الأمم المتحدة ونبش المقابر وانتهاك حرمة الموتى، وقتل وسحق كلّ ما من شأنه أن يبعث الحياة لفلسطينيي غزة. ولعلّ حرمان المدنيين من الغذاء والدواء والماء يؤكد حقيقة هذا المسعى الإسرائيلي. ولقد أفادت منظمة الصحة العالمية «بأنّ 93% من الفلسطينيين يواجهون مستويات من الجوع غير مسبوقة وأنّ هناك إنعداماً للأمن الغذائي».
ختاماً، يأبى أطفال غزة إلا أن ينشدوا نشيد الحياة ونشيد الوطن الذي يكبر فيهم برغم ما أثخنوا من جراح وآلام؛ واعدين بأنهم الرجال الصغار اليوم الذين يعلموننا كيف تكون الرجولة. إنهم صغار اليوم، لكن – انتظروا – إنهم الرجال الصناديد بعد حين…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى